الجمعة 22 نوفمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

محمد فودة يكتب: "الإعلانات" تغتال الدراما وتفسد متعة المشاهدة 

الشورى

دراما الموسم الرمضانى ضاعت وسط "فوضى" الإعلانات 

الجمهور يهرب من التلفزيون إلى المنصات للاستمتاع بالمشاهدة "الكاملة"

ظهور النجوم الكبار فى الإعلانات يقلل جماهيريتهم ويسحب من رصيدهم الفنى

استفزازات إعلانات "التسول" والملابس الداخلية لا تزال مستمرة 

أطالب الجهات المعنية بفرض ضوابط للفترات الإعلانية يلتزم بها الجميع احتراماً للمشاهدين 

  بينما أتابع هذا الكم الهائل من الإعلانات التى تكتظ بها شاشات الفضائيات على هذا النحو المستفز وبهذه الطريقة المثيرة للدهشة، تذكرت على الفور الحكمة الشهيرة "حينما يزداد الشيء عن حده فإنه ينقلب إلى ضده" حيث تحولت تلك الإعلانات، وهى بهذا الكم الكبير، إلى مصدر أساسى لإفساد متعة مشاهدة الأعمال الدرامية، فقد بلغ الأمر فى بعض الإعلانات أنها تأخذ مساحة أثناء عرض المسلسل تفوق نسبة عرض الأحداث نفسها مما يجعل المشاهد فى كثير من الأحيان ينسى ما شاهده فيجد نفسه عند استئناف المسلسل يشعر وكأنه يشاهد عملاً آخر فقد تاه منه السياق الدرامى للأحداث وسط زحمة الإعلانات وتنوعها على هذا النحو الذى لا أجد تعبيراً أدق من أن الإعلانات قد أصبحت بالفعل "سمك لبن تمر هندى" فبعيداً عن إعلانات شركات المحمول نجد إعلانات كسب تعاطف الناس من أجل التبرع لهذه الجهة أو تلك وهو ما يمكن أن نطلق عليه أنه نوع من أنواع (التسول) وبعيداً عن هذا وذاك نجد أيضاً إعلانات الملابس الداخلية الأكثر استفزازاً.

وبمناسبة الحديث عن الإعلانات فهناك مسألة فى منتهى الخطورة تتعلق بمشاركة النجوم الكبار فى الإعلانات وتكمن خطورة هذا الأمر فى أن بعض هؤلاء النجوم تعرض لهم بالفعل أعمال درامية فى السباق الرمضانى ففى هذه الحالة أرى أن ظهور النجم فى إعلان مهما كان نوعه فإنه سوف يتسبب بشكل لافت للنظر فى التقليل من أهمية وقيمة العمل الدرامى الذى يقدمه وهو ما يجعلنى أتساءل: هل من حق هذا النجم أو ذاك أن يفعل ذلك فى نفسه وفى جمهوره حتى ولو كان المقابل المالى كبيراً؟ أعتقد أن النجم الحقيقى هو الذى يضع نصب عينيه فقط اسمه وجمهوره وتاريخه بعيداً عن الاعتبارات المالية، وهو ما يجعلنا نترحم على أيام النجوم الكبار الذين أفنوا حياتهم من أجل تقديم فن جميل مازال يعيش بيننا حتى الآن على الرغم من أنهم لم ينالوا ما يستحقونه من المال فهذا الجيل لم يكن يضع فى اعتباراته إلا تقديم فن جميل أمتعنا وما زال يمتعنا.

ورغم أن الحصول على أكبر قدر من الإعلانات هو الهدف الأهم الذى تتنافس كل قناة فى تحقيقه، ومن أجله تعمل على استقطاب مسلسلات وبرامج لفنانين تراهن على شعبيتهم وجماهيريتهم لدى الجمهور، بصرف النظر عن ارتفاع كلفة هذه الأعمال الدرامية، إلا أن الوضع انقلب حالياً، وأصبحت كثافة الإعلانات التى تعرض خلال أوقات عرض المسلسلات مصدر إزعاج لصناع هذه الأعمال، بل ووصل الأمر إلى الشكوى منها والمطالبة بالسيطرة على طوفان الإعلانات الذى يغرق المشاهد أثناء متابعته المسلسل حتى ينسى ما المسلسل الذى كان يتابعه، أو يهرب منه سريعاً إلى قناة أخرى، فالإعلانات تمثل اعتداء صارخا على العمل الدرامى، ويلغى الجهد الفنى الذى يبذله صناع المسلسلات، فمن التأثير السلبى الذى يتركه قطع التسلسل الدرامى بسبب الإعلانات يجعل من الأعمال الدرامية سلعة تباع وتشترى، ما يلغى دورها فى التوجيه والتثقيف الذى تقدمه.

