يترقب المسلمون يوم ميلاد النبى صلى لله عليه وسلم؛ فتتعدّد مظاهر السعادة والبهجة فى الدول العربية والإسلامية.. وكأنّ الشوارع تزدان فى ذكرى المولد النبوى، فتفوح روائح البخور والطِّيب من بعض البيوت، وتُعقد حلقات الذكر فى المساجد، وتعجُّ البيوت بأصناف الحلويات، وترى الناس متزاورين حاملين أصنافاً شتى من حلوى المولد النبوى الشريف، كلٌ وفقاً لعاداته وتقاليده المتعارف عليها فى الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف. وقالت دار الإفتاء إن الاحتفال بالمولد النبوى الشريف شاهد على الحب والتعظيم لجناب سيدنا النبى صلى لله عليه وآله وسلم والفرح به، وشكرٌ لله تعالى على هذه النعمة. وهو أمرٌ مستحبٌّ مشروعٌ، ودرج عليه المسلمون عبر العصور، واتفق علماء الأمة على استحسانه.
وأضافت الإفتاء، فى إجابتها عن سؤال: «ما حكم الاحتفال بالمولد النبوى؟»، المراد من الاحتفال بذكرى المولد النبوى: أن يقصد به تجمع الناس على الذكر، والإنشاد فى مدحه والثناء عليه صلى لله عليه وآله وسلم، وإطعام الطعام صدقة لله، والصيام والقيام؛ إعلانًا لمحبة سيدنا رسول لله صلى لله عليه وآله وسلم، وإعلانًا للفرح بيوم مجيئه الكريم صلى لله عليه وآله وسلم إلى الدنيا. واستدلت دار الإفتاء بما روى عن بُرَيدة الأسلمى رضى لله عنه قال: خرج رسول للهِ صلى لله عليه وآله وسلم فى بعض مغازيه، فلمَّا انصرف جاءت جاريةٌ سوداء فقالت: يا رسول لله، إنِّى كنت نذَرتُ إن رَدَّكَ للهُ سَالِمًا أَن أَضرِبَ بينَ يَدَيكَ بالدُّفِّ وأَتَغَنَّى، فقالَ لها رسولُ للهِ صلى لله عليه وآله وسلم: «إن كُنتِ نَذَرتِ فاضرِبِي، وإلَّا فلا» رواه الترمذى، موضحة: فإذا جاز ضرب الدُّفِّ فرحًا بقدوم النبى صلى لله عليه وآله وسلم سالِمًا، فجواز الاحتفال بقدومه صلى لله عليه وآله وسلم للدنيا أولى. وفى ردِّه على فتاوى المتشددين التى تُحرِّم شراء حلوى المولد النبوى أو التهادى بها فى ذكرى المولد النبوى، أكد الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، أن شراء الحلوى والتهادى بها أثناء الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف "مباح شرعًا ويدخل فى باب الاستحباب من باب السعة على الأهل والأسرة فى هذا اليوم العظيم".جاءت فتوى مفتى الجمهورية ردًّا على سؤال حكم الشرع فى شراء الحلوى والتهادى بها فى المولد النبوى الشريف، حيث ظهرت بعض الأقوال التى تدَّعى أنها أصنام، وأن ذلك بدعة وحرام ولا يجوز للمسلم أن يأكل منها، ولا أن يشارك فى شرائها ولا فى إهدائها ولا فى الأكل منها، فما الحكم الشرعى فى ذلك؟ وأجاب مفتى الجمهورية قائلًا: إن الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف والفرح بها من أفضل الأعمال وأعظم القربات، ويندب إحياء هذه الذكرى بكافة مظاهر الفرح والسرور، وبكل طاعة يُتقرب بها إلى لله عز وجل، ويَدخُل فى ذلك ما اعتاده الناسُ من شراء الحَلوى والتهادى بها فى المولد الشريف؛ فرحًا منهم بمولده صلى لله عليه وآله وسلم، ومحبةً منهم لما كان يحبه. واستدل المفتى بما جاء عَنِ السيدة عَائِشَةَ رضى لله عنها قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ للهِ صلى لله عليه وآله وسلم يُحِبُّ الحَلْوَاءَ، وَيُحِبُّ العَسَلَ" رواه البخارى وأصحاب السنن وأحمد، فكان هذا الصنيعُ منهم سُنَّةً حسنة، كما أن التهادى أمر مطلوب فى ذاته، لقول النبى صلى لله عليه وآله وسلم: «تَهَادُوا تَحَابَّوا» رواه الإمام مالك فى "الموطأ"، ولم يَقُمْ دليلٌ على المنع من القيام بهذا العمل أو إباحَتِه فى وقت دون وقت، فإذا انضمت إلى ذلك المقاصد الصالحة الأُخرى؛ كَإدْخَالِ السُّرورِ على أهلِ البيت وصِلة الأرحامِ فإنه يُصبح مستحبًّا مندوبًا إليه، فإذا كان ذلك تعبيرًا عن الفرح بمولدِ المصطفى صلى لله عليه وآله وسلم كان أشَدَّ مشروعيةً وندبًا واستحبابًا؛ لأنَّ "للوسائل أحكام المقاصد".. وقال مفتى الجمهورية: لقد نص العلماء على استحباب إظهار السرور والفرح بشتى مظاهره وأساليبه المشروعة فى الذكرى العطرة لمولده الشريف صلى لله عليه وآله وسلم، ويقول الحافظ السيوطى فى "حسن المقصد فى عمل المولد" المطبوع ضمن "الحاوى للفتاوى": [فيستحبُّ لنا أيضًا