الجمعة 22 نوفمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

ديون لا تُرد

حسام فوزى جبر - صورة
حسام فوزى جبر - صورة أرشفية

الإنسان الطبيعى العاقل بطبيعته يشعر بقدسية العلاقة بينه وبين والديه وعندما يسيء إليهما أو إلى أحدهما يشعر بأنه ارتكب جرمًا أفقده اتزانه ورشده، الأم هى أصدق وأطهر حب فى الوجود لأن حبها الحب الوحيد والفريد من نوعه غير مبنى على أى مصلحة وذلك لأن أولادها قطعة من روحها، هى الحُضن الحنون الدافئ الذى مهما كبر الشخص فى العمرِ يظلّ محتاجًا إليه، الأم هى جنة الدنيا، وهى الهواء الذى نتنفسه، وهى جزء من الروح، وحب الأم مولود فى الفطرة، والحزن على فراقها قهر ومشقّة، والأب الذى روى لنا الرسول الكريم فى الحديث الصحيح عن رب العزة سبحانه وتعالى: "إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: فماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك، واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسموه: بيت الحمد"، هكذا يصف رب العزة مقدار حب أبيك لك فلا تتخيل أقل من ذلك من أبيك، إنه الأب رمز التضحية فى حياتك ما حييت، هو الوحيد الذى يحبك بصدق ودون مقابل، مستعدًا للتضحية فى حياته وبحياته لإسعادك أنت، فمن الطبيعى أن ترى الوالدين يبذلان كل الغالى والنفيس لسعادة أبنائهما وتلبية جميع احتياجاتهم، مهما كلفهم الأمر، إنها فطرة الله تبارك وتعالى فى خلقه.

وربما وأنت صغير لا تعرف حجم الحب الذى يكنه قلب أمك وأبيك لك ولكن عندما تتزوج وتنجب الأبناء ستعرف مقدار الحب الذى يكنه الآباء لأبنائهم، وستتذكر كيف كان الحرص عليك وكيف يمكنك أن تُضحى أنت بحياتك ولا يتأذى ابنك بسوء، نعم هم النعمة التى لو لم تعرف قيمتها إلا بعد زوالها فلا يُعوضها شيء، ولذلك يظل الإنسان منذ نعومة أظافره حتى نهاية حياته فى حاجة لأبيه وأمه وهو أمر لا يقتصر على كوننا أطفالا بل يشمل الكبير والصغير وذلك لأن لهم أهمية لا يضاهيها أحد ولا شيء فى حياة الإنسان، فهم من يقدم العطاء والتضحية بدون مقابل ..الوالدان، هما من أفضل النعم، التى أنعم الله بها على عباده فهما سبب وجودنا فى الحياة والحياة بدونهما تفقد قيمتها ومعناها، وتصبح كصحراء بعد أن كانت بوجودهما بساتين محدقة وأنهارا مغدقة.

أرى أن بر الوالدين هو متعة لا يضاهيها متعة ولكن للمتقين العاقلين فى محاولة بسيطة لرد الجميل، والشعور بأنك بجوارهما أو بجوار أحدهما شعور مغمور بالبركة والحب والفرح فكيف لا وهما أساس حياتك، والطاعة المطلقة للوالدين دون ارتكاب معصية الله -قال تعالى:" وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا إِلَى مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ"- واحترامهما وتوقيرهما وإظهار الحب والود لهما هو شعور رائع وبركة فى الرزق والصحة والأولاد لن يشعر به بقوة إلا من فقد أبويه فذهب معهما كل خير وتمنى من كل قلبه أن لحظة الرحيل كانت مجرد كابوس يتمنى أن يستيقظ منه، إن بر الوالدين فرض فرضه الله على عباده، وتستطيع أن ترى آثاره  فى الدنيا وسنراه فى الآخرة، فمن أدرك قيمة برهما يحتاج إلى أعمار مضاعفة للاستمرار تحت أرجلهما فى محاولات لرد الدين ولن ينجح، عليك أن تتذكر فقط أنهما وليس أحدا دونهما يريدانك أن تكون أفضل منهما ولن تجد أحدا سواهما، ومهما تحدثنا عنهما، فلن نستطيع أن نعطى لهما حقهما، لذلك لا ينبغى للزوج أن ينسى أمه وأبيه لمجرد أنه تزوج وأصبح يعيش مع زوجة وامرأة أخرى، بل يجب على هذه الزوجة أن تساعد زوجها على رعاية وزيارة والديه وألا تكون سببا فى قطع رحمهما، فبر الآباء هو باب الخير ومفتاح السعادة وزيادة الرزق والأجل وزيادة البركة فى المال والولد والصحة، إن بر الوالدين والإحسان إليهما كان سببا فى ألا يكون نبى الله يحيى جبارًا وكذلك نبى الله عيسى، فقد قال تعالى: "وبرًا بِوَالِدَتِى ولم يجعلنى جبارًا شقيًا"، أى أنه من يتجبر فى الأرض أو يتكبر ويبطش فيها يكون قد عق والديه فهذه هى واحدة من عقوبة الوالدين فى الدنيا والآخرة.

