قصة خيالية حقيقية من داخل إسرائيل
هذه القصة نصفها حقيقى ونصفها الآخر خيالى، الحقيقى فيها أنها ستحدث داخل إسرائيل بعد أن تنتهى حرب غزة، أما الخيال فيها فهو الأسئلة والأجوبة التى أتوقع أنها ستحدث فى هذه الفترة.
لذلك تخيلت أنا شخصيا أنه ما إن تنتهى هذه الحرب بأى صورة كانت، وبالطبع بعد انسحاب الجيش الإسرائيلى من غزة تعود السيطرة على غزة للسلطة الفلسطينية، حيث تعقد بعدها على الفور لجنة تحقيق فى إسرائيل برئاسة قائد المحكمة العليا، وهو نفس المنصب الذى كان فيه القاضى اجرانات بعد حرب 73، عندما تم تكليفه بالتحقيق فى أسباب قصور جيش الدفاع الإسرائيلى فى حرب أكتوبر 73.
وأعتقد أن القاضى الإسرائيلى هذه المرة هو ولجنته سيقوم بسؤال رئيس الوزراء نتنياهو، وهو نفس الأسلوب الذى تم عندما قام قاضى إجراءات ولجنته بسؤال رئيسة وزراء إسرائيل بعد حرب 73، جولدا مائير وهذه المرة سيكون مع نتنياهو، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلى الحالى، ومدير المخابرات الموساد حاليا، ورئيس الشاباك.
وهما المسؤولان فى نظام الاستخبارات الإسرائيلية عن متابعة نشاط ما تطلق عليه إسرائيل الجماعات الإرهابية.
وسيبدأ السؤال الأول إلى كل الأطراف، كيف لم تتوقع إسرائيل هجوم حماس وباقى فصائل المقاومة يوم 7 أكتوبر 2023 ؟ويكون رد نتنياهو أنا رئيس الوزراء، ولست مسؤولا عن متابعة هذه الفصائل وعملها فى غزة، هذه مسؤولية رئيس الأركان والثلاثة أعضاء هيئة الاستخبارات الإسرائيلية.
وهو نفس السؤال الذى يتم توجيهه لرئيس الأركان الذى جاءت إجابته أننى أتابع يوميا التقارير التى تصلنى من الأجهزة الاستخباراتية الثلاثة، ولم يوضح أى منهم اكتشاف أى نشاط للجماعات الفلسطينية.
ومن هنا يسأل قاضى التحقيق كلا من نتنياهو ورئيس الأركان، ألم يكن ذلك الهجوم يوم 7 أكتوبر مفاجأة لإسرائيل؟ وتكون إجابة الاثنين نعم، كانت بالفعل مفاجأة، السؤال هنا إلى الثلاثة مديرى الاستخبارات الإسرائيلية: أين كنتم من هذه الأحداث؟ وهنا يأتى رد مدير الموساد، إننى طبقا لطبيعة عملى مسؤول عن تجميع المعلومات خارج إسرائيل، وهذا هو عمل الموساد، وكنا فى هذه الفترة مركزين على إيران، ومدى قدرتها وتجهيزاتها فى الحصول على السلاح النووى.
ولقد قمنا خلال السنوات الماضية بعمل تفجيرات فى عدد من مفاعلات إيران النووية، كما قمنا باغتيال ثلاثة من علمائها العاملين فى المجال النووى، المهم أننا كنا مركزين ومتابعين النشاط النووى الإيرانى.
وهنا جاء السؤال إلى رئيس الشاباك المسؤول عن الأمن الداخلى فى إسرائيل.
وأمان المخابرات الحربية الإسرائيلية فكانت الإجابة كنا نتابع عمل نشاط حماس وغيرها من الجماعات ولكن لم يظهر لنا أى استعداد لأى عمليات عسكرية.
وهنا يسأل القاضى: ألم تلاحظوا، قيام حماس والجماعات بشراء الطائرات الشراعية بأعداد كبيرة تفوق احتياجات قطاع غزة السياحى؟ ألم تلاحظوا حجم التدريب الذى يتم يوميا، خاصة أن المتدربين عليها لم يكونوا من رجال السياحة؟ وكانت الإجابة أن هذه الطائرات يبدو أنها جاءت على مراحل فى إطار مجموعات صغيرة، لذلك لم يتم تقديرها واحتمالات أنها ستستخدم لغير السياحة.
ويجيء سؤال آخر: ألم تلاحظوا أن حماس قامت بعمل ماكت مجسم على الأرض لمستعمرة إسرائيلية كان يتم التدريب على اقتحامها؟ وكان رد رئيس الشاباك إن هذا الماكت المصغر تم إنشاؤه منذ عدة سنوات، ويتم التدريب على اقتحامه كل فترة، وكان تقديرنا أنها عملية لرفع معنويات رجال حماس، لأن الحائط على الحدود كان سيمنع أى فكرة للهجوم على هذه المستوطنات.
