الجمعة 22 نوفمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
الشورى

◄نعيش صراعا مع وهم كبير صنعناه بأيدينا وأغرقنا به أنفسنا 

◄الموت هو الحقيقة الوحيدة المؤكدة فى هذه الدنيا

◄ضاع العطاء والحب فى ظروف غامضة وتحولت حياتنا إلى شيء غير مفهوم

◄التسامح سيظل "صمام الأمان" للجميع

◄فوضى الكراهية تغتال كل ما هو جميل

 

الحديث عن الإنسانية لا ينتهى أبدا، خاصة أن كل الأشياء من حولنا لا تعطى سوى هذا الجو المقبض السوداوى، على خلفية ما يحدث فى غزة من دمار شامل ضد الإنسانية جمعاء، فلم يعد للحوار معنى، ولم يعد للنقاش جدوى، ولم يعد للدفء وجود، ويبدو أن الكثيرين حول العالم قد فقدوا الأخلاق والقيم والبراءة وكل المفردات التى يمكن أن نصل بها إلى كلمة سواء، وكأننا نعيش فى كابوس لا نعرف له نهاية، رفض ومظاهرات واحتجاجات ضد انتهاك الإنسانية وأصوات تتقاطع وتحارب بعضها البعض ولا أحد يعرف كيف يمكن الخلاص وسط هذا الجو الذى يحرّض على الكآبة.

ولعلنى وسط كل هذه الأجواء المفعمة بالكآبة أتساءل: أين هذه الحياة الجميلة التى كانت تجعلنا نرتوى من حنان قوى ومن دفء لا يزول؟!

لم يعد للحياة معنى فى هذا الجفاف الممتد، الصحراء تمتد وتمتد، ولكنها تمتد بداخلنا نحن، تمتد بداخل نفوسنا، كل خلايانا تحولت إلى نار بلا نور ولا ضوء، مجرد صراع فى وهم، ومجرد وهم بلا حصاد، خلت أيامنا من العطاء، وتحولت إلى نهش كل ما هو حولنا وإلى محاولات للوقيعة بين الناس بعضهم البعض، أين الحب؟ أين الجمال؟ أين العطاء؟ أين الأيام الخوالى التى كانت بمثابة الشعلة المضيئة فى حياتنا، كأننا نعيش فى كوكب آخر كوكب لا يعرف إلا القسوة والدمار والانفجارات؟! وفى ظنى أنه قد غاب الحب، فارتوت الأرض من الحقد، ونبت الشوك والسيوف وآلات الحرب الطاغية التى لا تعرف الرحمة، ولا تعرف سوى المزيد من الخوف والطغيان والظلم والاستبداد، متى يعود الحب لكى يروى أرواحنا قبل أجسادنا بالأمل نحو صبح جديد طالع بدون رياء وبدون أحقاد وبدون كراهية، وبدون مخالب وبدون خداع؟ لم يعد لليوم معنى بدون حب حقيقى، فقط هناك ثرثرة وأكاذيب تتوالد منها الأكاذيب، وصراعات وموات يلد الموات، الظلام يكاد يظلل علينا، تجرى خيوله بسرعة نحونا، تجرى ولا نعرف كيف نطاردها، ويرجع الحب يتهاوى وليس من يجيب، ليس من ينقذنا من الضياع واللاحب وفوضى الكراهية التى من شأنها الإطاحة بكل ما هو جميل وكل ما هو وليد ينمو فى براءة ليصبح فجأة شرسًا شائخًا ذابلاً، فهل لهذا الحد وصل بنا الحال المتردى، ولهذا المستوى غاصت الأقدام فى وحل الكراهية والصفات السيئة؟!

يسيطر على وجدانى دائما سؤال ولا أعرف له أى إجابة هو: ماذا فعلنا بأنفسنا حتى نصبح على هذا النحو الذى يدعو للأسى والحزن؟! وأين اختفت المشاعر الصادقة والأحاسيس النبيلة التى كانت أفضل ما يميزنا عن سائر شعوب العالم، حينما كانت تلك الصفات «الجميلة» هى المرادف الحقيقى لحياتنا السهلة البسيطة، فحتى وإن كانت التكنولوجيا الحديثة والمتطورة ووسائل الاتصال قد استحوذت على أكبر مساحة فى حياتنا إلا أنه ما كان ينبغى لنا بأى حال من الأحوال أن نسمح لها بإفساد تلك الحياة بالكامل وتحويلها إلى شيء غير مفهوم، قد يرى البعض أننى أتحدث عن أشياء غريبة لم يعد لها وجود الآن وهى الحب والتسامح والقناعة والرضا بما قسمه لنا الخالق جل شأنه ولكنى كنت ومازلت بل وسأظل على يقين تام بأن تلك الصفات النبيلة أبداً لن تختفى ولن تغيب عن حياتنا طالما نحمل بين ضلوعنا قلوباً تنبض بالحب ولدينا إرادة قوية وعزيمة لا تلين ورغبة حقيقية بأن نفسح المجال أمام مشاعرنا الصادقة والحقيقية لأن تكبر وتنمو وتتزايد وتحتل المساحات الأكبر فى حياتنا ، فالخير هو طبيعة الأشياء ونحن من نغير مفهوم الخير ونحوله إلى أشياء أخرى وذلك حينما نتمادى فى إغراق أنفسنا داخل مفردات بعيدة كل البعد عن العقل والمنطق.

