«العمر لحظة».. "الموت" هو الحقيقة المؤكدة فى الحياة فلا داعى للكذب والخداع
- موت الفجأة تنبيه من الله للأحياء كى يتعظوا قبل فوات الأوان
- أصحاب القلوب السوداء فى غفلة ولا يعون أن الدنيا لا تساوى شيئا
- نعيش صراعا مع الوهم .. ولا شىء يعادل الهدوء النفسى وراحة البال
- الحديث عن الموت لا يعنى أن نفقد الأمل ونغرق أنفسنا فى التشاؤم
- المشاعر الصادقة هى التى تمنحنا القدرة على الصمود والتحدى
كلما تأملت الحياة بعين الحقيقة وببصيرة وتأنٍ، وجدت أنها لا تساوى شيئا، ولا تستحق كل هذه المعاناة التى يعانيها الناس، فكما يقال فى الأثر الدنيا قليلة حقيرة ، ولا تساوى عند الله شيئا، وأنها متاع الغرور، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم ": لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّه جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْها شَرْبَةَ مَاءٍ "، وللحق فإن أخبار الموت المفاجئ والمفجع لكثير من الناس سواء كانوا مشاهير أو غير مشاهير لم تكن خبراً عادياً بالنسبة للكثيرين من متابعى مواقع التواصل الاجتماعى بل كانت بالنسبة لهم خبرا مفجعا يعصر قلوبهم وسط كمية الدعوات التى تطلب من الله أن يقينا من موت الغفلة والفجأة.
وعلى الرغم من أن الحياة لا تساوى جناح بعوضة ولا تساوى شيئا، فإن الإنسان يرغب فى أن يتأخر الموت، بل يتمنى ألا يأتيه أبدًا، ليستمتع بحياته، وإذا كان لا بد أن يأتى فعليه أن يتأخر، حيث تشير كتب علم النَّفس التحليلى إلى أن الموت مؤخر عن شعور الإنسان وتفكيره، حيث إن اهتمام الناس بدفن أفكارهم عن الموت لا يقل شأنًا عن اهتمامهم بدفن موتاهم، وسواء أكانت هذه الحياة نقمة أحيانًا فهى امتحان وتجربة وهى معاناة وهى متعة فى نفس الوقت، ولا يبقى منها إلا السيرة الطيبة، وللحق فهناك فرق شاسع وكبير جداً بين أن تقرأ أو تسمع خبراً عن الموت والفراق وأن تعيش بنفسك تلك اللحظات الصعبة والقاسية التى تترتب على هذا الموت وذاك الفراق، فهى لحظات وإن اختلفت فى أشكالها إلا أنها فى نهاية الأمر تشكل صورة قاتمة تكسوها مرارة الفراق والإحساس بكسر القلب من شدة التأثر بفقد عزيز وغالٍ أو برحيل أقرب الناس وأحبهم إلى قلوبنا.
والحديث عن الموت على هذا النحو لا يعنى أن نفقد الأمل ونغرق أنفسنا فى التشاؤم، فالحياة مليئة بالأشياء الجميلة وبالأحداث الرائعة، فهذه الحياة ما يجب أن ندعها تمر وتتبخر من بين أيدينا دون أن نستمتع بها ونعيشها بالكامل مع من نحب قدر استطاعتنا، فالحياة بالنسبة لنا فريضة فرضها علينا الخالق جل شأنه وعلينا أن نعيشها ونحياها فى عبادته والتقرب إليه مع الالتزام بأوامره والنهى عما نهانا عنه، وهنا فإننى أتعجب من تلك النوعية من الناس الذين يقضون حياتهم فى الصراعات والحروب والمشاكل من أجل تحقيق أشياء زائفة وزائلة فكلنا راحلون ولا يبقى لنا سوى السيرة الطيبة والمواقف الإنسانية التى لا تعرف معانى الحقد والغل والكراهية التى تفشت بين الناس وأنستهم الحقيقة المؤكدة وهى أن الجميع إلى زوالٍ وأن لحظة الموت لا تأتى حسب ترتيب مسبق ولا موعد محدد.
أعلم أن الموت حق، فقد كتبه الله على سائر البشرية، وأعلم أنه لا راد لقضاء الله ولكن أعلم علم اليقين أن الله رحمته وسعت كل شيء وهو ما يدفعنى الآن لسؤال يسيطر على وجدانى دائما ولا أعرف له أى إجابة هو: ماذا فعلنا بأنفسنا حتى نصبح على هذا النحو الذى يدعو للأسى والحزن؟! وأين اختفت المشاعر الصادقة والأحاسيس النبيلة التى كانت أفضل ما يميزنا عن سائر شعوب العالم، حينما كانت تلك الصفات «الجميلة» هى المرادف الحقيقى لحياتنا السهلة البسيطة، فحتى وإن كانت التكنولوجيا الحديثة والمتطورة ووسائل الاتصال قد استحوذت على أكبر مساحة فى حياتنا إلا أنه ما كان ينبغى لنا بأى حال من الأحوال أن نسمح لها بإفساد تلك الحياة بالكامل وتحويلها إلى شيء غير مفهوم، قد يرى البعض أننى أتحدث عن أشياء غريبة لم يعد لها وجود الآن وهى الحب والتسامح والقناعة والرضا بما قسمه لنا الخالق جل شأنه ولكنى كنت ومازلت بل وسأظل على يقين تام بأن تلك الصفات النبيلة أبداً لن تختفى ولن تغيب عن حياتنا طالما نحمل بين ضلوعنا قلوباً تنبض بالحب ولدينا إرادة قوية وعزيمة لا تلين ورغبة حقيقية بأن نفسح المجال أمام مشاعرنا الصادقة والحقيقية لأن تكبر وتنمو وتتزايد وتحتل المساحات الأكبر فى حياتنا ، فالخير هو طبيعة الأشياء ونحن من نغير مفهوم الخير ونحوله إلى أشياء أخرى وذلك حينما نتمادى فى إغراق أنفسنا داخل مفردات بعيدة كل البعد عن العقل والمنطق.
