يمر علينا فى هذا الأسبوع ذكرى إنشاء وزارة الخارجية التى تم تأسيسها فى 15 مارس عام 1922، وهو نفسه الشهر الذى وقعت فيه جامعة الدولة العربية فى 25 مارس عام 1945، ولا بد حين نتذكر هذين التاريخين أن تتجه الأنظار إلى رائد من رواد الرعيل الأول الذى يعد بحكم سنه وطول خبرته المكتسبة على مدى نصف قرن من الممارسة الدبلوماسية عميدا للدبلوماسيين المصريين والعرب على حد سواء.
وللعلم لا بد أن نعرف جميعا أنه قد تم إنشاء الديوان العام لوزارة الخارجية على نسق وزارة الخارجية الفرنسية، ومرجع ذلك أن البدلوماسية الفرنسية كانت وقتئذ هى الدبلوماسية الزائدة دوليا كما أن اللغة الفرنسية كانت أكثر لغة استخداما فى الأوساط الدبلوماسية وبدأت الخارجية المصرية بسبع إدارات فحسب إذ اقتصر الديوان العام على مكتب الوزير وإدارة الشئون السياسية والتجارية وإدارة الشئون الإدارية وإدارة المراسم والإدارة القانونية وإدارة الشئون المالية والمستخدمين وإدارة المحفوظات ولا أدل على مدى السنين من مقارنة هذا العدد المحدود من الإدارات بالعدد الحالى لإدارة الوزارة الذى وصل إلى تسع وأربعين إدارة تعمل كخلايا النحل وتضم المئات من الموظفين.
وعندما تم إنشاء الوزارة كانت أهم قضية وطنية تواجه الدبلوماسية المصرية فى تلك الآونة هى قضية استكمال الاستقلال الوطنى وتحرير مصر من الاحتلال البريطانى والقيود المفروضة على سيادتها، وتمت مفاوضات وقتها بالفعل مع بريطانيا فى ظل تصاعد مخاطر الحرب العالمية الثانية والتى تمخضت عن توقيع معاهدة التحالف والصداقة عام 1936 وبموجبها اعترفت بريطانيا باستقلال مصر مقابل تمتعها فيها بمركز قانونى وسياسى متميز ومهدت المعاهدة إلى دخول مصر عصبة الأمم وتخليصها من الامتيازات الأجنبية إلا أنها ربطتها فى الوقت ذاته بتحالف أبدى مع بريطانيا وسمحت ببقاء قواتها فى القناة مما حدا بمصر إلى أن تطالب فيما بعد بإعادة النظر فى المعاهدة على إثر تغير الظروف التى عقدت فى ظلها، وهذا ما حاولته بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عن طريق المفاوضات المباشرة مع بريطانيا وعرض الأمر على مجلس الأمن عام 1947 واضطرت أخيرا إلى إلغاء المعاهدة من جانبها عام 1951 إثر فشل المفاوضات المباشرة وعجز مجلس الأمن عن إصدار قرار فى شكوى مصر العادلة.
وعلى إثر توقيع معاهدة 1936 وتنفيذا لأحكامها تقدمت مصر رسميا بطلب الانضمام إلى عضوية عصبة الأمم فتوجه وفد مصرى إلى جنيف برئاسة وزير الخارجية واصف بطرس غالى وعضوية عبد الحميد بدوى رئيس قضايا الحكومة والمستشار القانونى للوزارة، وتم دخول مصر إلى المنظمة العالمية عام 1937 وعيّن على الشمس أول مندوب لنا لدى العصبة، وظلت الدبلوماسية المصرية متجلية فى عملها تضيف لمصر الكثير وتساعدها على إعادة حقوقها مجددا، وربما عشنا فى الستينيات مأساة كبرى بسبب عدم الاستماع إلى الدبلوماسية، فكانت نتائج تمخض العدوان الثلاثى على مصر هو تجاهل النظام السياسى للدبلوماسية والضغوط التى مارسها الرئيس الأمريكى إيزنهاور، وربما تلعب الدبلوماسية المصرية دورا عظيما فى العلاقات المصرية- الأمريكية حتى الآن والتى بدورها تساهم فى العديد من الأمور والقرارات الهامة والمصرية، فالرئيس السادات قد فهم ووعى وأدرك أهمية أمريكا وكيف أنها حاربته مع إسرائيل فى 1973، لذلك سارع بإعادة العلاقات وتطويق ذيول الهزائم.
فدائما الدبلوماسية هى ميدان مصر لأخذ حقوقها وربما يعيدنا ذلك إلى معركتها الدبلوماسية الحالية، فنحن كلنا ثقة فى ذلك ولا نريد لأى إنسان فى الحقيقة أن يتحدث ولو بربع كلمة بعنجهية أو محاولة للاستعراض، وعلينا أن نتذكر ونؤكد أن النظرة التاريخية للقضايا والمواقف الوطنية تؤكد لنا أن الدبلوماسية المصرية قد تأصلت ونمت وتطورت من خلال تجارب مصر العديدة وكفاحها الطويل المتصل من أجل قضايا الاستقلال والتحرير والتنمية فيذكر التاريخ ما قامت به دبلوماسية مصر عبر الزمان فى سبيل استقلال مصر وإنهاء الاحتلال البريطانى وتصفية الامتيازات الأجنبية والدفاع عن وحدة وادى النيل وما قامت به الدبلوماسية من أجل تحرير سيناء من الغزو الإسرائيلى واستعادة طابا ودعم التنمية الاقتصادية الداخلية وكلها إنجازات وطنية يفخر بها كل مصرى، نعم كل مصرى يجب أن يفخر بها ويتأكد أن حصان مصر الرابح هو الدبلوماسية ووزارة الخارجية العريقة بكل رجالها الأشاوس الأبطال، الذين يعملون فى صمت دون كلل أو ملل.