محمد فودة يكتب فى ذكرى ميلاد قاهرة المستحيل: د. سعاد كفافى .. قصة عطاء لا ينتهى وإرث يدوم إلى الأبد
ـ أنارت صحراء العلم والمعرفة.. وصنعت تاريخًا بإرادتها
ـ خالد الطوخى يسير على خطى "الريادة" ويواصل بناء صرح العلم والمعرفة
ـ رائدة التعليم .. تربوية من طراز فريد يتعدى حدود المؤسسات التعليمية
ـ ستظل د.سعاد كفافى رمزًا للإرادة والعزيمة والثقافة العالية
فى الوقت الذى يكتظ فيه العالم بأسماء لامعة تمر عبر صفحات التاريخ كنجوم تتلألأ ثم تخبو، هناك شخصيات تبقى سيرتها حية، تنير الدروب للأجيال القادمة، وتستمر بإلهامها حتى بعد رحيلها عن عالمنا.
الأمر الذى يدعونى للقول بأن الدكتورة سعاد كفافى، التى ارتبط اسمها بلقب "قاهرة المستحيل"، هى واحدة من هؤلاء الذين تركوا بصمة لا تُمحى فى تاريخ مصر والتعليم الخاص بها ، فى ذكرى ميلادها التى حلت منذ عدة أيام " ٣ مارس" ، نتوقف أمام عطاء هذه الشخصية الاستثنائية التى عانقت العلم والموهبة والتفانى فى العمل.
تذكرنى الدكتورة سعاد بالحكمة التى تقول "يفنى الجسد ولكن تظل السيرة أطول من العمر". سيرتها التى تمتد عبر الزمان، تخبرنا بأن القيم والمبادئ والإنجازات هى التى تُخلد الإنسان، لا مجرد عدد السنين التى عاشها.
لقد نشأت الدكتورة سعاد فى عصر كانت فيه الصحراء القاحلة تستقبل أحلام العظماء. لم يكن إنشاء جامعة فى قلب الصحراء بمدينة السادس من أكتوبر سوى حلم ينبض فى قلبها، حلم يراه البعض شطحاً من شطحات الخيال. لكنها بذكائها الفطرى وإيمانها العميق بحلمها، قررت تحدى كل الصعاب لتحويل هذا الحلم إلى واقع.
كانت تلك الفكرة شجاعة، خصوصاً فى زمن كانت فيه فكرة الريادة فى التعليم الخاص تُعد غير واردة بالنسبة للكثيرين، وبالأخص إذا جاءت من امرأة ، لكن الدكتورة سعاد كفافى لم تكترث لتلك المفاهيم المتحجرة، بل آمنت بقدرتها على إحداث التغيير وكسر الحواجز ، وبعد سنوات من الجهد والتضحيات، أصبحت جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا حقيقة تتجسد أمام أعين الجميع. تحولت الصحراء إلى معقل للعلم والمعرفة، وأصبحت الجامعة رمزًا للتميز والإبداع. ولم تتوقف عجلة التطور والتحديث حتى بعد رحيل الدكتورة سعاد، فتولى ابنها خالد الطوخى مسؤولية القيادة، مستلهمًا من والدته الرؤية والإصرار والإخلاص.
وكما يُقال إن الأبناء هم امتداد للآباء، فإن خالد الطوخى هو خير مثال على ذلك ، فهو لم يسر فقط على خطى والدته، بل عزز من مكانة الجامعة على الخارطة الأكاديمية والعلمية. لقد حرص على تقديم تعليم متميز ومتاح، متبعًا فى ذلك مبادئ والدته بأن التعليم حق للجميع وليس امتيازًا للقلة.
لم تكن المصروفات الدراسية مجرد أرقام فى ميزانية، بل كانت ثمرة فلسفة تربوية تحترم قدرات الأسر البسيطة وتقدر تطلعاتهم نحو مستقبل أفضل لأبنائهم ، وهذه السياسة لم تحد من جودة التعليم، بل على العكس، فقد شهدت الجامعة تطورًا ملحوظًا فى البرامج التعليمية والشراكات الدولية.
لم يكتفِ خالد الطوخى بالحفاظ على إرث والدته، بل أخذ على عاتقه توسيع نطاق الجامعة ليشمل مناطق جديدة مثل محافظة الأقصر، مما يتماشى مع خطط التنمية فى مصر ويساهم فى توزيع فرص التعليم العالى بشكل أكثر عدالة. وكانت القوافل الطبية التى ينظمها مستشفى سعاد كفافى الجامعى واحدة من الأمثلة البارزة على التزام الجامعة بمبادئ المسئولية الاجتماعية.
والحق يقال فإن الدكتورة سعاد كفافى لم تكن مجرد مؤسسة لجامعة، بل كانت رمزًا للإرادة والعزيمة والثقافة العالية ، فقد تميزت بدقة متناهية فى عملها الأكاديمى والإدارى، مما جعلها مثالًا يُحتذى به فى الدقة والإخلاص ، وقد ورثت عنها الجامعة هذا التميز والاهتمام بالجودة فى كل ما تقدمه.
