الخميس 31 أكتوبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

تطور الحروب حتى حروب الجيلين الرابع والخامس

د. سمير فرج - صورة
د. سمير فرج - صورة أرشفية

ظهرت هذه الأيام مفاهيم حروب الجيلين الرابع والخامس، التى تنتهجها القوى العظمى كإستراتيجية لإسقاط الحكومات والدول والنظم، فى العالم، دون الدخول فى حروب تقليدية، المعروفة فى بدايتها، بحروب الجيل الأول، وهى الحروب التى كانت تمارس، منذ بدء الخليقة، باستخدام السيوف والسهام والعجلات الحربية، اعتمادا على حشد كبير من المقاتلين الأشداء، وهى المعارك المخلدة على جدران المعابد الفرعونية، وفيها يقود الملك الفرعونى جيشه، من فوق عجلته الحربية، حتى طرد الأعداء من على حدود البلاد. 

وتلى ذلك حروب الإمبراطورية الرومانية، والإسكندر الأكبر، التى انتهجت ذات الأسلوب والمفهوم.

ومع ظهور البارود واختراع البندقية والمدافع، بدأت حروب الجيل الثانى المعتمدة على قوة النيران الجديدة، باستخدام البارود، وكانت أهمها معارك نابليون بونابرت، القائمة على نفس فكر الحشود القديمة، يضاف إليهم جنود المشاة بالبنادق، ومن خلفهم المدفعية. تطور الأمر والفكر لحروب الجيل الثالث، مع بداية الحرب العالمية الأولى، بظهور الدبابات والمدرعات والطائرات المقاتلة، إضافة لظهور المدمرات والبوارج والغواصات، ليصبح الشكل الجديد، للمعارك ما يطلق عليها معارك الأسلحة المشتركة الحديثة، التى تشارك فيها القوات البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوى والقوات الخاصة، وهو ما طاله التطوير والابتكار، عبر السنوات ،باستخدام التكنولوجيا الحديثة. 

ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، واستخدام القنبلة الذرية ضد اليابان، فى ناجازاكى وهيروشيما، أصبح العالم، فى إطار حرب الجيل الثالث، يقسم الحروب إلى حروب تقليدية وحروب نووية، حتى بداية حرب فيتنام، فى نوفمبر 1955،التى حاربت فيها الولايات المتحدة الأمريكية لمدة 9 سنوات ونصف السنة تقريبا، وانتهت الحرب بانتصار فيتنام الشمالية، وانسحاب القوات الأمريكية، بعد سقوط سايجون فى 30 أبريل 1975،تكبدت الولايات المتحدة الأمريكية، فى هذه الحرب، أكبر خسائر بشرية، فى تاريخها، إذ فقدت نحو 58 ألف جندى قتيل، فضلا عما يزيد على 1600جندى فى عداد المفقودين. وأمام هذه الخسائر، بدأ البنتاجون التفكير فى بدائل للتدخل العسكرى فى مختلف دول العالم، متجنبا الخسائر بين صفوف جنوده، وضباطه، فظهر أسلوب جديد يعرف باسم الحرب بالوكالة.

 

ومع ظهور مشكلة أفغانستان، الناتجة عن الانقلاب العسكرى على الملك ظهر شاه، وصعود النظام الشيوعى بها، الذى وقع على معاهدة صداقة مع الاتحاد السوفيتى فى ديسمبر 1978، تتيح للأخير، التدخل عسكريا فى أفغانستان، لقتال المجاهدين. 

وهنا شعرت الولايات المتحدة الأمريكية بخطورة من اقتراب السوفيت من بترول الخليج، فعقدت العزم على طردهم من أفغانستان دون استخدام الجندى الأمريكى، فى تطبيق أول لمفهوم الحرب بالوكالة، وذلك بدعم حركة المجاهدين بالأموال، ومدهم بالسلاح،حتى نجحوا فى قتال السوفيت وطردوهم من أفغانستان، بعد عشر سنوات. 

