نشأنا وتربينا على مقولة "الشغل مش عيب"، والمهم أن تكون تعمل وليس عاطلا وهى مقولة ليست بالصحة المُطلقة بكل أسف.. بالفعل لابد أن تعمل ولكن عليك أن تخطط كيف تعمل وتؤهل نفسك قبل أن تعمل.. أى أن توجه مجال دراستك العلمية إلى تخصصك الذى تفضله وتريد أن تعمل فيه فنحن نرى كثيرًا من أبنائنا من حملة المؤهلات العليا يعملون فى أشغال لا تتناسب مع المؤهل الدراسى الذى حصل عليه سواء بكالوريوس أو ماجستير أو دكتوراه، ومنذ فترة ليست بالبعيدة شاهدت وقرأت على مواقع التواصل الاجتماعى عن شاب حاصل على الماجستير عقب كلية الخدمة الاجتماعية ويعمل على "توك توك".. والكثير يبارك هذا العمل وكأن التعليم فى مصر لا قيمة له وأنه لزامًا على أبنائنا الحاصلين على المؤهلات العليا أن يعملوا فى أى عمل من أجل لقمة العيش وليس من أجل خدمة المجتمع والتقدم بالدولة الى الأمام لتواكب الدول المتقدمة.
يمكننا أن نسمح ونوافق على هذا إذا ما كان هذا الخريج يعمل عملا مساويا أو موازيا لحجم ما تم إنفاقه عليه ليحصل على هذه الشهادة العلمية سواء من الدولة أو من أهله وهل كل هذه المعلومات والعلوم والكتب والمراجع كانت من أجل أن يعمل فى عمل لا يحتاج مؤهلا؟! وهل أنفق أهله عليه أموالهم من أجل أن يكون سائق "توك توك"؟، ما يحدث ما هو إلا محو فاضح للتعليم فى مصر فالشخص الحاصل على ماجستير فى أحد تخصصات الخدمة الاجتماعية من مقتضيات رد الجميل للدولة هو البحث والعمل على تعديل سلوكيات الأطفال والكبار أو بحث الدور والمؤسسات التابعة للمجتمع المصرى وليس العمل على توك توك.. فالعمل على "توك توك" أو غيره من الأعمال التى لا تحتاج لكل هذه العلوم والمعلومات التى من الممكن أن يفقدها وينساها هذا الشاب وبذلك نظل فى دائرة الضحك على المجتمع أنه بدلًا من البطالة سارع للعمل فى أى وظيفة نعم سعيه يُشكر عليه ولكنه ليس مكانه ولا دوره.
ولذلك آن الأوان أن نطور المنظومة التعليمية فى مصر وسمعنا كثيرًا عن تطوير التعليم الفنى ولكن دون جدوى فالتعليم الفنى الآن بمثابة قنبلة تُخرج من رحمها عديمى التعليم الفنى والعام فلا يوجد تعليم فى هذا القطاع، فالاهتمام بالتعليم الفنى هو أمل مصر والملاذ الآمن للخروج من كم المتعلمين الجهلة والجهلة المتعلمين، تطوير هذا القطاع يجب أن يبدأ منذ البداية فيُضاف للمرحلة الابتدائية البرنامج الزراعى ويكون هناك مدرسون على علم بالتعليم الزراعى حقًا يُضاف التعلم العملى إلى المواد النظرية التى يتم تدريسها للتلميذ، وفى المرحلة الإعدادية يُضاف البرنامج التجارى والبرنامج الصناعى ويكون هناك مدرسون لديهم ثقافة المعاملات التجارية والأعمال الحرفية ويضاف للمواد الدراسية النظرية أيضًا.
وفى المرحلة الثانوية يوجه الطالب حسب تفوقه وميوله ولا نسمح لأبواب خلفية للدخول للثانوى العام لغير مستحقيه فيكون الثانوى لعدد أقل من الطلبة ومستوى تعليمى مرتفع ويكون التعليم الفنى لمحبيه والمتفوقين فيه فى المراحل السابقة فسيكون لدى الجميع أساسيات كل المهن والحرف الأساسية وسنستطيع أن نصقل مهارات محبى العمل المهنى علميًا وبذلك سيكون لدينا خبراء فى المجال الزراعى والتجارى والصناعى بعد أن يستكملوا تعليمهم فى نفس المجال الذى اختاروه لأنفسهم ووقتها نستطيع أن نلغى ما يسمى بمكتب التنسيق للجامعات ومن يريد الدخول إلى الكلية العلمية العملية التى يريدها خاصة أو عامة فعليه تقديم مشروع إلى الكلية التى يريدها ويعرض مشروعه على لجنة متخصصة من كبار رجال وعلماء الدولة فى هذا المجال تحت إشراف جهات رقابية ليكون هناك شفافية واطمئنان وفى حالة قبوله يتم إلحاقه بالكلية ولكن ليس بهدف الحصول على شهادة وإنما لتنمية قدراته وعلى هذا نجد المهندس الحقيقى والدكتور الحقيقى والمحاسب الحقيقى وغيرهم والكل مبدعون فى عملهم وليسوا عالة على الدولة وبذلك تنتهى ظاهرة حملة المؤهلات العليا الذين يعملون فى المهن التى لا تتناسب مع مؤهلاتهم.
أما بالنسبة للطلبة الذين انتهت دراستهم عند المرحلة الثانوية فلكلٍ منهم وجهته فقد درس البرنامج الزراعى والتحق بالمدرسة الزراعية والتجارية والتحق بالمدرسة الصناعية وبعد أن يلتحق المتفوقون منهم بالكليات المناسبة لهم، يتم إعداد الدورات المهنية المكثفة بالتعاون مع كبار الشركات والمصانع داخل وخارج مصر يدرس فيها هؤلاء الطلبة الفنيون العملى فقط سواء نجار أو حداد أو سائق أو حلاق أو أى مهنة يرى أنه يجيدها وسيصبح مبدعًا فيها أيضًا لأنه لم يُفرض عليه تعلم ولا علم لا يريده ونوفر مبالغ طائلة تصرف على الجامعات فى مصر ونكون قد طورنا التعليم ورفعنا من مستوى العمل والعمال فى مصر ونستطيع أن نحقق أمر رسول الله وقتها"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه".
فيكون لدينا جميع المستويات الفكرية والتعليمية والعمالة الماهرة ونتخلص من هذه التخمة من أنصاف المتعلمين فيكون هناك مكان ومجال لكل متعلم حقيقى صاحب علم ليؤدى رسالته ويفيد مجتمعه ونفسه، لا أن تكون مجرد شهادة للواجهة الاجتماعية تكلف الدولة الآلاف ومصيرها إما درج مكتب أو برواز على حائط ويعود هذا الخريج لينزل لسوق العمل فيجد نفسه مضطرًا للتعلم من جديد ولكن بعد أن أضاع عمره وأضاعت الدولة أموالها فى تعلم ما لن يفيده ... نعم "الشغل مش عيب" ولكن.
رسالتى للدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم بتدارك ظلم طلاب إحدى المدارس الخاصة بمدينة نصر التابعة للنظام الإنجليزى من تزوير درجاتهم ومنح حقوقهم لآخرين وإثبات تحقيقات الوزارة والنيابة الإدارية وقائع التزوير ومازالت الوزارة والمدرسة لم يخطروا الجانب الإنجليزى بنتائج الطلبة الحقيقية مما يهدد بضياع مستقبلهم.. ننتظر تدخلا سريعا يا معالى الوزير.