على الرغم من وفاة الدكتورة سعاد كفافى عام 2004، فإن إرثها يعيش ويتجدد مع كل طالب يتخرج فى جامعتها، مع كل مشروع بحثى يُبتكر تحت سقفها، ومع كل خدمة مجتمعية تُقدم باسمها. ولدت فى عام 1928 ولكنها تركت وراءها تاريخًا حافلاً بالإنجازات الذى يفوق الزمن المحدود الذى قضته على الأرض.
وكانت "قاهرة المستحيل" تمتلك حلمًا عظيمًا، والأهم من ذلك، كانت تمتلك العزيمة القوية التى مكنتها من تحويل ذلك الحلم إلى واقع. أصبحت الجامعة الآن صرحًا تعليميًا ينافس الجامعات العالمية، ويشهد لها بالتقدم والابتكار والتميز، وهذا لم يكن ليحدث إلا بفضل الفكر الراقى والرؤى المستقبلية التى آمنت بها وعملت بجد لتحقيقها.
التكريم والتقدير للدكتورة سعاد كفافى لم يتوقف عند حياتها فحسب، بل استمر بعد وفاتها ، لقد كانت ولا تزال مصدر إلهام للعديد من الناس، سواء فى مصر أو خارجها حيث تميزت بصفات مثل القوة والعزيمة والحكمة، وهذه الصفات جعلت منها رمزًا للسيدة المصرية القوية والمثابرة.
واللافت للنظر أن مسيرة الدكتورة سعاد كفافى هى دليل على أن الإنسان قادر على تحقيق الكثير، بغض النظر عن العوائق والتحديات التى تواجهه. قصتها هى درس فى الصبر والتصميم والتفانى فى العمل. إنها قصة امرأة لم تقبل بالواقع كما هو، بل عملت جاهدة لتغييره وتحسينه.
الأحلام التى حملتها الدكتورة سعاد كفافى معها، والتى زرعتها فى قلوب وعقول كل من عمل معها وتعلم منها، لا تزال حية وفعالة. إنها تذكير قوى بأن الأحلام لا تموت مع مرور الوقت، بل تنمو وتزدهر عندما يتم تغذيتها بالإيمان والعمل الجاد.
فى الختام أتذكر بكل حب وتقدير الدكتورة سعاد كفافى، التى لم تكن مجرد مربية ومعلمة، بل كانت رائدة وملهمة وقائدة تركت إرثًا عظيمًا يتجاوز حدود الزمان والمكان. وفى كل عام، عندما تهل ذكرى ميلادها، نتذكر أن الأحلام العظيمة تولد فى القلوب الشجاعة وتترعرع فى العقول الحكيمة وتنمو بين الأيدى التى لا تعرف الكلل أو اليأس ، ما يدفعنا للقول فى ذكراها: لقد علمتنا الدكتورة سعاد كفافى أن الإنسانية والعلم والعطاء بلا حدود هى ما تبقى منا بعد رحيلنا. هى ما تحفر فى الذاكرة والوجدان وتصنع التاريخ.
كلمات الحب والتقدير لا تكفى لتكريم هذه الشخصية الاستثنائية، لكنها تبقى شاهدة على أن الدكتورة سعاد كفافى ستظل دائمًا، وفى قلوبنا، قاهرة المستحيل التى علمتنا أن لا شيء يعلو على إرادة الإنسان وقدرته على تحقيق الأحلام مهما بدت مستحيلة.
فى ذكرى ميلادها، نجدّد العهد على استلهام قيمها ومبادئها فى تحقيق النجاحات والتميز فى مجال التعليم والعمل الإنسانى. ونؤكد أنها ستظل مثالًا يُحتذى به فى العطاء والتفانى والحب. وندعو الجيل الجديد لأخذ الدروس والعبر من حياتها والبناء عليها لمستقبل أكثر إشراقًا وتقدمًا.
نسأل الله أن يتغمد الدكتورة سعاد كفافى برحمته الواسعة وأن يجعل كل ما قدمته فى ميزان حسناتها ، كما أتمنى أن تستمر جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا فى النمو والازدهار، كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء، تعطى أطيب الثمر بإذن ربها، تحت إشراف خالد الطوخى وكل من يسير على نهجها من القادة الملهمين.
فى كل حرف كتبته الدكتورة سعاد كفافى، وفى كل رؤية حققتها، وفى كل حياة غيرتها، نجد الأمل والإيمان متجسدين ، ونحن بدورنا فى ذكرى ميلادها، نشعر بالامتنان لقصتها، التى تعد بكل صدق قصة عطاء لا ينتهى وإرثا يدوم إلى الأبد.