طلت علينا من جديد فى الأسبوع الماضى جريمة فى حق المجتمع المصرى حين تحرش مجموعة من الشباب الصغير بإحدى الفتيات الطائشة فى شوارع مدينة ميت غمر التابعة لمحافظة الدقهلية، والتى نعتها الإنجليز عام ١٩١٩ بأنها المدينة الأسوأ من زفتى المقابلة لها على الشط المقابل من نهر النيل فرع دمياط حيث قاومت ميت غمر بشدة بل أكثر من زفتى إبان الاحتلال الإنجليزى وعند قيام جمهورية زفتى ليُطلق المثل المشهور "ما أسوأ من زفتى إلا ميت غمر"، ورغم عراقة المدينة وبعدها التاريخى إلا أن هذه الجريمة حدثت على أرضها لتحدث ضجة بين جموع المجتمع المصرى الذى أصابته هذه الجريمة بصفعة جديدة على وجه الأخلاق التى راح الجميع يبحث عنها ولا يجدها.
والواقعة عندما خرجت إحدى الفتايات من مجانين الشهرة لشوارع مدينة فى دلتا مصر مرتدية ملابس غير مناسبة للمكان وأهله مما عرضها للتحرش من شباب لا يعرف معنى للتربية ولا الأخلاق وكما سبق ووصفناهم من أصحاب أخلاق زمن "التوك توك" أى أننا لا نستطيع أن نوّصف وصفا لأخلاقهم وتقدمت الفتاة أو المجنى عليها ببلاغ حول ملاحقة سبعة فتيان لها خلال سيرها بالطريق العام بمدينة ميت غمر وملامستهم جسدها ومواطن عفتها وإثارة المارَّة ضدها وذلك حالَ استقلال خمسة شباب منهم سيارة واثنين دراجة آلية فلجأت الضحية إلى مقهى لتفاديهم ثم خرجت منه ظانة أنهم انصرفوا ففُوجِئَت باستمرار تتبعهم لها وموالاة التعدى عليها فتوارت إلى معرض سيارات فقام مالكه مشكورًا بتدبير وسيلة لنقلها إلى منزلها وأكدت الفتاة -التى أصبحت حديث الساعة- أنها تلقت تهديدات من عدة أماكن أبرزها صفحة خاصة بأحد أقارب متهم ومحامٍ موكَّل للدفاع عن بعض المتهمين بموقع التواصل الاجتماعى (فيس بوك) تضمنت التشهير بها للتأثير عليها وإكراهها على التنازل عن شكواها ورفضت هى وأسرتها التنازل، وتم تفعيل القضية وكلفت النيابة العامة الشرطة بضبط المتهمين وبالفعل تمكنت الشرطة من خلال التحرى وفحص كاميرات مراقبة مطلة على موقع الحادث من تحديد المتهمين السبعة ورقمى السيارة والدراجة اللتين استقلوهما، فاستجوبتهم النيابة العامة بعد إلقاء القبض عليهم وقررت حبسهم على ذمة التحقيقات وحتى هذه اللحظة الأمور قانونية ولا مشكلة فيها شباب صغير نعم لكنه أخطأ ولابد من عقابه مع عدم إغفال دور الضحية فى الأمر.
ولكن المفزع فى الأمر أن كل جبهة فى هذه القضية كون ظهيرا وراح كل ظهير يدافع دون وعى عن الطرف المؤيد له وراح المتعاطفون مع الفتاة يكيلون الاتهامات للشباب وعلى الطرف الآخر راح المتعاطفون مع الشباب الصغير للوم الفتاة على طريقة لبسها والسماح لنفسها بلباس غير مناسب للمنطقة التى تعيش فيها وتدخلت وسائل التواصل الاجتماعى"الخراب الاجتماعى" وراح كل يدافع باستماتة عن وجهة نظره بل وتطور الأمر فراحت المنظمات المهتمة بشؤون المرأة بالوقوف والمطالبة بتوقيع أقصى عقوبة على الشباب وراح أهالى الشباب وبعض المتعاطفين معهم بالمطالبة بمحاسبة الفتاة على طريقة لبسها وتبرأ المذنبون لأنهم صغار ولم يقصدوا ما قاموا به وراح كل منهما يصرخ ويطالب بفرض وجهة نظره وعينوا من أنفسهم قضاة وجلادين وراحوا يوزعون الأحكام والتحليلات كل حسب هواه ولم ينتظروا حتى تحقيقات النيابة وجهات التحقيق وراح كل طرف يروج لوجهة نظره وانشغل الرأى العام بالقضية ذاتها وتناسى الجميع هذه الصفعة التى تلقتها الأخلاق المصرية الأصيلة فى مقتل وأين فى مدينة من المدن الصغيرة مازال بها عادات وتقاليد الفلاح المصرى الأصيل، وزاد من هذا الصراع تكالب وسائل الإعلام على الفتاة الضحية لإبراز ملامح القضية.
