«فلا هذا سينتصر ولا ذاك سينهزم».. هل يحرق بوتين العالم؟.. ولماذا أشعل بايدن الصراع الكبير؟
- كيف سترد موسكو على التصعيد الأخير؟.. ومتى ستبدأ استخدام أسلحة الدمار الشامل؟
- ماذا سيحدث إذا وقعت المواجهة الكبرى بين روسيا ودول حلف شمال الأطلسي "الناتو"؟
وكأن العالم تنقصه إثارة وهو بالأساس يغوص في نار محرقة سواء في الشرق الأوسط أو أوروبا.. وها هي ساحة الحرب الأوكرانية تشهد تصعيدا جديدا بعد موافقة الولايات المتحدة على تزويد كييف بصواريخ بعيدة المدى، مما يتيح لأوكرانيا استهداف الأراضي الروسية بشكل مباشر.
هذه الخطوة تأتي في إطار الدعم الغربي المستمر لأوكرانيا، لكنها تثير تساؤلات عن طبيعة الرد الروسي في ظل التصريحات الحادة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي اعتبر الأمر تحولا خطيرا في طبيعة النزاع.. وفي ظل تغييرات العقيدة النووية الروسية.
ومنذ فترة طويلة لطالما طالبت أوكرانيا حلفاءها الغربيين بتزويدها بصواريخ طويلة المدى مثل صواريخ أتاكمز الأمريكية و"ستورم شادو" البريطانية.. وتهدف كييف من هذه الأسلحة إلى ضرب مواقع إستراتيجية داخل روسيا، تشمل مراكز القيادة العسكرية، وقواعد الإمداد، وشبكات اللوجستيات التي تعتبر أساسية في دعم القوات الروسية في شرق وجنوب أوكرانيا.
وقد جاءت موافقة واشنطن في وقت حساس يشهد فيه الصراع حالة من الجمود العسكري، حيث تسعى أوكرانيا إلى تحقيق اختراقات حاسمة في المناطق التي تحتلها روسيا.
وفي المقابل، ترى موسكو أن هذه الأسلحة تهدف إلى تغيير قواعد اللعبة، مما يضعها أمام خيارات صعبة لضمان أمنها القومي.
وفي أول تعليق له على هذه الخطوة، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده سترد بشكل مناسب إذا تم استخدام هذه الصواريخ ضد أهداف داخل روسيا.
ووصف بوتين الأمر بأنه بمثابة إعلان حرب مباشر من الغرب، مشيرًا إلى أن القوات الأوكرانية لا تملك القدرة على تشغيل هذه الأنظمة المعقدة دون تدخل مباشر من خبراء غربيين.
بوتين أضاف أن موسكو تدرس جميع الخيارات الممكنة، وأن طبيعة الرد ستعتمد على مدى تأثير الهجمات الأوكرانية ومستوى الدعم الغربي المستمر.
كما تحدث عن احتمال اتخاذ خطوات غير مسبوقة، دون الكشف عن تفاصيل محددة، لكنه ألمح في تصريحات سابقة إلى إمكانية تسليح خصوم الغرب بأسلحة متقدمة أو حتى إجراء تجارب نووية لاستعراض القوة.
ويشير الخبراء إلى أن روسيا قد تلجأ إلى عدة خيارات للرد على هذا التصعيد، منها:
- تكثيف الضربات الجوية والصاروخية داخل أوكرانيا، حيث يمكن أن تركز موسكو على استهداف البنية التحتية الأوكرانية بشكل أكثر حدة، بما يشمل محطات توليد الكهرباء، والجسور، وخطوط السكك الحديدية، لتعطيل الجهود الأوكرانية لنقل الإمدادات العسكرية.
- توسيع نطاق العمليات العسكرية فقد تسعى روسيا إلى توسيع الحرب لتشمل دولًا مجاورة مثل بولندا أو رومانيا، التي تعتبر ممرات رئيسية لنقل الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا.
ويمكن أن تتضمن هذه الخطوة ضربات محدودة أو عمليات عسكرية سرية تستهدف خطوط الإمداد.
- استخدام الردع النووي، إذ يظل الخيار النووي حاضرًا في حسابات الكرملين، لكن بوتين يعلم جيدًا أن استخدام الأسلحة النووية بشكل فعلي قد يؤدي إلى مواجهة شاملة مع الناتو.
ومع ذلك، قد تلجأ موسكو إلى إجراء تجارب نووية أو نشر أسلحة نووية تكتيكية في مناطق إستراتيجية كوسيلة للضغط.