وفجأة وجدت الولايات المتحدة أن عددا كبيرا من أولئك المجاهدين قد انضموا لتنظيم القاعدة، ونفذوا هجوم الحادى عشر من سبتمبر 2001، على برجى التجارة العالميين فى نيويورك، بقيادة أسامة بن لادن،أحد أهم العناصر الذين دعمتهم أمريكا فى حربهم ضد السوفيت، سواء بالسلاح أو الأموال التى وصلت إلى 5 مليارات دولار أمريكى.

هنا تأكد للولايات المتحدة عدم جدوى أسلوب الحرب بالوكالة، فشرعت فى التفكير فى أساليب جديدة، حتى ظهر على السطح مصطلح حروب الجيل الرابع، القائم على هدم الدولة من الداخل، دون استخدام القوة العسكرية، المباشرة، وبعد هدم الدولة، يتم فرض الإرادة الخارجية، وإملاء الشروط عليها، وهو ما كانت تحققه القوات العسكرية، بخسائر أكبر. 

وبالرجوع للتعريفات الدولية، يتضح أن حروب الجيل الرابع، هى نوع من الحروب، التى يكون المشارك فيها ليس دولة، بل جهة فاعلة، غير حكومية، وتضيف المراجع العلمية العسكرية، أنها حرب معقدة، طويلة الأمد، لا مركزية التخطيط، تعتمد على الهجوم المباشر على ثقافة الخصم، وأساسها الحرب النفسية، من خلال وسائل الإعلام الحديثة، وشبكة الإنترنت، باستخدام كل الضغوط المتاحة.. سياسياً واقتصاديا وعسكريا. تتصف تلك الحروب بغياب التسلسل الهرمى، وتتخذ من الإرهاب وتكتيكات التخريب وفى بعض الأحيان حرب العصابات واحدة من أهم أدواتها.

وبينما تؤكد معظم المراجع العسكرية أن حروب الجيل الرابع تعتمد، بالأساس على خلق تناقضات ما بين الدولة والمجتمع، باستغلال كل الوسائل، لإحداث الخلل فى العلاقة، فإن حروب الجيل الخامس تعتمد فى إستراتيجيتها على احتلال العقول لا الأرض، وبعد احتلال العقول سيتكفل المحتل بالباقى، فهو يستخدم العنف غير المسلح، مستغلًا جماعات عقائدية مسلحة، وعصابات التهريب المنظمة، والتنظيمات الصغيرة المدربة، من أجل صنع حروب داخلية، تتنوع ما بين اقتصادية وسياسية واجتماعية للدولة المستهدفة، وذلك لاستنزافها عن طريق مواجهتها لصراعات داخلية، بالتوازى مع مواجهة التهديدات الخارجية العنيفة.

 

الخلاصة أن يتم إسقاط الدولة من الداخل، وليس بقوات عسكرية،حيث إن ما يتم إنفاقه على هذه النوعية من الحروب الجديدة لا يساوى ثمن عدة طائرات مقاتلة حديثة. 

وعادة ما يتم التخطيط لهذه الحرب مسبقا، وتدريب العناصر الموكل إليها إشعال الجبهة الداخلية، فى أماكن خارج الدولة نفسها، وعادة ما يستغل، فى ذلك، المنظمات الأهلية تحت شعار مزيد من الديمقراطية للبلد. 

وهكذا تتم قيادة الجموع الحاشدة من أفراد الشعب لإسقاط النظام القائم دون استخدام القوة العسكرية. 

هذه، ببساطة، وبإيجاز شديد، أهداف حروب الجيلين الرابع والخامس، وعليه أهيب بكل الشعوب توخى الحذر من التعامل مع الشائعات باعتبارها أخبارا، ضمن خطة الحرب النفسية والإرهابية التى تحاك ضدها،كى لا تقع فريسة حروب الجيلين الرابع والخامس.

الصفحة الرابعة من العدد رقم 370 الصادر بتاريخ 18 يوليو 2024
 

 

 

 

تم نسخ الرابط