فإياك أن يلهيك أبناؤك عنهما فقد أمرنا الله ببر الوالدين ولم يأمرنا أن نبر أبناءنا قدر ما أمرنا أن نبر آباءنا وأمهاتنا، بل وأمرنا أن نبرهما أحياءً وأمواتنا أحياءً بكل وسائل البر الممكنة، وأمواتًا بكثرة الدعاء، كثرة الدعاء لأبيك وأمك، والصدقة عنهما  على الفقراء والمحتاجين خاصة فقراء الأقارب بالنية عن والدك وعن والدتك جميعًا وعن نفسك معهما وصلة رحمهما الأقارب من أعمامك وأخوالك وأجدادك تصلهم وتحسن إليهم بالهدية وبالصدقة والزيارة، لذا علينا طرق أبواب الأرحام المقطوعة وخاصة إذا كانت هذه الرحم هى الوالدان، فعلى الأبناء أن يحرصوا على صلة الرحم مع الوالدين ليردوا لهما جميل تربيتهما لهم، وكذلك أصدقاؤهما عليك أن تكرمهم وتحسن إليهم كل هذا من حق والدك ومن حق أمك عليك إن رحلا، فحقًا كما قال الحبيب المصطفى "خاب وخسر من أدرك أبواه ولم يغفر له".

أتعجب من هذه أو هذا العاق لأمه وأبيه أو مجرد تركهما يتعرضان للعقوق من إخوة آخرين أنتركهما يتعرضان لمواقف الخسة والأذى النفسى والنذالة فيصيب أهم أشخاص فى حياتنا الإحباط وخيبة الرجاء ويريان أنهما لو كانا قد قاما بتربية أحد الحيوانات الأليفة "كالقطط والكلاب" لكانت أشد وفاءً لهما من أبنائهما؛ فذلك الجحود قد يؤدى إلى إصابتهما بالاكتئاب النفسى الحاد ويعمق لديهما الشعور بالوحدة النفسية والإصرار على العزلة والانسحاب الاجتماعى مما يؤدى إلى إصابتهما بالعديد من الأمراض والتى قد تذهب بهما إلى الوفاة، نعم الوفاة وفقدان من نتمنى أن نعيش خداما تحت أرجلهما فما أحوجنا لهما حتى بعد رحيلهما فيا ليتهما لا يكبران ولا يموتان وليت العمر يتوقف بهما عند قوتهما ولا نراهما أبدًا فى موقف المحتاح فهؤلاء من قدموا بغير حساب ومن أعطوا بغير تدقيق ومن تفانوا فى إفناء أعمارهم من أجلنا.. رحم الله أمى وأبى حملانى ديونا لن أستطيع سدادها ما حييت، نعم رحلت أمى ورحل معها الحنان، رحل أبى ورحل معه الأمان، ربى ارحمهما وأسكنهما فسيح جناتك واجعلنا من البارين بهما واجمعنا بهما فى أعالى الجنان، رحلا بعد أن حملانا جمائل غير قابلة للرد مهما فعلنا، نعم حملانا ديونا غير قابلة للرد.. رحمهما الله وجمعنا بهما فى أعالى الجنان وبارك فى أعمار من هم على قيد الحياة ورزقهم بر أبنائهم فى الدنيا والآخرة، لعلنا نستطيع أن نرد جزءا من "ديون لا تُرد".

تم نسخ الرابط