وموت الفجأة من أقدار الله تعالى، التى يقضى بها فى عباده، بأن يصيب الموت العبد فجأةً من غير إمهال ولا إخطار، لذلك لا شيء يستحق أن نهدر أوقاتنا وأحلى أيام حياتنا فى المهاترات والمشاحنات والخلافات التى تأتى دائمًا من أتفه الأسباب، وليتنا نهيئ المناخ الصحى بداخلنا للمشاعر النبيلة والأحاسيس الصادقة بعيدا عن الكذب والخداع، خاصة بعد أن تحول الوفاء والإخلاص إلى عملة نادرة وبات الكذب والخديعة شعار أغلب البشر.
وإحقاقا للحق فإننى دائما أتساءل أيضا: لماذا لا نقتدى بالخيرين ولماذا لا ننظر إلى الناس القدوة فى حياتنا؟ وهذا يدفعنى للحديث عن مسألة فى غاية الأهمية هى "القدوة" التى تتمثل فى الشخص والمثال الأعلى الذى يُقتدى به والنموذج المثالى فى تصرّفاته وأفعاله وسلوكه، بحيث يُطابق قوله عمله ويُصدّقه، ويكون القدوة بالنسبة لأتباعه مثالاً سامياً وراقياً، فيعملون على تقليده وتطبيق نهجه والحذو حذوه، وينبع تقليدهم إياه من الإرادة والقناعة الشخصيّة للمقتدى، لا بالضغط الخارجى أو الإلزام من جهة القدوة بذلك، والهدف من اتباع القدوة الرقى لأعلى مستوى من الأخلاق والتعامل والعلم، وقد حدد الخبراء والباحثون صفات الشخصية القدوة بالعديد من الصفات والسلوكيات التى تجعل من الشخص قدوةً للآخرين بشكل عام، وهذه الصفات تتمثل فى تقديم الدعم اللازم، فالشخصية القدوة تقدم يد العون للأشخاص من حولها حتّى مع انعدام القدرة على تقديم الشيء المحدد الذى يحتاجونه، فالدعم المعنوى فى هذه الحالات يكون كافيا، ومن الصفات أيضاً احترام آراء الآخرين، فالشخصية القدوة تحترم آراء الآخرين سواء كانت مؤيدة لها أو معارضة، فكل إنسان له الحق فى إبداء رأيه كما يمكن تعلّم أشياء جديدة من تلك الآراء أو رؤية موقف معين من زاوية مختلفة، وأيضا من بين تلك الصفات إظهار الحكمة والنضج، فالحق يقال لا توجد مشكلة فى أن يتصرف الشخص بشكل طفولى من حين لآخر، إلا أن هناك أوقاتاً يجب أن يثبت فيها الإنسان وعيه ونضجه، ويجب أن يتمكن من التعامل مع المواقف الصعبة كالمشاكل الأسرية، والمنافسة فى مجال العمل وغيرها، أما الصدق فهو من أهم وأبرز تلك الصفات، فالشخصية القدوة صادقة دائماً فرغم أنّ الحقيقة تؤذى مشاعر الآخرين أحياناً، فإن الكذب يظل الأسوأ على الإطلاق فالناس تتجنب الشخص الكاذب ولا تثق به، وهناك أيضاً صفة مهمة تتمثل فى الابتعاد عن الشائعات لأن نقل الكلام بين الأشخاص ونشر الشائعات يعد واحدا من أسوأ الأمور التى يمكن أن يقوم بها أى شخص فهو يزيد من المشاكل والمتاعب وهنا يمكننى القول إن هذه الأمور جميعها تجعل الشخصية قدوة للآخرين بالفعل.
نحن بحاجة حقيقية إلى قليل من الدفء وكثير من الحنان والعطف يوقظ بداخلنا الحب ويعيد إحياءه، الحب لم يعد أغنية أو كلمة عابرة نعيشها وننتعش ثم نتوه وراء المادة والمال والجمود، الحب حياة وصيرورة واستمرار ودماء تتدفق فى قلوب لا تعرف الشيخوخة، فليتنا نهيئ المناخ الصحى بداخلنا للمشاعر النبيلة والأحاسيس الصادقة وأن نتخذ من الحب دستوراً نهتدى به، فلا شيء يعادل الإحساس بنعمة الهدوء النفسى، خاصة بعد أن تحول الوفاء والإخلاص إلى عملة نادرة، صحيح هذه هى سنة الحياة التى تركت الحقد والغل والكراهية تملأ القلوب، ولكن لو اتخذنا قراراً بإعلان الحرب على "الحزن" لتغيرت حياتنا بالكامل وأصبحنا بالفعل نتنفس حباً مع من نحبهم بإخلاص فى هذه الحياة.
وللحق مازلت أؤكد على مسألة فى غاية الأهمية مازلت أذكرها وأتذكرها دائما هى أن الموت هو الحقيقة الوحيدة المؤكدة فى هذه الحياة.. علينا أن نتصالح مع أنفسنا وأن نكون أكثر تسامحاً مع الجميع وذلك تصديقاً لقول المولى عز وجل: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }، وقوله أيضاً: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ".