فتح ملف تحديات الصناعة للوصول لزيادة الإنتاج والتصدير
مناقشة إستراتيجية تطوير قطاع النقل وتفعيل وثيقة ملكية الدولة
نقص التمويل وغياب الربط الوثيق بين البحث العلمي والحاجات الصناعية "أزمة كبرى"
يجب توفير حوافز مالية وفنية وتقنية للشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة
تعزيز مشاركة القطاع الخاص في تطوير وإدارة وتشغيل مشروعات النقل
توطين صناعات وسائل النقل الذكي وتطوير وإدارة وتشغيل مشروعات النقل والمواصلات في ظل تفعيل وثيقة سياسة ملكية الدولة
الأولوية لتحديث البنى التحتية وضمان استدامة مصادر الطاقة بتكلفة مقبولة
صحوة اقتصادية وتنموية تنتعش الآن تحت قبة مجلس الشيوخ باعتبارها قضية تمثل محورا أساسيا للنقاشات الهادفة إلى رسم معالم النمو في مصر ، فالاقتصاد يقف دائماً كشاهد على توجهات الدول وقدرتها على التكيف مع التحديات الراهنة وصياغة المستقبل. ومن هذا المنطلق، أتوقف طويلاً أمام مجموعة من الجلسات القادمة للمجلس التي سيكون محورها الصناعة والنقل، باعتبارهما قلب التنمية النابض والعصب الرئيسي الذي يغذي الاقتصاد المصري.
فمن وجهة نظري تمثل الصناعة اللبنة الأساسية في بناء اقتصاد متين، قادر على مواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية والمحلية. فهي تعد مولداً للابتكارات التكنولوجية، ومنارةً للإنتاجية، ومصدراً للعملة الصعبة عبر التصدير. ولكن، لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال التحديات الجسيمة التي تعيق مسيرتها، من نقص التمويل وغياب الربط الوثيق بين البحث العلمي والحاجات الصناعية، وصولاً إلى تكلفة الطاقة المرتفعة التي تثقل كاهل الإنتاج.
يتضح لي أيضاً أن قطاع النقل يمكن أن يكون محركاً للتنمية المستدامة، وبمثابة سبيل لتحسين مستويات المعيشة من خلال توفير بنية تحتية قوية تدعم الحركة التجارية وتسهل الوصول إلى الأسواق العالمية. ومع تنامي الاهتمام بالنقل الذكي والمستدام، يظل التحدي ماثلاً في كيفية تحقيق التكامل والتعاون بين القطاع العام والخاص لتحقيق رؤية مصر 2030.
من وجهة نظري، فإن النقاشات القادمة في مجلس الشيوخ يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الحاجة الملحة لتحديث السياسات الحكومية الداعمة للصناعة والنقل. يجب توفير حوافز مالية وفنية وتقنية للشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة، وكذلك تشجيع الاقتصاد غير الرسمي للانضمام إلى السوق الرسمي. ولا يقل أهمية عن ذلك، ضرورة توفير دعم مالي من البنوك بعائد منخفض لتعزيز القدرة التنافسية للصناعة المصرية. وأعتقد أيضاً أن الصناعة والنقل في مصر على مفترق طرق يحدد مسار التنمية الاقتصادية للبلاد. لذا تزخر المناقشات تحت قبة مجلس الشيوخ بأهمية بالغة، حيث يحاول المشرعون الغوص في أعماق تحديات الصناعة وإستراتيجيات تطوير قطاع النقل، مع التركيز على ضرورة تفعيل وثيقة ملكية الدولة ، ويمكن القول إن الصناعة هي العمود الفقري لأي اقتصاد يسعى للنمو والاستدامة. فالمصانع تعد مهد الإنتاجية ومعقل الابتكار، ومن خلالها تتشكل القدرة على تحقيق الاكتفاء واختراق الأسواق العالمية. ولكن، ينبغي الإقرار بأن هناك معوقات كثيرة تحول دون تحقيق هذه الرؤية في مصر، منها الحاجة إلى تحديث البنى التحتية وضمان استدامة مصادر الطاقة بتكلفة مقبولة، وكذلك الربط بين البحث العلمي والتطبيقات الصناعية. ويُعتبر تطوير قطاع النقل أيضًا ركنًا أساسيًا في عملية النمو هذه، حيث يشكل الشرايين التي تنقل الحياة إلى جميع أجزاء الاقتصاد ، التحدي هنا يكمن في الحاجة إلى تعزيز البنية التحتية للنقل لتواكب التطورات التكنولوجية وتلبي المتطلبات المتزايدة للتنمية، بالإضافة إلى تحقيق التكامل بين مختلف وسائل النقل.
ولا شك أن قطاع النقل في مصر يخوض سباقا تاريخيا لأكبر تطوير نشهده في تاريخ مصر المعاصر، فقد تغيرت فيه جغرافيا شرايين الدولة المصرية فمنذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي مسئولية القيادة السياسية في عام 2014، أولى قطاع النقل أهمية كبرى، لما يمثله من أهمية حيوية تخدم كل قطاعات التنمية في الدولة المصرية، ويساهم بشكل فعال في تحقيق مستهدفات خطة التنمية المستدامة ۲۰3۰ في ظل بناء الجمهورية الجديدة رغم التحديات الاقتصادية والجيوسياسية التي تمر بها المنطقة والعالم وتأثيرها على الدولة المصرية. وقد انطلقت خطة التطوير والتحديث لكافة قطاعات النقل، الأمر الذي أسهم بشكل ملحوظ في تحقيق قفزة هائلة في ترتيب مصر بالمؤشرات العالمية في جودة الطرق ووسائل النقل الذكي بشهادة كبرى المؤسسات الدولية وذلك وفق إستراتيجية محددة نستوضح معالمها من الحكومة، بجوانبها المتعددة من : تطوير السكك الحديدية مشروعات الجر الكهربائي إحلال وتجديد أسطول النقل العام النقل البحري والموانئ توطين صناعات وسائل النقل المتعددة وخاصة النقل الذكي حوكمة القطاع وتأثير تكنولوجيا التحول الرقمي عليه والحق يقال إننا نحتاج إلى تعزيز مشاركة القطاع الخاص في تطوير وإدارة وتشغيل مشروعات النقل وطرح الفرص الاستثمارية الداعمة الاقتصاد الوطني في ظل توجه الدولة المصرية لتحفيز القطاع الخاص لأداء مسئوليته الاجتماعية في خدمة الاقتصاد الوطني والمجتمع كما نصت عليه المادة ٣٦ من الدستور، واتساقا مع انطلاق وثيقة سياسة ملكية الدولة التي أطلقتها الدولة المصرية في ١٢/٦/٢٠٢٢ .
واللافت للنظر أن مجلس الشيوخ يُظهر اهتمامًا كبيرًا بتوسيع دور القطاع الخاص في هذا المجال، وهو ما يعكس رؤية إستراتيجية لتحقيق شراكة فاعلة بين الحكومة ومؤسسات القطاع الخاص. هذا التوجه يمكن أن يسهم في تعزيز الابتكار وجذب الاستثمارات وتوفير الخبرات التي قد تفتقر إليها المؤسسات الحكومية.
تعكس مناقشات مجلس الشيوخ حول تحديات الصناعة والنقل أكثر من مجرد جلسات تقليدية؛ إنها تجسيد للرؤية الإستراتيجية التي تتبناها مصر في سعيها لتعزيز وتحصين اقتصادها ، إذ يتم التعاطي مع هذه التحديات على أنها جزء لا يتجزأ من جدول أعمال السياسة الوطنية، وتعتبر بمثابة الأساس الذي تستند إليه الإستراتيجيات التنموية والخطط التشريعية والإجراءات التنفيذية.
وفي هذا السياق، هناك آمال معقودة على أن تؤدي تلك المناقشات البرلمانية إلى بلورة حزمة من السياسات الفعّالة والقرارات الحكيمة ، وينبغي أن تكون تلك السياسات قادرة على تهيئة بيئة صناعية محفزة تُسهم في تسريع عجلة الإنتاج، وتعزيز الصادرات، وجذب الاستثمارات ، كما يجب أن تتضمن حلولاً مبتكرة لقضايا الطاقة والتمويل، وتعالج الفجوات البحثية والتكنولوجية التي تحول دون تحقيق الكفاءة الصناعية والتنافسية العالمية.
وبالإضافة إلى النواحي التشريعية والتنفيذية، يجب أن تُولي السياسات الناتجة اهتمامًا خاصًا لتحسين التعاون بين المؤسسات التعليمية والصناعية لتوفير قوى عاملة ماهرة تلبي متطلبات العصر. ولا يقل أهمية عن ذلك تسهيل إجراءات الأعمال وتشجيع إقامة مناطق صناعية متطورة.