محمد فودة يكتب: شيرين عبدالوهاب وأنغام.. "حارستا" قلعة الطرب الأصيل
◄النجمتان حائط الصد الأول ضد "موجة" الأغانى الهابطة وتستحقان لقب "صوت مصر"
◄شيرين تتمتع بكاريزما قوية تضعها فى المقدمة وتمنحها صك "التألق" و"النجومية"
◄أنغام تمتلك قدرات خاصة فى الغناء وتجمع بين زمن الفن الجميل وحداثة الفن المعاصر
◄الجمهور ينتظر أن تجتمع النجمتان فى حفل واحد.. فهل يتحقق هذا المطلب ليعيد لنا أمجاد النجوم الكبار؟
الحديث عن قامتين ونجمتين مصريتين هما شيرين عبد الوهاب وأنغام لابد أن يكون حديثا ذا أهمية خاصة، فكلتاهما قطب الغناء المصرى بل والعربى، فشيرين عبد الوهاب صاحبة صوت مميز وقوى مطعّم بنكهة شرقية مصرية شجية، ليس هذا فحسب بل تمتلك أيضاً قدرة فائقة على أن تجعلك تحلق فى سماوات الرومانسية حينما تسمعها وهى تشدو بأحلى وأروع أغنياتها العاطفية، كما تمتلك نفس القدرة على الإبهار وهى تشدو بأغنياتها الوطنية التى تلهب الحماس وتؤجج المشاعر الوطنية، أما أنغام فهى حالة فنية فريدة من نوعها، حيث حققت نجاحات كثيرة على مدى أكثر من 30 سنة، فهى صاحبة الصوت القوى والإحساس المرهف والمشاعر الجياشة التى قد لا تستطيع السيطرة عليها على المسرح فى بعض الأحيان، وفى كل مرة تقف أنغام على المسرح تستطيع أن تبهرك بإحساسها، وأدائها أغانيها القديمة والجديدة، وللحق فإن الجمهور يذوب مع أنغام ورقتها فى كل أغنية تتغنى بها على المسرح، وإضافة إلى قوة شخصيتها الغنائية فهى تملك أيضا شخصية قوية ومسيطرة على زمام أمور حياتها وحياة أولادها وفى نفس الوقت صاحبة طبع هادئ وتحكم رائع فى الأعصاب ورزانة فى الأداء.
ولقد تابعت ما يثار حول النجمتين فى الفترة الأخيرة، ففى حفلة ليلة الدموع، والتى أقيمت على مسرح بنش مارك بجدة فى المملكة العربية السعودية، قامت شيرين عبد الوهاب بتوجيه رسالة إلى أنغام تحمل أكثر من معنى، حتى لا يستطيع أحد توجيه اللوم لها، وذلك بعد فترة من المناوشات بينهما وبين جمهورهما حول أحقية كل منهما بلقب صوت مصر، وقالت شيرين عبد الوهاب خلال حفلها :الحقيقة فى فنانة عايزة أشكرها هى فنانة كبيرة برضو عايزة أقولها شكرا يابنت الأصول كتر خيرك، وعلى الرغم من ظاهر الرسالة أنها رسالة شكر فإن جمهور أنغام لم يمررها مرور الكرام وربط هذه الجملة باللايكات المسيئة التى قامت بها أنغام على تويتر ضد شيرين عبد الوهاب مما جعلهم يقومون بالهجوم على شيرين عبر صفحات التواصل الاجتماعى، مؤكدين أن أنغام هى صوت مصر.
وللحق وبعيدا عن هذه المناوشات فأننى أرى أن النجمتين هما صوت مصر، صحيح أن النجومية قد تفرض على الفنان سلوكيات معينة فى حياته وهذا أمر طبيعى لكن عندما يقع الفنان فى بحر من المشاكل لابد أن يستيقظ ويفيق قبل أن يغرق ويقضى على نفسه، وسبق أن تعرضت شيرين عبدالوهاب لحرب نفسية هى فى حقيقة الأمر ليست حربًا بمفهومها التقليدى بل إن أقل ما يمكن أن توصف به أنها مجرد حماقات لا علاقة لها بالإنسانية، لكنها من الممكن أن تؤدى بها إلى التهلكة، خاصة وهى من المطربات القلائل اللاتى يحملن قلبًا أبيض حيث نجدها تتعامل مع الآخرين بتلقائية شديدة وعفوية تامة بعيدة كل البعد عن أشكال التصنع التى هى السمة الغالبة على معظم العاملين فى مجال الفن.