- إلى جانب الرد العسكري، قد تسعى روسيا إلى استخدام أدوات دبلوماسية واقتصادية للضغط على الغرب، مثل تقليص صادرات الطاقة إلى أوروبا أو تعزيز تحالفاتها مع دول معارضة للسياسات الغربية مثل إيران وكوريا الشمالية.
وهنا لابد من الإشارة إلى العقيدة النووية الجديدة لروسيا، التي تم تحديثها مؤخرًا بمرسوم من الرئيس فلاديمير بوتين، حيث تُظهر تحولًا إستراتيجيًا واضحًا يعكس التحديات الحالية التي تواجهها روسيا في الصراع مع أوكرانيا والغرب.
وقد شملت التغييرات الرئيسية في العقيدة:
1. خفض عتبة استخدام السلاح النووي: أصبحت روسيا أكثر غموضًا بشأن الظروف التي قد تستخدم فيها الأسلحة النووية.
بينما كانت العقيدة السابقة تحدد استخدام الأسلحة النووية في حالة "تهديد وجودي"، فإن النسخة الجديدة تشير إلى استخدام الأسلحة النووية عند وجود "تهديد خطير للسيادة أو سلامة الأراضي"، مما يوسع نطاق التهديدات التي قد تستدعي ردًا نوويًا.
2. حماية الحلفاء بشكل أكثر تحديدًا: تم تضمين بيلاروسيا بشكل خاص تحت المظلة النووية الروسية، مما يعزز التزام روسيا بحماية حلفائها القريبين من أي تهديدات عسكرية.
3. توسيع تعريف الهجمات المبررة للرد النووي: العقيدة الجديدة تسمح باستخدام الأسلحة النووية في حالة هجوم "جوي فضائي" أو استخدام طائرات بدون طيار وصواريخ باليستية، مما يعكس مخاوف روسيا من تصاعد الهجمات التقليدية باستخدام أسلحة متقدمة .
4. تحميل المسؤولية لدول الدعم العسكري: ترى العقيدة أن أي هجوم على روسيا أو حلفائها من قبل دولة غير نووية مدعومة من دولة نووية يمكن اعتباره عدوانًا مشتركًا، مما قد يؤدي إلى رد نووي روسي. هذا يشير بوضوح إلى حلف الناتو والدعم الغربي لأوكرانيا.
وتهدف روسيا إلى الحفاظ على مستوى الردع النووي بشكل يجعل الخصوم يفكرون مليًا قبل تنفيذ أي هجمات.. فضلا عن تعزيز موقعها كقوة نووية بارزة لا تتهاون في الدفاع عن سيادتها.
وقد أثارت موافقة الولايات المتحدة على تسليح أوكرانيا بصواريخ طويلة المدى مخاوف من تصعيد كبير للصراع.
حيث عبّرت بعض الدول الأوروبية عن قلقها من التداعيات المحتملة لهذه الخطوة، خصوصًا في ظل تهديدات روسيا برد قاسٍ.
ومن جهة أخرى، أكدت الولايات المتحدة أن قرارها يأتي ضمن حق أوكرانيا في الدفاع عن نفسها، مشيرة إلى أن هذه الصواريخ تهدف إلى ردع روسيا وليس إشعال صراع أوسع.
والمؤكد أن القرار الأمريكي يعزز هذا التطور والانقسام بين الكتل الدولية.
فمن جهة، يستمر الغرب في دعم أوكرانيا عسكريًا واقتصاديًا، بينما تسعى روسيا إلى استقطاب مزيد من الدعم من الصين ودول الجنوب العالمي.
ثم إنه مع تصعيد الهجمات المتبادلة، يتوقع أن تزداد معاناة المدنيين، خاصة في المناطق التي تشهد مواجهات مباشرة.
وقد يؤدي استهداف روسيا البنية التحتية إلى تفاقم أزمة اللاجئين الأوكرانيين.
فضلا عن تصعيد الصراع إلى تقليص فرص الحوار بين الأطراف، حيث تتمسك كلٌ من روسيا وأوكرانيا بمواقفهما المتصلبة، ما يبعد إمكانية التوصل إلى تسوية سلمية.
ختاما أقول إن سماح الولايات المتحدة لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى تطور خطير في الحرب الأوكرانية، ويضع العالم أمام مرحلة جديدة من التصعيد.
وفي ظل غموض طبيعة الرد الروسي، يبقى المستقبل مفتوحًا على كافة الاحتمالات، من تصعيد محدود إلى مواجهة شاملة قد تتجاوز حدود أوكرانيا وروسيا.
ويبدو أن الصراع في أوكرانيا لن ينتهي قريبًا، وأن التصعيد المستمر سيزيد من تعقيد المشهد السياسي والعسكري، مما يجعل الحاجة إلى حلول دبلوماسية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
اللهم احمِ بلادنا.