إظهارُ الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات]. واتفق الفقهاء على أن الرسول -صلى لله عليه وسلم- وُلِد فى يوم الاثنين، واتفقوا أيضًا أنه وُلد فى عام الفيل، ورجَّح جمهور العلماء أنه ولد فى شهر ربيع الأول. واختلف الفقهاء فى رَقْم ذلك اليوم الذى وُلد فيه الرسول -صلى لله عليه وسلم- من شهر ربيع الأول، ونقل الحافظ ابن كثير، العديد من الأقوال المتباينة فى تحديد ذلك اليوم؛ فذكر منها: اليوم الثانى، واليوم الثامن، واليوم العاشر، واليوم الثانى عشر، واليوم السابع عشر، واليوم الثانى والعشرين. وأرجع كثيرون تاريخ الاحتفال بالمولد النبوى الشريف إلى الدولة الفاطمية فى مصر، ويرى البعض أن غياب الاحتفال بالمولد النبوى الشريف فى صدر الدولة الإسلامية كان أمرًا طبيعيًا، حيث كان نشر الدين وتوطيد أركان الدولة الإسلامية وتوسيع رقعتها شغل المسلمين الشاغل وقتها، ويرى حسن السندوبى فى كتابه "تاريخ الاحتفال بالمولد النبوى"، أن الأمويين انشغلوا كذلك بخصومهم العلويين والزبيريين ومحاربة الخوارج والمتمردين وتوطيد الحكم وبعث السرايا والجيوش وكذلك العباسيين، ولهذا قال السندوبى فى كتابه إن هذه الأسباب مجتمعة أو متفرقة كانت تحول دون اتخاذ مولد النبى صلى لله عليه وسلم عيدًا إسلاميا أو موسمًا قوميًا ليحتفلوا به. يقول السندوبى إنه بعد أن استولى الفاطميون على مصر فكروا كيف يتمكنون من استمالة قلوب المصريين واستثارة عواطفهم حتى يألفوا الحكومة الجديدة ويرضوا عنها، وكانت الميول العامة للمسلمين فى مصر تتجه إلى حب آل بيت الرسول مع الاعتدال فى التشيع لهم، وهكذا بدأ المعز لدين لله الفاطمى الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف وحشد له دولته حتى يعم الناس فى تلك الذكرى الكريمة ولياليها صنوف الخيرات، خاصة أن فى تلك الحقبة كانت تعانى مصر من أزمة مجاعة وقحط، وهكذا فى أول احتفال بالمولد النبوى الشريف فى مصر، "وزعت الأموال على الناس كافة، وعمهم الإحسان باختلاف طبقاتهم، ومنح أهل الستر منهم سنى الصلات، وأورثوا بالعطايا والهبات، ووزعت فيهم الهدايا والنفحات". وكان كبار رجال الدولة والأعيان يتنافسون فى إقامة الزينات وصناعة الولائم والمآدب وإسداء الصدقات، وكان القرآن الكريم يتلى صادحًا فى المساجد والزوايا ويكثر ذكر لله والصلاة والسلام على النبى صلى لله عليه وسلم.
وكانت المواكب الفخمة ومسيرات الجند الفرسان بأعلامهم وطبولهم وأبواقهم من مراسم الاحتفال بالمولد النبوى الشريف فى ظل الدولة الفاطمية، وكان الأهالى كذلك يحتشدون ويتقدمهم قضاة الدولة ودعاتها وكبار رجالها، وهكذا بدأ أولاد المعز لدين لله وأحفاده والأمة الإسلامية فى جميع الأنحاء بالاحتفال بالمولد النبوى الشريف، يقول السندوبى "كانت أكثر الأمم عناية بهذه الذكرى والاحتفال بها والاحتشاد لها بعد مصر الشام والجزيرة والموصل واليمن وإفريقية والمغرب والأندلس، وجروا فى ذلك على الأوضاع التى ابتدعتها الدولة الفاطمية بمصر مع كثير من التصرف والافتتان فى الكميات والكيفيات". وعلى الرغم من أن الشائع لدينا أن الدولة الفاطمية هى من أحيت مولد النبى صلى لله عليه وسلم بالاحتفالات، إلا أن البعض له رأى آخر، فيرى إسماعيل سامعى فى كتابه "تاريخ الاحتفال بالمولد النبوى الشريف" أن أول من احتفل بالمولد النبوى كانت بلاد الأكراد، أى كردستان بالعراق، وفى الوقت نفسه ببلاد المغرب الإسلامى أيُها المُسلمونَ: نعيشُ فى هذا الشهر فى نَسَمَاتِ خيرٍ، نعيشُ فى لطائِفَ مُحمديةٍ نعيشُ فى ذكرى ولادَةِ أحبِّ الخلقِ إلى للهِ - تعالى - نعيشُ فى ذكرى ولادَةِ سيِّدِ الخلائِقِ العَربِ والعَجَمِ، نعيشُ فى ذكرى ولادَةِ مُحمدٍ رسولِ للهِ عليهِ صَلَوَاتُ للهِ، فما أحلاها من ذكرى عظيمةٍ، وما أعْظَمَهَا من مُناسَبَةٍ كريمةٍ عمَّ بِها النُّورُ أرجاءَ المعمورةِ، ما أعظَمَهَ من حَدَثٍ حَوَّلَ تاريخَ الجزيرةِ العربيةِ من قبائل متناحرة مشتتة يفتك بعضها ببعض يتباهَوْنَ بالرذائِلِ والمحرَّماتِ يرفَعُونَ لواءَ الشركِ وعبادَةِ الأوثان حتى صارتْ الجزيرة العربية مهدَ العلمِ والنُّورِ والإيمانِ ودولةَ الأخلاق والعدلِ والأمانِ بهدى النبى محمدٍ - عليه الصلاة والسلام.