وبعيدا عن الأزمات التى أحاطت بشيرين عبد الوهاب خلال الفترة الأخيرة فهى مازالت تمتلك قدرة فائقة من خلال صوتها الملائكى على أن تصنع لكل من يستمع إليها حالة خاصة به وكأنها تقدم لكل مستمع مناخًا خاصًا به وتضبطه على مقاسه وهذه موهبة وقدرة خاصة جدًا أراها من أهم ما يميز قدرات شيرين عبدالوهاب، حيث لم تسجن نفسها فى قالب محدد أو أسلوب ثابت فى الغناء وذلك لأنها تسعى وبشكل دائم نحو التجديد والتطوير والبحث عن كل ما هو جديد وجميل وكل ما يمكن أن يصنع البهجة لجمهورها الذى يشكل مختلف فئات المجتمع ويضم كافة الأعمار الكبار والصغار على حد سواء، وشيرين ليست نجمة عادية بل إنها استطاعت بالفعل أن تحقق شهرتها ونجوميتها الطاغية من كونها فنانة بسيطة لكل فئات المجتمع وتقدم لنا وبشكل دائم فنًا جميلًا خارجا عن المألوف.. فنًا تنتقى كلماته وألحانه بعناية فائقة، فقد عرفت منذ بداياتها الأولى بأدائها التلقائى والخارج عن أساليب ووسائل الأداء المعروفة والمعتادة من المطربين والمطربات وهم يقفون أمام جمهورهم على خشبة المسرح حتى أصبحت وبكل تأكيد فى صدارة المشهد حيث تعتلى بالفعل عرش النجومية والتميز والتألق وذلك لما تتمتع به من كاريزما وقوة شخصية تجعل لها مذاقًا مختلفًا سواء وهى تغنى أو تتصرف بتلقائية بعيدًا عن الافتعال أو التكلف، وحينما أكتب عن شيرين عبدالوهاب فإننى لا أكتب عن حالة خاصة أو عن فنانة أقدرها وأحترم فنها وإنما أتناول الأغنية المصرية الراقية فى أروع صورها، فحينما تشدو بأغنياتها الوطنية تجدها وقد صنعت حالة خاصة جدًا من الشعور بالارتباط بتراب هذا الوطن لأنها حينما تغنى لمصر فإنها تغنى بإحساس صادق بعيدًا عن الافتعال أو التكلف، فشيرين لها كيانها الخاص والمختلف وباختياراتها المفاجئة دائمًا كانت تكسب الرهان، حتى فى عصر الأغانى المنفردة نجحت شيرين فى تحويله إلى عصر الألبوم دون عناء ومع كل ميعاد طرح ألبوم تخطف الأنظار بالمضمون والأداء ويكون الألبوم الغنائى نقلة نوعيّة لمسارها الفنى أولًا وللأغنية ثانيًا.
وإحقاقا للحق أيضا فإن النجمة أنغام اليوم تختلف عن الأمس، فهى تقف على قمة الخريطة الغنائية، واستطاعت بعد أكثر من ثلاثين عاماً فى مجال الفن، أن تحتل مكانة أولى بين صفوف نجمات الغناء فى الوطن العربى، وذلك بعد رحلة فنية طويلة بدأتها فى سن صغيرة بمساعدة والدها الموسيقار محمد على سليمان، الذى حرص على إبراز مواهب ابنته من خلال أغانى أم كلثوم وليلى مراد وغيرها، وبعد مجموعة من الأغنيات ذات الطابع الطربى مثل "الركن البعيد الهادى، شنطة سفر، أول جواب"، تمردت أنغام على المسار الذى رسمه لها والدها وقدمت أغنيات شبابية معاصرة ، وذلك فى مطلع التسعينيات، واستطاعت بهذا التجديد والتطوير أن تحجز لها شعبية جارفة من المحيط للخليج ، وإذا راجعنا النشأة لأنغام فقد ولدت فى الإسكندرية ووالدها هو الموسيقار محمد على سليمان والذى كان سببا فى نبوغ موهبتها وساهم فى تقديمها بعدة حفلات ومناسبات، ومع تطورها المستمر وتجديدها قررت التخلى عن اللون الكلاسيكى وعدم الاستمرار فى نفس المسار الذى وضعها فيه والدها وقررت تبنى اللون الشبابى والموجة المعاصرة ونجحت فى تقديم عدة ألبومات وفيديو كليب فى مطلع الألفية حققت نجاحا باهرا، وقدمت أنغام ألبومات حققت نجاحا كاسحا فى حياتها الفنية بدءا من "الركن البعيد الهادى"، و"أول جواب"، و"لاليلى لالى" و"اتفقنا"، و"ببساطة كده"، و"انت العالم" و"إلا أنا" و"بقولك ايه" وحتى ألبومها الأخير "مزح"، ومن عام لآخر، استطاعت أنغام أن تبنى مجدها الفنى، رغم أن حياتها العاطفية كانت غير مستقرة إلى حد ما، فبنظرة سريعة على حياتها العاطفية نجد أنها تزوجت مهندس الصوت المصرى "مجدى عارف" وأنجبت ابنها "عمر"، ثم تزوجت الموزع الموسيقى الكويتى فهد محمد الشلبى سنة 2004بعد علاقة عمل طرحت خلال هذه الفترة عمل دويتو جمعها مع زوجها فهد بمناسبة عيد الحب، وأصبحت أما للمرة الثانية حين أنجبت ابنهما عبد الرحمن.
أتمنى أن تغنى شيرين وأنغام معا على مسرح واحد لإسعاد الملايين فى أنحاء الوطن العربى فمثل هذا المشهد الراقى سوف يؤكد لنا أننا أمام اثنتين من النجوم يشكل كل منهما فى حد ذاته ظاهرة فنية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.