محمد فودة يكتب: "سينما أكتوبر ".. خمسون عامًا من الانتظار
◄السينما ضلت الطريق ولم تكن على قدر الانتصار العظيم
◄الفن السابع عجز عن تقديم فيلم يحكى عظمة "العبور" على غرار أفلام هوليوود عن الحرب العالمية الثانية
◄فيلم "أبناء الصمت" قدم الحرب من زاوية غير نمطية.. و"الرصاصة لا تزال فى جيبى" تم تصويره فى الأماكن الحقيقية للمعارك ◄أفلام "الطريق إلى إيلات والوفاء العظيم وحكايات الغريب وأغنية على الممر" جسدت قيم الفداء والتضحية لجنودنا البواسل فى حرب أكتوبر
بينما نحتفل الآن بمرور 50 عاما مرت على انتصار أكتوبر، ذلك اليوم الملىء بحكايات لا تنتهى عن بطولات أبناء الجيش المصرى، وشعب أصر على النجاح، سيحكيها الآباء والأجداد لأبنائهم على مر السنين، وكلما حلت ذكرى انتصارات أكتوبر من كل عام يتجدد السؤال بل ويتجدد الأمل فى البحث عن إجابة مقنعة لهذا السؤال المعاد والمكرر وهو: متى يتم إنتاج فيلم سينمائى ضخم يجسد بطولات الجيش المصرى فى حرب أكتوبر المجيدة خاصة أن السينما المصرية ظلت طيلة هذه السنوات عاجزة عن تقديم فيلم يحكى عظمة يوم العبور؟! وعلى الرغم من أن الإجابة هى نفس الإجابة التى يتم تداولها كل عام والتى تتمثل فى أنه لم يحن الوقت لأسباب إنتاجية، فإن الرغبة فى إيجاد إجابة مقنعة تظل هى الدافع الرئيسى وراء هذا الفضول من جانب الجميع لمعرفة لماذا لم نر حتى الآن فيلماً كبيراً وضخماً عن حرب أكتوبر المجيدة على غرار تلك النوعية من الأفلام المهمة التى أنتجتها هوليوود عن الحرب العالمية الثانية؟.. علماً بأن حرب السادس من أكتوبر كانت مليئة بقصص البطولات لجنودنا البواسل ومليئة بالحكايات الإنسانية التى تستحق أن تظهر على الشاشة حتى تتعلم الأجيال الجديدة والتى لم تعاصر الحرب أن ما نعيشه من أمان وأمن واستقرار لم يأت من فراغ ولم يهبط من السماء بل هو نتيجة حرب شرسة خاضها جنودنا البواسل بكل جسارة وقلوبهم يملأها إيمان قوى بضرورة تحرير كل شبر من سيناء الغالية.
فعلى الرغم من توالى السنين وتباعد الزمان فإن انتصار أكتوبر المجيد كان وسيظل خالدًا فى القلوب المؤمنة التى صنعته، وفى عقول أبناء الوطن الذين عاشوه وشهدوه، أو شاهدوه لحظة بلحظة فى أكتوبر عام 1973، ففى هذا التاريخ شعر المواطن المصرى بزهو وفخر كبيرين، بل تبدلت فى وجدانه مشاعر الانكسار والمرارة لتصل إلى ذروة العزة والفخار، ليس هذا فحسب، بل ارتفعت رءوس المصريين والعرب إلى عنان السماء من فرط الإحساس بالانتصار، خاصة بعد أن ذاق هذا الشعب مرارة الهزيمة التى لحقت بنا فى عام 1967.
