احتفل العالم برأس السنة الجديدة، ودائما ما تظهر أشجار الكريسماس المزينة بالأضواء من كل الألوان، لوضعها فى الساحات والميادين، ويجهز نفسه الرجل العجوز ذو اللحية البيضاء والملابس الحمراء "بابا نويل"، مشجعًا "الأيائل" التى تجر له مزلاجته السحرية المحملة بالهدايا والألعاب، ليقوم بتوزيعها على الأطفال فىكل بقاع العالم، هنا يكون له الحرية فىدخول البيوت، إما هابطًا من مداخن مدافئ المنازل أو طارقًا الأبواب، لكن إذا ذُكرت غزة، فإن الأمر مختلف تمامًا، فلم تعد هناك أطفال تحتفل، أو تنتظر هدايا الشخصية الخيالية "سانت كلوز"، أو يعلمون حتى أن العام الجديد 2024 قد دخل، فهم مشغولون بحماية أنفسهم من قنابل إسرائيل الفسفورية، التىتتساقط على منازلهم، أو من أزيز الرصاص الخارج ببنادق جنود الاحتلال فىشوارع القطاع المحاصر منذ السابع من أكتوبر الماضى،
لذلك أنصح هذا الرجل بعدم الذهاب إلى هناك، فلم يعد هناك أىمكان للاحتفال، إن شئت قل: "إسرائيل قتلت الطفولة"، فمنهم من قتل، ومنهم من دفن تحت الردم، ومنهم من أصيب وبترت أطرافه، ومنهم من تيتّم، ومنهم من نزح، ومنهم من بقى تحت القصف من دون أمن أو أمان، منتظرا الاحتفال ليس بالعام الجديد، وإنما قرار أممىيجبر إسرائيل على وقف القصف، ونشر طائرات الاستطلاع التىلا يتوقف "زنها" فوق رؤوس الفلسطينيين.
الأرقام الصادمة حول شهداء العدوان الإسرائيلىعلى قطاع غزة، والضفة الغربية، تشير إلى أن 70% من بين أكثر من 20 ألف قتيل وأكثر من 55 ألف جريح، هم من الأطفال والنساء، فيما لا يزال الآلاف فىعداد المفقودين.
أما التقارير الدوليةوالأممية، فتوضح أن أكثر من 80% من الأطفال فىقطاع غزة "يعانون من فقر غذائىحاد"، وتشير تقديراتها إلى أنه فىالأسابيع المقبلة سوف يعانى ما لا يقل عن 10 آلاف طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الذى سيهدد حياتهم"..
من بقى من أطفال قطاع غزة دون الخامسة فىقطاع غزة وعددهم 335 ألف طفل، معرضون بشدة لخطر سوء التغذية الحاد والوفاة التىكان يمكن الوقاية منها لولا استمرار تزايد خطر المجاعة، وسط انهيار كامل للمنظومات الغذائية والصحية فىالمدينة.
فبينما ينتظر أطفال الدول هدايا بابا نويل، فىالمقابل ينتظر أطفال غزة، لقمة عيش، أو جهازا طبياأو حتى قماشة بيضاء، لدفن ما تبقى من أجسادهم نتيجة القنابل الإسرائيلية.
أكدت منظمة "اليونيسيف" التابعة للأمم المتحدة، أن مليون طفل فىغزة يواجهون مصيرًا مجهولًا، لا سيما الذين يعانون حروقًا مروعة، وجروحًا بالقذائف، وبترًا للأطراف، فىغياب المستشفيات الكافية لعلاجهم، وتقطع السبل أمام الإمدادات الصحية لهم.
وحذرت منظمات حقوقية من تأثيرات الحرب فىغزة على أطفال القطاع، الذين يشكلون نحو نصف سكان غزة، معظمهم لم يجربوا الحياة إلا فىظل الحصار والحروب المتكررة مع إسرائيل.
ويعمد جيش الاحتلال إلى قصف المنازل على رؤوس ساكنيها، إضافة إلى الدمار المهول فىالمنازل والبنايات والأبراج والشقق السكنية وفى البنية التحتية.
وفى 47 مجزرة نفذها الطيران الحربى الإسرائيلى، وصل عدد الشهداء منذ بداية العدوان، 7 أكتوبر، أكثر من 6000 شهيد وأكثر من 18 ألف مُصاب.
وتصر دولة الاحتلال الإسرائيلىعلى انتهاك فاضح لاتفاقية جنيف الرابعة حول استهداف الأطفال والنساء، وتنص المادة (17) على ما يلى: "يعمل أطراف النزاع على إقرار ترتيبات محلية لنقل الجرحى والمرضى والمسنين والأطفال والنساء النفاس من المناطق المحاصرة أو المطوقة، ولمرور رجال جميع الأديان، وأفراد الخدمات الطبية والمهمات الطبية إلى هذه المناطق.
وتنص المادة (18) على "لا يجوز بأىحال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء النفاس، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها فىجميع الأوقات"، بحسب مركز المعلومات الفلسطينى.
لذلك أنصح هذا الرجل ذا اللحية البيضاء والثوب الأحمر، بألا يقرع الأجراس هذا العام، وأن يبلغ البيت الأبيض حين يزور أطفاله محملا بالهدايا، بأن أهالىغزة وأطفالها يعانون من الإجرام الإسرائيلى، وتموت قلوبهم حزنا على الدعم الأمريكىغير المحدود لآليات الحرب الإسرائيلية، وألا يذهب إلى القطاع فلم يعد هناك أىشيء عن الطفولة.