محمود الشويخ يكتب : " مستعدون " شفرة "حماة النيل" من القاهرة إلى الخرطوم
- ما سر مشاركة القوات البرية والبحرية والجوية فى التدريب العسكرى بالسودان؟
- ماذا جرى فى "نسور النيل"؟.. ولماذا سافرت القوات الخاصة إلى الإمارات لمدة أسبوعين؟
- كيف ظهرت الفرقاطة "الجلالة" لأول مرة فى التدريب البحرى المصرى- الإيطالى؟
الرسالة لا تخطئها عين.. والإشارة واضحة لمن يريد أن يفهم. يقولون إن اللبيب بالإشارة يفهم.. والإشارة واضحة لا لبس فيها.. مصر ماضية فى حماية أمنها المائى، بكل الوسائل وكل الخيارات.
نعم، المفاوضات هى خيار مصر الإستراتيجى، وفى سبيل هذا تحملت عبء عقد كامل من المفاوضات الماراثونية مع إثيوبيا، عشر سنوات من الخداع والتعنت والمراوغة والهروب للأمام ومحاولة فرض الأمر الواقع والسيطرة على نهر النيل.
لكن هذه المفاوضات ليست من أجل التفاوض فى حد ذاته دون الوصول إلى نتيجة تحفظ حقنا فى مياه النيل وتراعى شواغل إثيوبيا التنموية، بل إنها طريق نحو الوصول إلى اتفاق قانونى ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا.
وماذا إذا لم تصل المفاوضات إلى النتيجة المرجوة؟
الإجابة نأخذها من حديث الرئيس السيسى: "كل الخيارات مفتوحة".
وقد كان الرئيس واضحا بما يكفى حيث أكد أن مياه مصر خط أحمر.. وأنه لن يتم السماح بأن تنقص نقطة واحدة.. محذرا من أن المساس بها يمكن أن يؤدى إلى سيناريوهات تهدد استقرار المنطقة بالكامل.
بهذه النظرة استقبلت إعلان المتحدث الرسمى للقوات المسلحة المصرية انطلاق التدريب المشترك (حماة النيل) بين مصر والسودان الذى تشارك فيه عناصر من القوات البرية والبحرية والجوية لكلا الجانبين، بهدف تأكيد مستوى الجاهزية والاستعداد للقوات المشتركة وزيادة الخبرات التدريبية للقوات المسلحة لكلا البلدين.
فالدولة هنا تمضى فى خيار التفاوض إلى نهاية الطريق، تقدم "إستراتيجية السلم" على ما دونها، لكنها فى الوقت ذاته لا تترك مقدرات الشعب عرضة لأطماع من قوى أخرى، ومن هنا فإنها تعد العدة لأى خيار تقتضيه الظروف.
بالتأكيد الحرب لا يريدها أحد، ولا يدعو إليها عاقل، ولا يحرض عليها إلا مخرب، ولا يحشد لها إلا من كان فى قلبه مرض.. لكننا نمضى هنا وفق التوجيه القرآنى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"، مقترنا بقوله تعالى "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها".
وبهذين التوجيهين عملت مصر فى الفترة الأخيرة على تعزيز قوتها العسكرية وتعاونها مع دول الجوار والأشقاء الأفارقة وبالأخص السودان، فتدريب "حماة النيل" يأتى استمراراً لسلسلة التدريبات السابقة (نسور النيل -1، ونسور النيل -2)، ففى أبريل الماضى شهد الفريق محمد فريد رئيس أركان حرب القوات المسلحة، يرافقه الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة السودانية، تنفيذ فعاليات ختام التدريب الجوى المشترك المصرى- السودانى "نسور النيل - 2"، الذى استمرت فعالياته لعدة أيام بجمهورية السودان، بمشاركة عناصر من القوات الجوية والقوات الخاصة لكلا البلدين، حيث بدأت فعاليات المرحلة الختامية بتقديم عرض تفصيلى تضمن استعراض الأنشطة والفاعليات التى تم تنفيذها فى مراحل التدريب المختلفة للوقوف على مدى جاهزية واستعداد القوات المشاركة فى التدريب لتنفيذ أى مهام توكل إليهم.
كما تضمنت المرحلة تجهيز وإقلاع عدد من الطائرات متعددة المهام والمروحيات لتنفيذ مهام الاعتراض والحماية الجوية للقوات، وكذلك تنفيذ عمليات الهجوم على أهداف العمق والدفاع عن الأهداف الحيوية، إلى جانب تنفيذ بعض المهام للقوات الخاصة لتصفية بؤرة إرهابية، وقد أظهر ختام فعاليات التدريب المستوى الراقى الذى وصلت إليه العناصر المشاركة فى التدريب، ثم قام رئيسا أركان البلدين بتكريم عدد من العناصر المتميزة أثناء التدريب.
وكان لافتا فى هذا التدريب الحضور رفيع المستوى حيث حضر ختام الفعاليات من الجانب المصرى كل من قائد القوات الجوية وقائد قوات الدفاع الجوى وقائد قوات حرس الحدود ورئيس هيئة التدريب للقوات المسلحة وقائد قوات الصاعقة وعدد من قادة القوات المسلحة، ومن الجانب السودانى قائد القوات الجوية السودانية وعدد من قادة القوات المسلحة وعدد من كبار رجال الدولة السودانيين والملحقين العسكريين المعتمدين بجمهورية السودان، هذا إلى جانب اجتماع هام عقده الفريق محمد فريد والفريق أول ركن محمد عثمان الحسين تناول عددا من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك والتحديات والتهديدات العسكرية والأمنية والتزامات وبرامج التعاون العسكرى خلال الفترة القادمة، حيث اتفق الجانبان على أهمية توظيف الخبرات المكتسبة من الأنشطة التدريبية لصالح تطوير المهام العملياتية.
