الجمعة 22 نوفمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
الشورى

بناء الشخصية السوية، أو المواطن الصالح.. منظومة متكاملة تتضافر فيها جميع مؤسسات الوطن.. من أسرة إلى مدرسة إلى جامعة.. إلى مسجد وكنيسة إلى قنوات وثقافة إلى رياضة.. إلى فكر ونخب ومثقفين.. فعلى مدار خمسة عقود ماضية وصولاً إلى زوال عهد الإخوان المجرمين، غابت الدولة عن هذا البناء.. وانسحبت وتركت التدنى يستشرى.. والتطرف والتشدد ينتشر، ولم تكن لديها رؤية لمواجهة هذه التحديات.. فاستباح المتاجرون والاستهلاكيون والمتطرفون والانتهازيون عقل ووجدان المواطن، فغاب الوعى عن قطاع غير قليل وتسطح وجدان الكثير، فأفرزت هذه العقود ظواهر وسلوكيات وانحرافات وهبوطاً وتدنياً وابتذالاً وطفت على السطح بعض النماذج التى تتخذ من الانحراف طريقاً فى مجالات عديدة.. من هنا علينا تشخيص ما حدث وجرى خلال 40 أو 50 عاماً.. لنضع رؤية العلاج والإصلاح.. ومصر بدأت بالفعل لكن ميراث الماضى ثقيل والتحديات كثيرة.    تعرضت الشخصية المصرية لهزات وتحديات عنيفة خلال العقود الماضية، ولم نحسن استغلال الروح المصرية المتوهجة التى تجلت خلال حرب وانتصار أكتوبر العظيم فى البناء عليها ودعم مقوماتها بالشكل الصحيح ولكننا أفسحنا المجال للاستهلاكية فى كل ما يتعرض له المصريون ويدخل عقولهم وأنماط سلوكياتهم ويشكل وجدانهم، سواء من فنون وثقافة وتعليم وتربية وخطاب دينى أطلق العنان للفكر المتطرف والمتشدد وبالتالى الإرهاب والعنف وأيضاً الذاتية واختفاء الإيثار والتجرد وإنكار الذات إلى حد ليس بالقليل ثم «الانمالية»، والاتكالية، وغياب الرؤية لبناء الإنسان المتكامل تعليمياً وثقافياً وفنياً وصحياً لذلك أفرزت هذه المرحلة وعمرها تقريباً خمسة عقود ظواهر مجتمعية غريبة وشاذة فى ظل حالة الفراغ التى سمحت بنفاذ ثقافات وأفكار مستوردة لا تتواكب مع منظومة القيم، ومكونات الشخصية المصرية، فأخذنا من التطور والتقدم مظاهره الاستهلاكية، ولم نتبن أسبابه أو بما يناسب الحالة والنموذج المصرى.

تأثر الشخصية المصرية بهذه الأسباب وظهور قدر غير قليل من الشخصيات غير السوية هو نتاج ومحصلة ما شهدته هذه العقود انتهاء بعام 2011 ثم عزل نظام الإخوان الإرهابى، لتبدأ الدولة المصرية وتأخذ على عاتقها رؤية استعادة وبناء الشخصية المصرية، وتتحمل ما أفرزته الخمسة عقود الماضية، لكنها فى نفس الوقت وفى ظل تداعيات هذه العقود تتحمل عواقبها ومظاهرها  السلبية. الحديث عما جرى فى العقود الخمسة الماضية حديث طويل لكنه يحتاج إلى تضافر المفكرين والمثقفين وخبراء التعليم والاجتماع والنفس ورموز الفن والإبداع لتشخيص الحالة التى أفرزتها الخمسة عقود وأسبابها وكيفية الخلاص من مظاهرها، وكيفية استعادة مقومات الشخصية المصرية السوية التى لم تعرف سوى التسامح والاحتواء والحب والطيبة والولاء والانتماء والصبر والقدرة على التحمل وهو ما تجلى فى فترات الحروب والنضال الوطنى من أجل استعادة مصر وترابها. التنقيب فى حقبة وبئر العقود الخمسة سيكشف لنا بوضوح حقيقة ما جرى وكيف وصلت الشخصية المصرية إلى بعض المظاهر السلبية التى لم تعرفها طيلة التاريخ، من تطرف وإرهاب وتشدد وعنف و«غلظة» وتزييف للوعى، ونجاح أعداء الوطن فى إيصال عدد غير قليل من المصريين إلى مرحلة «التنوير الهدام»، والتجرؤ على قدسية سلامة الوطن، أو الذهاب به إلى آتون الخطر والمغامرات. الشخصية السوية التى لم يعرف المصريون غيرها على مدار التاريخ، وشهدت من الإبداع والتفوق والنضال والتضحيات والانتصارات تحتاج منا إلى عمل خلاق، ورؤى علمية تضع يدها على الداء الذى أصاب قطاعاً من المواطنين بمظاهر وسلوكيات وثقافات غريبة وشاذة تخالف طبيعة ومقومات ومكونات الشخصية المصرية، والحقيقة أن الرئيس عبدالفتاح السيسى طالب الجميع نخباً ومفكرين ومثقفين ورجال دين وكتاباً وأزهرا وكنيسة وتعليماً بالعمل على ترسيخ الشخصية السوية.

