تعددت الأذية لخلق الله فى هذا الزمان وزادت وانتشرت مع زيادة سوء الأدب وانحدار الأخلاق وقلة الوازع الدينى عند الناس، ونشأة الشباب فى هذا الجو المتدنى من الفنون المختلفة التى لا يصح أن نصفها بالفنون ما بين مهرجانات الردح ودراما الواقع المشوه الذى يُصر عليه منتجو السبوبة وأشباه النجوم والذى نرفضه بكل شدة وندينه فى كل مناسبة أو مقال نكتبه لنبرأ أمام الله ثم الوطن وحضراتكم من هذه الأعمال، ونرفض كل الأشكال السيئة التى تقدمها تلك الأعمال مثلما شاهدنا ونشاهد تلك الاعمال الدرامية الخاوية الهابطة التي تصف المجتمع المصرى بأسوأ الأوصاف ونحن نأكد أن هذه الأعمال لا تمثل لا مصر ولا المصريين، بل ويرفضها الجميع كبيرًا وصغيرا ولا تستهوى إلا بعض الطبقات التى لم تجد من يوجهها وتركها كبارها وأولياؤها لتربيها هذه الشاشات التى تُقدم هذه النوعية من الأعمال، التى تفتقد أدنى أنواع الأدب والأخلاق، ودليلي القاطع ما حدث مع أحد نجوم هذا الفن الهابط عندما امتنع الجمهور عن سماعه والتفاعل معه في نهائي دوري الابطال الإفريقي.
فمكارم الأخلاق ضرورة اجتماعية، لا يستغنى عنها مجتمع من المجتمعات، ومتى فُقدت الأخلاق تفكك أفراد المجتمع وتصارعوا وتناهبوا مصالحهم، ثم أدى بهم ذلك إلى الانهيار، ثم إلى الدمار -والعياذ بالله- وهذا ما لا نتمناه أبدًا لمصرنا الغالية أو لأى مجتمع شقيق أو صديق، ولذلك كى تحقق المجتمعات التقدم التنموى المنشود فيجب ان تصب جهودها وخططها المستقبلية على الإنسان، فالإنسان هو الاستثمار الحقيقى وهو رأس المال والفائدة، وكل الجهود التنموية والاستثمارية التى ستبذل بعيدًا عن الإنسان سيصيبها الفشل، وسيكون مردودها الأكبر الخسران والتخلف، فبناء الإنسان قبل العمران، بل إن العمران هو الإنسان، فلا خلاف أن الإنسان هو أساس التنمية فجميع مجالات التنمية من اقتصادية وزراعية وعلمية وغيرها لا تكون إلا بالإنسان وكلها تصب فى مصلحة الإنسان بل وتُصنع وتُفعل من أجل هذا المخلوق الذى كرمه الله عز وجل وهو نحن بنو آدم الإنسان.
فبالعلم والثقافة والفكر، يُبنى الإنسان ولكنه لا يمكنه أن يجيد عملًا، أو يتقن حرفة، أو يتفوق فى ميدان من ميادين العمل، دون أن يتعلم ويتدرب ويتأهل ويمتلك الخبرات اللازمة لهذا العمل؛ لذلك كان تحصيل العلم ضرورة دينية كما هو ضرورة حياتية. ولقد كان النبى يهتم بتنمية الإنسان من الناحية العلمية، مع تنمية القيم الأخلاقية فى المجتمع والذى يعد عاملا أساسيا وهاما لبناء مواطن فاعل فى دولة مدنية حديثة، فالأخلاق هى أساس بناء الأمم والمجتمعات، فـ"إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا". عزيزى القارئ لك أن تتخيل مجتمعًا به أناس ضعفاء بدنيًا ودينيًا وخلقيًا وثقافيًا وعلميًا هل سيستطيعون تطوير البناء والصناعة والزراعة وغير ذلك؟ والإجابة يعرفها الجميع لا يستطيعون، لذلك يجب علينا أن نراعى الله فى أنفسنا وأولادنا ووطننا الغالى وأن نعمل من أجل تنمية هذا المواطن المصرى القوى الذى يساعد بلده على صُنع المجد من جديد.