واللافت للنظر أيضا هذا الكم الهائل من الإعلانات التى تدعو الناس للتبرع للمستشفيات والجمعيات الخيرية بأساليب وبأشكال أقل ما يمكن أن توصف بها أنها نوع رخيص من أنواع التسول، فكيف يسمح القائمون على هذه الإعلانات لأنفسهم باستغلال أوجاع وآلام الناس على هذا النحو؟ وكيف تسمح القنوات بعرض هذه النوعية من الإعلانات حتى ولو كانت تدر دخلاً كبيراً؟.. فالغالبية العظمى من هذه الإعلانات ما هى إلا نوع من المتاجرة بمشاكل الناس وأوجاعهم ومعاناتهم، والأمر الذى يدعو للتساؤل والذى يترتب عليه علامات استفهام كبيرة هو: لماذا هذا الكم الهائل من إعلانات دعوة الناس للتبرع لا نراه إلا فى شهر رمضان؟.. هل لأنها فرصة ذهبية لأصحاب هذه الإعلانات للفت نظر المشاهدين نحو التبرع لهم فى ظل تلك الأجواء الروحانية والرغبة فى عمل الخير؟ أليس هذا معناه أن تلك المسألة مجرد نوع من أنواع المتاجرة بروحانيات شهر رمضان؟ لذا فإننى أرى أنه يجب على المشاهدين لمثل هذه الإعلانات عدم تصديقها وعدم التأثر بها وأن يوجهوا تبرعاتهم للجهات التى يرون أنها تستحق بالفعل حتى وإن كانت لا تعلن عن حاجتها للتبرع فمن يستحقون هذا التبرع هم الذين لا يستجدون الناس ولا يتسولون على هذا النحو من الإعلانات سيئة السمعة.

ولفت انتباهى أيضاً فى الإعلانات التى يتم بثها وبشكل مكثف خلال شهر رمضان تلك الإعلانات التى تتناول أنواع الملابس الداخلية وهى تقليعة تعتمد عليها هذه الشركة أو تلك فى شهر رمضان من كل عام ولا أدرى ما سر ارتباط هذا النوع من الإعلانات بشهر رمضان خاصة أنها فى كثير من الأحيان تتضمن ألفاظاً وعبارات خادشة للحياء وحركات مستفزة لا تليق بحرمة شهر رمضان الذى عظّمه عز وجل وكرمه دون سائر شهور العام، أعتقد أن حرص هذه الشركات على تحقيق الشهرة هو الدافع الأساسى خاصة أن نسبة مشاهدة القنوات التليفزيونية تكون فى أعلى معدلاتها فى شهر رمضان وبالتالى تضمن وصول منتجها إلى كل بيت فتحقق الشهرة والانتشار الأمر الذى يستوجب أن تبادر القنوات بتقليل عرض هذا النوع من الإعلانات حتى تحترم مشاهديها وتعطى للشهر الكريم حق قدره من التعظيم باستبعاد الإعلانات المسيئة التى تتنافى مع القيم والتقاليد الشرقية الأصيلة.

وإحقاقا للحق أتمنى التزام القنوات بضبط فترات الإعلانات التى تذاع أثناء المسلسلات، والتوقف عن الإسراف والتطويل الذى يفسد حق الجمهور فى المشاهدة والاستمتاع بالأعمال الدرامية، فقد انصرف جمهور التلفزيون عنه وذهب للمنصات، بسبب كثرة الإعلانات التى أفقدت لمة الأسرة أمام مسلسلات رمضان بسبب تطويلها وتكرارها مرات عديدة حتى أحدثت تشتتا من مسك الريموت والتجول به بين قناة والأخرى للهروب من الإعلانات المستفزة بشكل كبير ما بين منتجعات وكمبوندات بمشاركة نجوم الفن والرياضة، ومن ثم يتم ترك المسلسل وأحداثه، وللحق فإن المنصات الإلكترونية لا تعطى المتعة الكافية والتفاعل مع الأحداث والمناقشات الجانبية عن المسلسل مع الأسرة، وأعتقد أن دول العالم توجد بها ضوابط معروفة ومقننة لوضع الإعلانات فى البرامج والمسلسلات، والقاعدة الأساسية تحدد بضع دقائق إعلانية لكل ساعة برامجية، من خلال فقرة واحدة فى منتصف العمل أو فقرتين فى البداية والنهاية، ويحدث ذلك فى وقفات معينة يختارها المخرج والمؤلف حتى لا تقطع سياق المتابعة، لذلك أتمنى أن تتم السيطرة على طوفان الإعلانات بما يحقق المصلحة لكل الأطراف.  

تم نسخ الرابط