وحتى أكون منصفاً ولا أقلل من مجهود أحد فقد كانت هناك فى أعقاب الحرب عدة أفلام سينمائية نالت استحسان الجمهور ولا تزال تحظى بإقبال على مشاهدتها ولكن بكل تأكيد فإن هذه الأفلام ليست بالقدر الذى يليق بانتصار أعاد الكرامة للأمة العربية بالكامل فضلاً عن ذلك فإن هذه الحرب غيرت الكثير والكثير من المفاهيم العسكرية لدرجة أنها لا تزال يتم تدريسها فى كبرى المؤسسات التعليمية العسكرية ومراكز الأبحاث الحربية فى مختلف أنحاء العالم، وحينما أقول إننا فى أشد الحاجة إلى ظهور فيلم كبير عن حرب أكتوبر ويكون إنتاجاً ضخماً فهذا وبكل تأكيد لا يقلل من أهمية تلك المجموعة من الأفلام السينمائية التى تم إنتاجها وتناولت انتصارات أكتوبر خاصة أن صناع السينما حاولوا تجسيد بعض قيم الفداء والتضحية لجنودنا البواسل فى حرب أكتوبر عبر مجموعة من الأفلام والتى كان من أشهرها: أبناء الصمت، العمر لحظة، الوفاء العظيم، حتى آخر العمر، بدور، وحكايات الغريب، أغنية على الممر والطريق إلى إيلات، وهذه الأفلام على الرغم من نجاحها فإنها ليست من نوعية الأفلام ذات الإنتاج الضخم كما يجب أن يكون لدينا فيلم يجسد بطولات أعظم حرب فى تاريخنا الحديث . واللافت للنظر فى هذا الأمر أن أفلام حرب أكتوبر التى تم إنتاجها فى أعقاب انتصار أكتوبر تعتبر أفلاماً فقيرة جداً من ناحية التنفيذ ومن ناحية البناء الفنى لصناعة السينما وذلك بمقاييس الفيلم الحربى المتعارف عليها عالمياً وذلك بالطبع نتيجة أنه كان الهدف من هذه الأفلام يركز على تمجيد الحدث وتوثيقه دون التركيز على التكنيك سواء فى تقديم المعارك أو فى السياق العام للفيلم الحربى ، وبالتالى وجدنا أنفسنا أمام أفلام درامية عادية تحاول التركيز على قصص تحمل رموزا عن النصر بعد الهزيمة ومعظمها يدور فى فلك فكرة واحدة هى القدرة على تجاوز أزمة النكسة والانتصار على العدو الإسرائيلى.
وهناك مسألة فى منتهى الأهمية هى أنه قد مر حتى الآن 50 عاماً على حرب أكتوبر وهى مدة كبيرة ترتب عليها اختفاء الكثير من الأسلحة التى تم استخدامها فى الحرب وخاصة نوعية الطائرات الحربية ونوعية الدبابات التى شاركت فى الحرب وهذا فى تقديرى عائق كبير فى حالة الإقدام على مسألة إنتاج فيلم سينمائى ضخم عن حرب أكتوبر ، مما يجعل مسألة القيام بإنتاج فيلم سينمائى ضخم عن حرب أكتوبر أمرا فى منتهى الصعوبة الآن ، لذا فإنه أصبح من الضرورى جداً أن يتم اتخاذ خطوات جادة فى هذا الأمر حتى لا نفاجأ بعدم توافر المعدات والأسلحة التى يجب أن تظهر فى أحداث الفيلم والتى بالطبع يجب أن تكون هى نفس الأنواع التى شاركت فى الحرب. وإحقاقاً للحق هناك أفلام سينمائية اقتربت كثيرا من أهمية هذا الحدث الكبير وحاولت تقديمه من زاوية غير نمطية، ومنها فيلم "أبناء الصمت" عام 1974 الذى حاول صناعه تقديم فيلم حربى بدراما مباشرة عن المعارك فى حرب الاستنزاف لينتهى الفيلم بحرب أكتوبر المجيدة، وفى جانب مختلف كان للسينما التسجيلية محاولات جادة ربما تفوق كثيراً الأفلام الروائية التى سبق الإشارة إليها، وحتى أكون منصفاً وموضوعياً فى رصد تلك النوعية من الأفلام التى شهدتها حقبة السبعينيات فإنه وعلى الرغم من أن هذه الأفلام التى بدأ تصويرها مباشرة فى ذروة الحماسة فى نفس عام الحرب، تبدو نبرة الخطابية بها واضحة وتنتصر لصالح المباشرة بعيدا عن الفنيات، فإنها تبدو تأريخاً لا يمكن تجاهله خصوصاً أن بعضها تم تصويره فى الأماكن الحقيقية للمعارك التى كانت لا تزال دائرة حينها، ومنها الفيلم الأبرز "الرصاصة لا تزال فى جيبى" للفنان محمود ياسين، الذى قدم أيضا فيلمى "بدور" و"الوفاء العظيم" فى نفس الأجواء وقد عرض ثلاثتها فى عام 1974، فى الذكرى الأولى لنصر أكتوبر.