علينا أن نفتح جسورًا للحوار مع أولادنا فنحن من سيحاسب عليهم فى النهاية ونحن من سيحصد ثمار ما زرعناه، أما أن نظل على نغمة "كنا زمان وكان زمان" فهذا لن يُفيد.. علينا اقتحام حياة أبنائنا والدفاع عنهم حتى ضد أنفسهم من تلك المغريات التى قد تفتك بهم ونكون نحن أحد أسباب انهيارهم وانهيار المجتمع بوجه عام، علينا الكف عن إجبار أبنائنا على دراسة أو تعلم أو امتهان شيء لا يحبونه بل علينا مساعدتهم فى اختيار المناسب لهم بعد أن نغرس فى داخلهم تلك القيم والأخلاق التى بها يستطيعون مواجهة مغريات الحياة والأهواء.. علينا مراعاة الله فى أنفسنا وأولادنا ومجتمعنا بالحفاظ على القيم الإنسانية النبيلة وإعلاء صوت الضمير والحق داخل أولادنا، فتحملنا المسؤولية الكاملة عن أولادنا أمام الله ثم الوطن هو أقرب السبل للخروج من النفق الضيق الذى يدخلوننا فيه مبدعي هدم الأخلاق والقيم وطمس الهوية المصرية لذلك فولى الأمر رب الأسرة هو المسؤول الأول عن سلوك أولاده ونشأتهم وليعلم أن تركهم للشاشات لتعلمهم ما هو إلا تضحية بأولاده فى طريق اللاعودة، بل وعليه هو شخصيًا أن يكف فورًا عن لعن وسب ما يقوم به أولاده من تصرفات غريبة على المجتمع، فمن البداية أنت لم تعط فلماذا تنتظر ناتجا، أنت لم تزرع فكيف تنتظر محصولا، إن لم تُفعل وتُقظ ضمائرهم وتجعلهم يراقبون الله فى أعمالهم وحركاتهم، فلا تنتظر منهم أى شيء تقر به عينك. إن ضياع الأخلاق هو النتاج الطبعى لتركنا أبنائنا لهؤلاء يحثونهم على الانحراف عن القيم فى أفلامهم ومسلسلاتهم وبعض الكتب الملوثة، ونحن نضحك حتى إذا كبر الأبناء وانحرفوا أخذنا البكاء والصريخ وللأسف نبقى مصرين على ضياع الأخلاق بل ونجتمع مع أولادنا لنستمع ونشاهد البرامج والأعمال التى بها ألفاظ خارجة ونستمتع ونضحك للأسلوب الكوميدى الذى وُضعت بداخله مفردات كانت لا يمكن أن تُقال داخل منزل مصرى سابقًا بل أحيانًا نردد بعض هذه المصطلحات وكأنها شيء مُسلم به وعلينا تقبل تلك الألفاظ داخل بيوتنا، رغم يقيننا بأن بقاء الأمم وازدهارها وقوتها على مدار الزمان ظل رهينة بمدى التزامها بالأخلاق والقيم، وللأهمية الكبرى للقيم وللأخلاق فى حياة الناس جميعًا، فنحن فى عصر الركود الأخلاقى، فضاعت منا كل القيم الإنسانية والطباع الحسنة الجميلة، وذلك بسبب بعد الناس عن الفضائل وتشبثهم بالرذائل، فقدنا الصدق والأمانة والشهامة والشجاعة، أصبح الشاب منا غير خجول لا يملك حتى قسطًا من الحياء (قلع برقع الحياء)-إلا ما رحم ربك- وباتت آثار هذا الضياع تظهر اليوم فى مجتمعنا وذلك كله بسبب قلة الحياء، وصدق قول النبى:" إذا لم تستح فاصنع ما شئت". ومن أعظم الأخلاق تقوى الله جل وعلا، ومراقبته فى السر والعلانية، فإن من اتقى الله وراقبه فى كل أحواله كلها عاش سعيدًا طيب النفس، ولهذا ربّى رسول الله محمد، أصحابه على هذه الأخلاق الكريمة، كما قال فى حديثه "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، ووصيته معاذ بن جبل رضى: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئةَ الحسنةَ تمحها).
فالمجتمع الذى ماتت به الأخلاق كان يصبه تخلف وتأخر، وإذا وُجدت الأخلاق، فسوف يساهم هذا فى تنمية وتقدم ورخاء المجتمع، فما فائدة مجتمع بلا أخلاق، فإذا أردنا تنمية شاملة لمجتمعنا فلننمى الإنسان ونهتم به فهو أساس كل تنمية، فنحن نحتاج إلى بناء الرجال قبل بناء المصانع وقبل التطوير وقبل كل ولأى شيء.. نحن فى حاجة إلى بناء إنسان واعٍ مثقف يتقى الله فى نفسه ودينه ووطنه وكل شيء، فالأمم والرسالات تحتاج إلى الرجال أولى العزائم القوية، والقلوب الكبيرة قبل حاجتها للثروات والمعادن والجواهر.
عزيزى الشاب الأخلاق هى البداية الأولى لكل ما يحتاجه البشر من عدل ومساواة وسلام ومحبة، أخلاقك هى شخصيتك وهويتك وكينونتك الخاصة التى تُقبل الناس عليك أو تُديرهم عنك، فحافظ عليها وتحلى بالخلق الكريم وتمسك بها، من أجل المكارم والفضل والعزة.