ماذا أكتب وماذا أقول هل أصرخ أم أبكى أم أكبت دموعى فى داخلى علها تشفى ما بقلبى من ألم الفراق والخيانة وعدم الوفاء وهجران الحبيب.. يا لهذه الدنيا البائسة القاسية التى تفرق الأحباب وتزرع فى قلوبهم الكره والحقد والضغينة بما يدور فى الحياة وتأتيك أيام وأنت لا تدرى فيها ماهية الأمور التى تدور حولك تتذكر فيها كل مواجعك تتساءل فيها عن مجرى حياتك وعن تفاصيلها بعد حين من التفكير والمناقشة الذاتية مع نفسك حول الماضى والحاضر.. ستتذكر أن الدنيا فانية وأن رحلة الحياة ستنتهى ذات يوم عاجلا أم آجلا سنفارق أحباءنا الذين قلنا عنهم ذات يوم إننا لا نستطيع العيش بدونهم سنحاول بعدها النسيان سنتأوه وجعا وسنبكى باستمرار وعند كل خيبة أمل سنتذكر كل ما تناسيناه من قبل فالفراغ موحش والفراق مر كنبات الصبر قارس كالزمهرير بل مؤلم كشظايا عذاب الضمير.. تعرفت على الموت مرات عديدة رأيته وشهدت خطفه أصدقاءنا وجيراننا والكثير من الأحبة الصغير منهم والكبير.. كنت أدرى جيدا أنه تذكرة دون عودة وأنه لا يختار بين الغنى أو الفقير المرأة أو الرجل الحبيب أو العدو هو فقط يأتى عندما تنتهى صلاحيتك فى الحياة ويحين موعد رحيلك.. باختصار كل شيء مكتوب فى اللوح المحفوظ.. لم أعد أحس بطعم للحياة مثل السابق فقد أخذت المنية منى أُمين حنونتين وأبا كنت أسند عليه ظهرى كلما أتعبتنى مشاكل الحياة. أعلم أننى سوف أرحل عن هذا العالم يوما ما ولكن كل ما أتمناه عندما يحين موعد رحيلى أن أرحل بسلام دون أن تكون رحلة النهاية محملة بالشقاء لمن حولى من هول ما رأيت من ابتلاءات وأوجاع ومعاناة وصعوبة الفراق فى نطاق حياتى وحياة المقربين.. وغيرهم أتمنى من الله أن أرحل بسلام وأنا لا أحتاج لمن يخدمنى ولا لمن يعانى فى تدبير علاجى كما رأيت فى قصص متعددة ولا أن أجد نظرة البؤس فى عيون من أحب وهم يعيشون بقلوب منفطرة منتظرين موعد رحيلى وكلنا نعلم أن الحياة الدنيا مرحلة وسوف تنتهى ومنا من يرضى بقضاء الله وقدره ومنا من يعترض ولكن يظل ألم الفراق محفورا فى القلوب مهما مرت الأيام ليس اعتراضاً على القدر وإنما حزنا لفقد من نحب. فالبعض يعانى كثيرا حتى موعد الرحيل ويعانى معه من حوله ونقف فى حيرة هل فتنة المرض ومحنة الألم تأتى للراحل أم للراحل ومن حوله وفى الحقيقة الفتنة تأتى للجميع لكل منا نصيب منها بقدر. قد تأتى تلك المحن لنتعلم أو لنتأهل للفراق فالبعض موت الفجأة يذهب عقله ويفقده إيمانه فيأتى المرض رحمة للمريض ورحمة لمن حوله والبعض يكون سببا رئيسيا فى مأساته عندما يرفض الحياة ويتمسك بالمرض دون مقاومة فيعاقب نفسه ويعاقب من حوله حتى يأتى موعده فيرحل تاركا آثارا قد لا يمحوها الزمن مهما مر تبقى فى قلوب المقربين له فالرحيل قادم لا محالة ولكن لكل منا الاختيار إما أن يتحول إلى مأساة من المعاناة والاستسلام وإما أن يكون رحيلا بسلام مهما كانت شدة المرض أو شدة المعاناة كل ما تحتاجه فقط لتمضى رحلتك بسلام أن تتمسك باليقين وبقناعة أن الدنيا إلى زوال طالت أو قصرت ستنتهى وأهم فقرات الحياة هى فقرة النهاية تلك الفقرة هى حصاد العمر بأكمله نقف فيها ننتظر قطار الرحيل لنعود من حيث أتينا إلى الحياة الحقيقية. لقد رأيت الحياة تمضى مسرعة ومعظم أهلها فى غفلة ناس يأتون وآخرون يرحلون أرحام تدفع وأرض تبلع والناس غافلون ولا يستيقظون إلا عند معاينة الموت وسكراته. أحبتى إن الحياة على ظهر هذه الحياة موقوتة محدودة وستأتى النهاية حتماً. سيموت الصالحون والطالحون ويموت المتقون والمذنبون ويموت الأبطال المجاهدون والجبناء القاعدون ويموت الشرفاء الذين يعيشون للآخرة ويموت الحريصون الذين يعيشون لحطام ومتاع الحياة ويموت أصحاب الهمم العالية ويموت التافهون الذين لا يعيشون إلا من أجل شهوات الفروج والبطون حيث قال الله تعالى { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } وقال { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } ستموت نعم ستموت إنها الحقيقة التى نهرب منها دائماً. إنها الحقيقة التى يسقط عندها جبروت المتجبرين وعناد الملحدين وطغيان البغاة المتألهين إنها الحقيقة التى شرب من كأسها العصاة والطائعون وشرب من كأسها الأنبياء والمرسلون قال الله تعالى{ وَمَاْ جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الخَاْلِدُونَ} . إنها الحقيقة التى تعلن على مدى الزمان والمكان فى أذن كل سامع وفى عقل كل عاقل وفى قلب كل حى أن الكل سيموت أن الكل سيموت إلا ذو العزة والجبروت. قال الله جلَّ شأنه { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } إنها الحقيقة التى لا مفر منها ولا مهرب طال الزمان أو قصر { قُلْ إِنَّ المَوْتَ الَّذِى تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلِى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} نعم إنه ملاقيكم فى أى مكان تكونون ستموتون أيها القوى الفتى أيها الذكى العبقرى أيها الأمير والكبير أيها الفقير والصغير. كل باكٍ سيبكى وكل ناعٍ سينعى وكل مذخور سيفنى وكل مذكور سينسى ليس غير الله يبقى.. من علا فالله أعلى اعلم رعاك الله أنه من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آتٍ آتٍ{ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لآتٍ } . إن حياتك إنما تبدأ بعد مماتك.