دائرة البحر الأحمر الإستراتيجية
فرضت الأحداث التي يشهدها محيطنا الإقليمي تغيرات على مفاهيم الدولة الإستراتيجية لمصر، تمثلت في إضافة دوائر إستراتيجية جديدة، منها دائرة البحر الأحمر، خاصة بعد تعاظم دخل قناة السويس المصرية، ليصبح عشرة مليارات دولار سنوياً. إلا أن رؤية مصر وتوقعها لتطور أهمية ذلك الاتجاه، ضمن الدائرة الإستراتيجية الجنوبية للأمن القومي المصري، دفعها لإنشاء الأسطول البحري الجنوبي، والقاعدة العسكرية، الجاري إنشاؤها في البحر الأحمر.
وتسارع تطور الأحداث، عندما تعرض الحوثيون باليمن للسفن الإسرائيلية، العابرة من مضيق باب المندب، في اتجاه ميناء إيلات، وما أعقبه من التعرض للسفن التابعة للولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإنجلترا، نتيجة تصدي قوات ذلك التحالف للصواريخ وللمسيرات الحوثية، بما تسبب في تعريف منطقة باب المندب، كمنطقة خطر، وهو ما انعكس سلباً على أعداد السفن العابرة، وبالتالي على حركة الملاحة في قناة السويس، لتخسر مصر خمسة مليارات دولار في عدة شهور.
وبناءً عليه اعتبرت مصر أن البحر الأحمر ومنطقة باب المندب، أحد أهم الدوائر الإستراتيجية الجديدة، وأحد عناصر أمنها القومي، الذي بدأت التحرك عليه بتوقيع اتفاقية تعاون عسكري مع الصومال، يتم بمقتضاها قيام مصر بدعم القوات المسلحة في الصومال، في إطار إعادة تنظيم الجيش الصومالي، ورفع مستوى التدريب لقواته، وخاصة في مجال مكافحة الإرهاب، ضد الجماعات المتطرفة، ومنها على سبيل المثال منظمة الشباب الإسلامية. مع رفع قدرات الجيش للقضاء على العناصر الانفصالية، التي أطلقت على نفسها "صومالي لاند"، والتي لم تحظ باعتراف دولي، إلا من إثيوبيا، التي وقعت اتفاقية مع ذلك الجزء الانفصالي، يتم بمقتضاها منح إثيوبيا الحق في إقامة قاعدة عسكرية بحرية، بجوار ميناء أسمرة الصومالي.
وقد سعت إثيوبيا، من خلال ذلك الاتفاق، إلى ضمان الحصول على منفذ بحري على البحر الأحمر، في ظل كونها دولة حبيسة، لا شاطئية. وفي ضوء عدم قانونية ذلك الاتفاق، كونه موقعا مع كيان غير معترف به، فإنه بمجرد دعم، ورفع كفاءة، وتعزيز قدرات الجيش الصومالي، سيتمكن من استعادة ذلك الجزء المنفصل إلى الصومال، وبالتالي تلغى أي اتفاقات مع إثيوبيا. كما ستنضم مصر إلى قوات حفظ السلام الدولية في الصومال، كما كانت منذ عشرات السنين.
يأتي كل ذلك في إطار العمل على إعادة الأمن للصومال، بما يعني استعادة الأمن والاستقرار في منطقة القرن الإفريقي، وبالتالي المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، من خلال باب المندب، الذي يعتبر، في يومنا هذا، أساساً للأمن القومي المصري، من جهة الدائرة الجديدة، وهي دائرة الأمن القومي للبحر الأحمر.