التمحيص فى دهاليز الأفكار والثقافات والفنون التى قدمت للمصريين فى العقود الخمسة يسوقنا بطبيعة الحال إلى حقيقة ما جرى وما يحدث من البعض الآن ومنذ يناير 2011 وأرى أن هذه الدراسة، والحرص على البحث والتحليل تمثل لى مرحلة التشخيص الدقيق لحالة الانسحاب التى كانت عليها دولة الخمسة عقود الماضية وتجاهلها البناء الفكرى والقيمى والثقافى والفنى والتعليمى للشخصية المصرية.. وبتحديد الأسباب التى أدت إلى هذه الحالة، يمكن البناء عليها والاستفادة منها فى وضع رؤية وروشتة العلاج والإصلاح والتى هى مهمة دولة بناء الإنسان الحالية.. وأرى أن هذه النقاط مهمة فى وضع الرؤية.

أولاً: اتجاه الدولة إلى الانفتاح عقب انتصار أكتوبر العظيم واتفاق السلام لم يكن محسوباً بشكل دقيق، ولم يكن واعياً بتداعيات هذا الانفتاح رغم أنه فى اعتقادى كان مهماً لكنه تجاهل المخاطر الفكرية والثقافية والفنية والسلوكية فلم توجد الدولة آنذاك بدائل للمواطن عن الثقافات المستوردة التى أفرزها الانفتاح ولم تملك الرؤية للحفاظ على الهوية والشخصية المصرية، فتمادت فى الاستهلاكية وانعكست لغة التجارة والمكسب والخسارة على السلوك والوجدان. ثانياً: تراجع دور المؤسسات الدينية فى تقديم خطاب يواكب تحديات العصر، دون تغيير أو مساس بالثوابت واحد من أهم الأسباب التى أدت إلى تنامى الفكر المتطرف والمتشدد والمغالاة وبالتالى العنف والإرهاب، وتجاهل الدولة فى بعض الوقت التعامل الفكرى لهذه الظاهرة وعدم اقتصارها على الجانب الأمنى المهم أيضاً عدم الوصول إلى رؤية أو خطاب يتصدى لخطابات الجماعات المتطرفة والمتشددة التى أعلنت وكشفت بوضوح عن توجهاتها الإرهابية، وانتشرت هذه الجماعات تلتهم شبابنا فى القرى والنجوع والجامعات ومراكز الشباب وفى النقابات فى ظل استسلام من مؤسسات الدولة وكأن هناك اتفاقاً وهو ما ارتد إلى وجه الدولة ذاتها فى يناير 2011. ثالثاً: أدى تفاقم الزيادة السكانية وزيادة النمو السكانى على قدرات وموارد الدولة إلى حالة من العجز فى مواجهة هذا الحمل الجسيم، فانتشرت العشوائيات وانهارت الخدمات الصحية والتعليمية وارتفعت كثافات الفصول، وأدى عدم تطوير القطاع التعليمى ومواكبته تحديات العصر الجديدة إلى تحويل التعليم إلى مجرد الحصول على شهادة ورقية لا تعكس مستوى وقدرات أصحابها أو نجاح وفشل العملية التعليمية فى تحقيق أهدافها.

رابعاً: تعرضت منظومة القيم المصرية لانتكاسة غير مسبوقة، فى ظل ما يقدم من فنون تسىء للشخصية المصرية، والدولة أيضاً، وتقدم إسفافاً وابتذالاً وتردياً وتسطحاً وتجارية مقيتة، واستهلاكية فى ترويج إثارة الغرائز والعرى والمشاهد الرخيصة، والمبالغة فى العنف والمخدرات والبلطجة، فها هى وصلت إلى درجة «الانحراف الفنى» وشهدنا أفلاماً تسوق الإجرام مثل «عبده موتة والألمانى وإبراهيم الأبيض» ثم أفلاماً تسىء للمجتمع والوطن مثل «دكان شحاتة وحين ميسرة» وأفلاماً تروج للخلاعة مثل موجة أفلام إيناس الدغيدى ناهيك عن الهبوط والتدنى الغنائى مثل أغانى المهرجانات والزار واهتزاز الأجساد بطريقة غريبة وشاذة، وأغانى التوك توك والميكروباص.. حتى أتينا بأجيال تشبه المسخ تعانى من التسطح الثقافى والفنى، وغابت فى الماضى برامج اكتشاف المواهب، ورعايتها واختفى زمن الفن الجميل، واختفت الرومانسية.. والمعانى الحقيقية للحب الذى فهم البعض معناه الحقيقى ليتحول إلى صفقات وخداع، واستخدام وأغراض، خال من الوفاء والتضحيات والعطاء فسيدة الغناء العربى أم كلثوم تغنى: «انت لو حبيت يومين كان هواك خلاك ملاك» فالحب لا يعرف الجريمة أبداً وما حدث باسم الحب هو من قبيل البهتان والزور، لكن حقيقة ما حدث فى الأيام الأخيرة هو انحراف ونتاج أخطاء فى التربية وسوء الحال فى أصحاب هذه الأسر، وسوء تعاطى دينى وثقافى واجتماعى وفنى وعدم حماية كافية من طوفان الأفكار والثقافات المستوردة.

بناء الشخصية السوية منظومة شاملة ومتكاملة يساهم فيها الجميع منذ الصغر وحتى الشباب.. تتضافر فيها جميع مؤسسات الدولة وأيضاً المجتمع المدنى والمجتمع بأكمله من أسرة وتعليم وثقافة ودين وفنون ورياضة، ودولة تقدم لأبنائها الخدمات وتمكنهم من الفرص.. وتتيح لهم فرص التعليم والعمل والرياضة واكتساب المهارات كما تفعل الدولة المصرية الآن، وعلى مدار ٨ سنوات لكن الميراث كبير وثقيل ترسخ عبر ٥ عقود كاملة.

تم نسخ الرابط