وكان السؤال الآخر: أين العملاء الذين ندفع لهم شهريا رواتب كبيرة داخل المجتمع الفلسطينى؟ ألم يصل من أى أحد منهم أن هناك خطة لعبور خط الحدود بهذه الطائرات وأن هناك خططا للهجوم على المستوطنات؟ وهنا انفعل قاضى التحقيقات قائلا: لو فرضنا كل إجاباتكم سليمة، أين معلوماتكم عن الأنفاق؟ إنهم 500 كيلو داخل قطاع غزة بالكامل، وكانت هناك معلومات واضحة للجميع أنهم يحفرون هذه الأنفاق، منذ سنوات أين كنتم؟ وأين خرائط هذه الأنفاق؟ إنها شبكة كبيرة لم يكن يعلم عنها أحد.
إنه إهمال كبير منكم، لدرجة أن القوات الإسرائيلية عندما دخلت غزة فوجئت بأنه ليس لديها أى معلومات عن أماكنها، وأسلوب الإضاءة والتهوية والتسليح والفتحات، وكانت معلوماتكم كلها خاطئة. لذلك هاجمنا المستشفيات فى غزة ولم نجد أسفلها شيئا، بل أصبحت صورة إسرائيل سيئة، إننا نهاجم المستشفيات وليس تحتها أى أنفاق.
وجاء السؤال التالى: أين المعلومات عن قادة حماس؟ التى أمضينا شهورا طويلة، ولم نقبض على واحد منهم خلال هذه العمليات العسكرية، أو نقتل أحدهم، ولم يكن لدينا حتى علم بأماكن اختبائهم ولا بيوتهم، ولا حتى عائلتهم، وأساليب اتصالاتهم؟
لقد خدعتم الشعب الإسرائيلى يوم أن نجحنا فى اغتيال أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس فى غزة، وجاءت الحكايات أن العملاء وضعوا جهاز التتبع فى كرسيه المتحرك داخل منزله، وأن الصاروخ دخل من شباك المنزل لكى يقضى عليه.
ووقع ميتا على الكرسى المتحرك، وصدقناكم نحن الإسرائيليون هذه المرة، أن الاستخبارات الإسرائيلية قادرة على الوصول إلى منزل كل قادة حماس.
ولكن كل ذلك أصبح أكذوبة، فلم تقض على أحد منهم، ولم نعلم أماكن تواجدهم واتصالاتهم ولا حتى عائلاتهم. أين العملاء أين المعلومات أين أجهزة التتبع التى نزعم أننا متفوقون فيها فى أنحاء العالم كله؟
وهنا يوجه رئيس القضاة السؤال مرة أخرى: أين المبالغ التى تدفع شهريا لكل العملاء الفلسطينيين؟ لقد ضحكوا علينا لسنوات طويلة، ولا نعلم ماذا يتم داخل الغرف المغلقة لهذه الفصائل.
لقد ركزتم فى تلك الفترة على الوقيعة بين حماس فى غزة والسلطة الفلسطينية فى رام الله، وكنتم سعداء باستمرار انقسام داخل السلطة الفلسطينية وحماس.
وجاء السؤال الهام بعد ذلك من رئيس القضاة: كيف دخلت هذه الأسلحة والمعدات من خارج غزة إلى فصائل المقاومة؟ وكان رد رئيس الشاباك: من مصر من خلال الأنفاق، وكان رد كبير للقضاة، هذا ليس معقولا، لأن مصر لم تكن على علاقة طيبة بحماس.
ولقد قامت مصر بإغلاق الأنفاق بين حماس ومصر، وبالذات من رفح إلى مصر، بل وقامت بنقل مبانى رفح المصرية إلى مكان آخر، ولم يكن هناك أى علاقة بين حماس والمصريين، بل إنهم اعتبروا أن حماس هى أكبر عدو لهم فى يوم من الأيام، لأنهم كانوا يساعدون العناصر التكفيرية فى سيناء.
وأعتقد أن تلك هى نهاية قصة التعتيم التى سيصدر بعدها لوم نتنياهو وعزله وصدور قرار بعدم توليه أى منصب آخر فى أى حكومة قادمة.
كذلك إعفاء كلٍ من رئيس الأركان، الجيش الإسرائيلى، ورئيس الموساد، والشاباك، وأمان، ومعهم مديرو إدارات الفصائل الفلسطينية، المسؤولة عن المتابعة للعناصر الفلسطينية، ويتم توجيه تهمة الإهمال والإضرار بالأمن القومى الإسرائيلى لهم جميعا.