المصريون "حزّموا البطون" من أجل تحقيق الانتصار المفقود
٦ أكتوبر.. هو فخر العرب.. يوم العزة والكرامة، الذى أثبت فيه المصريون جميعًا وفى القلب منهم الجيش المصرى العظيم أن إرادة المصريين أقوى من الصلب، وأن عزمهم لا يلين. فى مثل هذا اليوم منذ 48 عاما بالتمام والكمال أكد المصريون للعالم كله أنهم لا يقبلون التفريط فى ذرة رمال من أرض الوطن، وأنهم على استعداد لتقديم أرواحهم فداء لمصر. ففى 6 أكتوبر 1973، وقف الخلق ينظرون بفخر للمعجزة التى حققها الجيش المصرى حينما عبر قناة السويس لأقوى مانع مائى فى التاريخ العسكرى وقهر خط بارليف الحصين، أقوى خط دفاعى عرفته البشرية فى العصر الحديث وحقق المصريون نصرًا أسطوريا لا يزال العالم يقف أمامه مندهشا منبهراً. الآن وبعد 50 عاما من النصر الأسطورى لا يزال المصريون بحاجة للتمسك بروح أكتوبر التى صنعت هذا النصر، فالروح التى حققت فى ميدان القتال أعظم انتصار فى التاريخ العربى الحديث، قادر على تحقيق معركة البناء -أعظم بناء- لدولة حديثة عصرية فى مقدمة الدول العظمى فى العالم. تعد حرب أكتوبر رابع مواجهة عسكرية بين الدول العربية وإسرائيل، ولقد جاءت بعد فترة طويلة من التخطيط بين البلاد العربية، وبتنسيق بين مصر وسوريا، وضغط مصرى على الاتحاد السوفيتى لتعويض الأسلحة والمعدات التى فقدت فى حرب ١٩٦٧، وقد بدأت الحرب فى الساعة الثانية من بعد ظهر يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣ حيث كانت إسرائيل لا تزال تبدو أمام العالم قلعة عسكرية منيعة لا يمكن اقتحامها، ولكن هذه الأوهام الإسرائيلية لم تلبث أن تبددت منذ الساعات الأولى من القتال، فقد نجحت القوات المصرية فى اقتحام قناة السويس واجتياح حصون خط بارليف، وعلى الجبهة السورية نجحت القوات السورية فى عبور الخندق الصناعى الذى أقامته إسرائيل، واندفعت كالسيل الجارف تشق طريقها فى مرتفعات الجولان .
وهكذا انهارت نظرية الأمن الإسرائيلى بكل أسسها ومقوماتها، وتقوضت سمعة الجيش الإسرائيلى الذى ذاعت شهرته فى الأفاق بأنه الجيش الذى لا يقهر، وأصيب الشعب الإسرائيلى بصدمة عنيفة وصفها بعض المحللين العسكريين بالعبارة الشهيرة "زلزال فى إسرائيل". لقد كانت حرب أكتوبر حدثا فريدا بلا شك، بل نقطة تحول فى مسار الصراع العربى- الإسرائيلى وكان من أبرز سمات حرب أكتوبر هو ظهور كفاءة المقاتل العربى، ومدى ارتفاع مستوى نوعيته وقدرته على استيعاب واستخدام الأسلحة الحديثة والمعقدة بما فيها الأسلحة الإلكترونية، وقد أثبتت حرب أكتوبر أن الحرب باهظة التكاليف فادحة الخسائر، وأن من المستحيل على أى دولة صغيرة أن تستمر فى القتال لمدة طويلة دون أن تتلقى الإمدادات من دولة عظمى تساندها ساعدت كل من الإمدادات الأمريكية التى زودت بها الولايات المتحدة إسرائيل عن طريق الجسرين البحرى والجوى، والإمدادات السوفيتية التى أمد بها الاتحاد السوفيتى سوريا ومصر عن طريق الجسرين البحرى والجوى، على إمكانية استمرار الطرفين فى هذه الحرب طوال المدة التى استغرقتها .كما شهدت حرب ١٩٧٣ بروز إستراتيجية عربية أكثر اتحادا فى الحظر البترولى الذى أعلنته الدول العربية المنتجة للبترول (أوابك) وساعد ذلك الحظر على إعادة تحديد الدور السياسى العالمى للدول العربية . كان لحرب أكتوبر تداعيات سياسية، فلولا الحرب ما استطاع السادات أن يبدأ مسيرة التسوية السلمية، فقد كانت الحرب بمثابة تحريك للمياه الراكدة، وفتحت المجال لعقد صلح بين مصر وإسرائيل، فلا شك فى أن تطورات الحرب هى التى اقتضت كلا من الطرفين بأن السلام العادل هو السبيل الوحيد لإتاحة الفرصة للتنمية والتقدم والاستقرار فى المنطقة، وكان السادات قد أعلن أن حرب أكتوبر هى آخر الحروب .
منحت حرب أكتوبر 1973 المصريين دروسًا لا تنتهى من الإصرار والعزيمة والرغبة فى النجاح بما تحويه من أحداث مثيرة يحكيها لنا الآباء والأجداد ممن خاضوا هذه الحرب أو عاشوا وقتها، فلم تنكسر أحلام المصريين المشروعة على صخرة هزيمة يونيو 1967 ولم يعجز المصريون أمام ضعف العتاد العسكرى حيث فقدت مصر أكثر من 85 % من سلاحها آنذاك وإنما كان التفكير دائمًا نحو البناء من جديد والذى كان حلما استغرق تحقيقه أيام وسنين من حياة المصريين امتلأت بالقصص والعبرات التى يحكيها لنا التاريخ عن شعب أصر على النجاح وحققه، فلم تكن مجرد حرب انتصرنا فيها على العدو وإنما هى منهاج حياة نتذكره كلما حل بنا كل تحدٍ جديد .
حفظ الله مصر شعبها وقائدها وجيشها وشرطتها رغم أنف المتربصين الأعداء.