وإحقاقا للحق فإننى دائما أتساءل أيضا: لماذا لا نقتدى بالخيرين ولماذا لا ننظر إلى الناس القدوة فى حياتنا؟ وهذا يدفعنى للحديث عن مسألة فى غاية الأهمية هى "القدوة" التى تتمثل فى الشخص والمثال الأعلى الذى يُقتدى به والنموذج المثالى فى تصرّفاته وأفعاله وسلوكه، بحيث يُطابق قوله عمله ويُصدّقه، ويكون القدوة بالنسبة لأتباعه مثالاً سامياً وراقياً، فيعملون على تقليده وتطبيق نهجه والحذو حذوه، وينبع تقليدهم إياه من الإرادة والقناعة الشخصيّة للمقتدى، لا بالضغط الخارجى أو الإلزام من جهة القدوة بذلك، والهدف من اتباع القدوة الرقى لأعلى مستوى من الأخلاق والتعامل والعلم، وقد حدد الخبراء والباحثون صفات الشخصية القدوة بالعديد من الصفات والسلوكيات التى تجعل من الشخص قدوةً للآخرين بشكل عام، وهذه الصفات تتمثل فى تقديم الدعم اللازم فالشخصية القدوة تقدم يد العون للأشخاص من حولها حتّى مع انعدام القدرة على تقديم الشيء المحدد الذى يحتاجونه فالدعم المعنوى فى هذه الحالات يكون كافيا، ومن الصفات أيضاً احترام آراء الآخرين: فالشخصية القدوة تحترم آراء الآخرين سواء كانت مؤيدة لها أو معارضة فكل إنسان له الحق فى إبداء رأيه كما يمكن تعلّم أشياء جديدة من تلك الآراء أو رؤية موقف معين من زاوية مختلفة، وأيضا من بين تلك الصفات إظهار الحكمة والنضج فالحق يقال لا توجد مشكلة فى أن يتصرف الشخص بشكل طفولى من حين لآخر، إلا أن هناك أوقاتاً يجب أن يثبت فيها الإنسان وعيه ونضجه، ويجب أن يتمكن من التعامل مع المواقف الصعبة كالمشاكل الأسرية، والمنافسة فى مجال العمل وغيرها، أما الصدق فهو من أهم وأبرز تلك الصفات فالشخصية القدوة صادقة دائماً فرغم أنّ الحقيقة تؤذى مشاعر الآخرين أحياناً، فإن الكذب يظل الأسوأ على الإطلاق فالناس تتجنب الشخص الكاذب ولا تثق به، وهناك أيضاً صفة مهمة تتمثل فى الابتعاد عن الشائعات لأن نقل الكلام بين الأشخاص ونشر الشائعات يعد واحدا من أسوأ الأمور التى يمكن أن يقوم بها أى شخص فهو يزيد من المشاكل والمتاعب وهنا يمكننى القول إن هذه الأمور جميعها تجعل الشخصية قدوة للآخرين بالفعل.

نحن بحاجة حقيقية إلى قليل من الدفء وكثير من الندى يوقظ بداخلنا الحب ويعيد إحياءه، الحب لم يعد أغنية أو كلمة عابرة نعيشها وننتعش ثم نتوه وراء المادة والمال والجمود، الحب حياة وصيرورة واستمرار ودماء تتدفق فى قلوب لا تعرف الشيخوخة، فليتنا نهيئ المناخ الصحى بداخلنا للمشاعر النبيلة والأحاسيس الصادقة وأن نتخذ من الحب دستوراً نهتدى به، فلا شيء يعادل الإحساس بنعمة الهدوء النفسى، خاصة بعد أن تحول الوفاء والإخلاص إلى عملة نادرة، صحيح هذه هى سنة الحياة التى تركت الحقد والغل والكراهية تملأ القلوب، ولكن لو اتخذنا قراراً بإعلان الحرب على "الحزن" لتغيرت حياتنا بالكامل وأصبحنا بالفعل نتنفس حباً مع من نحبهم بإخلاص فى هذه الحياة.

وللحق مازلت أؤكد على مسألة فى غاية الأهمية مازلت أذكرها وأتذكرها دائما هى أن الموت هو الحقيقة الوحيدة المؤكدة فى هذه الحياة.. علينا أن نتصالح مع أنفسنا وأن نكون أكثر تسامحاً مع الجميع وذلك تصديقاً لقول المولى عز وجل {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }، وقوله أيضاً {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.

تم نسخ الرابط