الأحد 30 يونيو 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
الشورى

فى الوقت الذى يحتدم فيه الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى المسلح قد بلغ أقصى مداه خلال الأيام الماضية، كنت من جانبى معتكفة فى معتكفى، منصرفة إلى استجلاء الخلفيات التاريخية لهذا الصراع الذى اتسعت دائرته لتشمل أطرافا دولية من عدة مراجع ومصادر منها على سبيل المثال: أسفار العهد القديم والعهد الجديد المجموعان فى الكتاب المقدس، المطبوع فى حوالى 1700 صفحة، وكتاب "تاريخ سوريا" الشامل لتاريخ لبنان وفلسطين منذ العصر الحجرى لأستاذ التاريخ القديم الدكتور فيليب حتى الأستاذ فى جامعة برنستون الأمريكية فى مجلدين، وكتاب "أبو التاريخ" للعلامة الأمريكى جيمس هنرى بريستد عن مصر القديمة.  

وقد ساعدتنى  رحلة الاستطلاع هذه التى ما زلت ممعنة فيها على إدراك المسوغات الموضوعية التاريخية لهذا العنف المتبادل ما بين أحفاد العبرانيين الأولين اليهود ومن ناحية والفلسطينيين مسلمين ومسيحيين نصارى من ناحية أخرى، يضاف إليها العرب خارج حدود فلسطين والمسلمون من غير العرب فى جميع أرجاء العالم الإسلامى بخاصة فى إيران، وهى مسوغات لا ترتد إلى عام 1948 وما بعده وحسب، كما يظن البعض فى عالمنا العربى، بل هى ترتد إلى عمق فى التاريخ يتجاوز ثلاثة آلاف عام قد سلفت، بمائتى عام على الأقل، حاولت خلالها القبائل العبرانية من المرتزقة شذا الآفاق حقا الاستئثار بأراض فى منطقة الشرق الأوسط، التى سميت من قبل بالشرق الأدنى، ليست لها بقوة الاغتصاب العسكرى غير المشروعة عبر مراحل التاريخ القديم والوسيط والحديث وصولا إلى نهاية القرن العشرين بعد الميلاد، أى أن المرحلة الراهنة من الصراع المسلح حول أرض فلسطين، وفرض السيادة عليها، ليست سوى حلقة مستجدة من هذا الصراع الملحمى التاريخى القديم الذى شمل منذ نيف وثلاثة آلاف عام، مصر الفرعونية، وكلدة وآشور وبابل العراق، إلا أن لب أو جمرة هذا الصراع التاريخى القديم المستجد تشكل منذ مراحل فى التاريخ القديم من طرفين أساسيين كان بينهما العنف متبالا والتصالح منعدما وما زال.

وقد كانت مصر منذ تلك العصور طرفا عضويا فى هذا الصراع وما تزال، إلا أن ما قد يكون غائبا عن الذاكرة الجماعية العربية المعاصرة، أن دور مصر الفاعل فى قضية الصراع على أرض كنعان، اتسم فى كل مراحله بمواصفات متميزة خاصة، فرضتها مصالح مصر الوطنية، وقد اقتضت هذه المصالح مرونة هذا الدور المذهل وإلى الحد الذى لم تترد معه مصر فى محاولتها حماية مملكة يهوذا فى عهد آخر ملوكها وهو صدقيا من خطر القائد البابلى، بقوة عسكرية فرعونية قادها المقاتل المصرى "هو فرع" الذى تمكن من حماية مملكة يهوذا مدة سنة ونصف السنة أثر بعدها الانسحاب بعدما تأكد له استحالة صد جيوش نبوخذ نصر البابلى، عن أسوار أورشليم عاصمة يهوذا، وهو ما دفع "أرميا" النبى العبرانى صاحب السفر الذى يحمل اسمه من أسفار العهد القديم إلى أن يوصى شعب يهوذا وإسرائيل بعدم الاعتماد على مصر ورمى كل من يفعل ذلك بالغباء وقصر النظر، أى أن الثقة غير المتبادلة بين مصر والقبائل العبرانية قائمة بينهما منذ عهود من التاريخ القديم، رغم أن إحدى زوجات سليمان الثمانى مائة كانت إحدى بنات أحد الفراعين الذى يرجح أن مملكة سليمان كانت فى عهده ولاية أو مقاطعة خاضعة للسيادة المصرية بل ورغم أن الفرعون شيشنق كان قد زوج إحدى بناته لملك يهوذا "رحبعام" قبل أن يجتاج جيش شيشنق مملكة يهوذا ويخضعها لسيادة مر  الفرعونية بعد أن دمر مدنها، كما هو وارد فى أحد أسفار العهد القديم وهو سفر أرميا الذى يتضمن مراثيه الشهيرة. 

بل إن ما هو مثير مذهل مما هو وارد فى عدد من مصادر التاريخ القديم المدون ومنها بعض كتب جيمس هنرى بريستد وفيليب حتى وسليم حسن وغيرهم أن تكون مصر الفرعونية فى عهد رمسيس الثالث هى التى احتضنت قبائل فلسطيا الفلسطينيين فيما بعد، وساعدتهم على الاستقرار الدائم فى ساحل فينيقيا الجنوبى ما بين غزة وجنوب يافا، بعد معركة بحرية – برية على شاطئ مصر الشمالى الشرقى التى جرت بينهما عام 1191 قبل الميلاد، علما بأن الأمراء الفلسطينيين هؤلاء كانوا من قبل عونا لرمسيس الثانى وهو يحارب الحيثيين فى معركة قادس وهو اسم إمارة فينيقية تقع فى وادى  العاصى الذى كان يطلق عليه اسم "نهر أورنط".  وما أقوله لا بد أن يحس بالذاكرة الجماعية العربية والإسلامية أن تستذكره اليوم استذكارا موضوعيا، فما أشبه البارحة باليوم.

تم نسخ الرابط