ولا شك أن الشباب المتهم بالقضية شباب "ناقص رباية" لو ثبت عليهم قيامهم بهذا العمل الخسيس وهذه الجريمة المرفوضة دينًا واجتماعيًا وسلوكيًا ولكن ليس من المعقول والطبيعى أن تسير فتاة وصفها شهود عيان بـ"شبه عريانة" فى شوارع مدينة كميت غمر نعم لها مُطلق الحرية فى اختيار ملابسها إلا أن لكل مقامٍ مقال ولا يمكن أن أعرى جسدى فى مجتمع لا يُسمح فيه بهذا والتى تقوم به هى غريبة وأحيانًا منبوذة فى هذا المجتمع الذى لا يسمح بمثل هذا اللباس الفاضح وبكل أسف يعتبر من ترتديه أقل فى الأخلاق أو باحثة عن الشهرة مهما كان الأمر، ورغم أن المحجبات وحتى المنتقبات لم تسلمن من التحرش خلال الفترة الأخيرة فى جميع مدن مصر إلا أن العديد من المتابعين يرون أن الفتاة كان لها دور كبير فى صنع الحدث خاصة أنها من الفتيات التى تصمم أفلاما قصيرة على بعض مواقع التواصل الاجتماعى وكانت تسعى للشهرة التى وصلت إليها أكثر ما كانت تتوقع بعد هذه الواقعة.
وأنا هنا لا أعتب على أهل الفتاة أو أهل الشباب فحسب فكلا الجانبين مخطئ ومُقصر فى حق أولاده ولكنى أرى أن الصائدين فى الماء العكر ومحترفى الرقص على جثث كل وأى شيء الذين اتخذوا من هذه الواقعة ذريعة للظهور والخروج عبر وسائل التواصل وعلى بعض الشاشات لحشد الرأى العام فى اتجاه أحد الأطراف وبدلًا من أن يبحثوا داخل أنفسهم أو بيوتهم عن متحرشين لتقويمهم راحوا يكيلون التهم للفتاة وراح الطرف الآخر يطالب بتوقع أقصى عقوبة على الشباب ودخل الجميع فى معركة لإثبات أنهم مع الطرف المظلوم رغم أن المظلوم فى هذه القضية هو المجتمع المصرى الذى يئن لمثل هذه التصرفات التى يبغضها ولا يريد أن تكون بيننا أبدًا.
علينا تقديم الحلول لمثل هذه الأحداث التى تعرقل المجتمع المصرى وتفكك ترابطه.. علينا رفع وعى الشباب وتقديم الدعم لهم وللسيدات والآنسات لجعل الشوارع العامة أكثر أمانًا للنساء والفتيات وللتأكيد على أن كل أحياء وشوارع مصرنا الغالية آمنة كما أنه آن الأوان لتعزيز الأطر التشريعية والمؤسسية لضمان الوقاية الفعالة من العنف ضد بنات حواء فى الأماكن العامة وكذلك فرض بعض القيود على الملابس الفاضحة فى الأماكن العامة غير المناسبة للملابس العارية وإجبار السيدات والفتايات على عدم ارتداء الملابس الفاضحة فى الشوارع العامة تماشيًا مع تقاليد مجتمعنا مع تواجد شرطى ونقاط أمنية بالشوارع على أن تكون سريعة الاستجابة مع توقيع أقصى عقوبة ممكنة لردع مثل تلك الممارسات التى تسيء للمرأة المصرية وللمجتمع بشكل عام، وقبل كل هذه الاقتراحات يبقى الدور الأساسى والأكبر فى تقويم الأسر أبناءهم وتربيتهم على احترام حقوق المرأة وعدم المساس بها وغرس مبدأ أن كلهن إما أمك أو أختك مهما كان زيها عليك احترامها.
وأن تتوقف كل تلك الدعوات المؤيدة لطرف على حساب آخر ونترك جهات التحقيق فى مثل هذه القضايا لتقول كلمتها ونكف عن (الفتى) وإثارة الرأى العام وقبلها أريد أن أهمس فى أذن كل الوسائل الإعلامية التى تلهث وراء هذه الأخبار وتبرزها بل وتخصص مساحات كتابية وزمنية لسردها دون مهنية وحرص على سمعة الوطن أقول لهم جميعًا.. ارحمونا.