ثم إن البلدين قد عقدا، فى نوفمبر الماضى، تدريبا جويا مشتركا، بقاعدة "مروى" الجوية بالسودان، تحت اسم "نسور النيل - 1" بمشاركة وحدات من القوات الجوية وعناصر من قوات الصاعقة.
وكان هذا التدريب هو الأول من نوعه بين البلدين، حيث شهد التدريب تنفيذ العديد من الأنشطة والفعاليات من بينها تخطيط وإدارة أعمال قتال مشتركة بين القوات الجوية المصرية والسودانية وقيام المقاتلات متعددة المهام من الجانبين بالتدريب على تنفيذ عدد من الطلعات الجوية الهجومية والدفاعية على الأهداف موضوع التدريب، وتدريب قوات الصاعقة على أعمال البحث والإنقاذ القتالى.
وليس بعيدا عن ذلك انطلاق فعاليات التدريب المصرى- الإماراتى المشترك (زايد 3) بدولة الإمارات العربية المتحدة، والذى يستمر على مدار أسبوعين بمشاركة وحدات من القوات الخاصة لكلا البلدين الشقيقين.
وهذا التدريب يشتمل على العديد من الأنشطة والفعاليات من بينها نقل وتبادل الخبرات التدريبية بين الجانبين، والتدريب على إدارة أعمال قتال مشترك بين العناصر المشاركة، وتضمنت مراحل الإعداد له رفع معدلات الكفاءة الفنية والقتالية للعناصر المشاركة والتأكيد على الأهداف التدريبية المطلوب تنفيذها خلال التدريب لتوحيد المفاهيم وصقل مهارات العناصر المشاركة بما يساهم فى تحقيق أعلى معدلات الكفاءة والاستعداد القتالى.
وأهمية هذا التدريب أنه يأتى في إطار تبادل الخبرات مع الدول الشقيقة والصديقة وفرض المواقف الطارئة وإيجاد أنسب الحلول أثناء إدارة العمليات المشتركة ضد القوى المعادية وتطوير العمل المشترك بين القوات المسلحة المصرية والإماراتية لمواجهة التحديات فى ظل الظروف الراهنة التى تمر بها المنطقة. وعلى نفس الخط نقرأ انطلاق فعاليات التدريب البحرى المشترك (Phoenix Express-2021) الذى تجرى فعالياته لعدة أيام بالمياه الإقليمية لدولة تونس الشقيقة بالبحر المتوسط، بمشاركة 13 دولة (مصر وتونس والولايات المتحدة وبلجيكا واليونان وإيطاليا وإسبانيا ومالطا والمملكة المتحدة والجزائر والمغرب وليبيا وموريتانيا).
ويتضمن التدريب تنفيذ العديد من الأنشطة التدريبية التى تساهم فى تحقيق التجانس بين قوات الدول المشاركة، وكذلك عقد عدد من المحاضرات النظرية والتدريبات العملية والمؤتمرات التنسيقية بغرض توحيد المفاهيم فى تعزيز الأمن البحرى وتأمين خطوط المواصلات البحرية وأسلوب تنفيذ العمليات الاعتراضية بالبحر.
ولا يتوقف الأمر على التعاون العسكرى فى المحيط العربى، فقد نفذت القوات البحرية المصرية ونظيرتها الإيطالية تدريبا بحرياً عابراً بنطاق الأسطول الشمالى بالبحر المتوسط، وذلك باشتراك الفرقاطة المصرية (الجلالة) والفرقاطة الإيطالية (ITS Carlo Margottini ) عقب انتهاء زيارتها لميناء الإسكندرية.
وتضمن التدريب العابر تنفيذ عدد من الأنشطة التدريبية المختلفة، ومنها التدريب على مواجهة العدائيات غير النمطية أثناء المغادرة من الميناء حيث نفذ الجانبان سيناريو مواجهة لنشات سريعة مفخخة مقتربة، والتدريب على أسلوب تنفيذ عملية اعتراض بحرى لسفينة مشبوهة فى ظل القيود المفروضة نتيجة تفشى فيروس كورونا، وكذا تشكيلات الإبحار المختلفة والتى أظهرت مدى قدرة الوحدات البحرية المشتركة على تنفيذ مهامها بدقة وإتقان.
ويعد هذا التدريب هو الأول من نوعه الذى يشهد مشاركة الفرقاطة المصرية (الجلالة) المجهزة بأحدث الأنظمة القتالية والتكنولوجية العالمية والتى انضمت حديثا للقوات البحرية المصرية.
أعقب ذلك تنفيذ القوات البحرية المصرية والأمريكية تدريبًا بحريًا عابرًا باشتراك الفرقاطة المصرية (طابا) ولنش الصواريخ (18 يونيو)، مع المدمرة الأمريكية (USS MAHAN ) من طراز أرليك بيرج وسفينتى المرور الأمريكيتين: ( USCGC CHARLES MOULTHROPE )، و( USCGC ROBERT GOLDMAN )، وذلك بنطاق مسرح العمليات للأسطول الجنوبى بالبحر الأحمر.
وتضمنت التدريبات تنفيذ مجموعة من الأنشطة القتالية البحرية المختلفة، منها التدريب على تنفيذ سيناريوهات لإجراءات الأمن البحرى بمسرح العمليات، وتمرين حماية سفينة تحمل شحنات هامة، وكذا تنفيذ تشكيلات إبحار مختلفة، حيث أظهرت مدى قدرة الوحدات البحرية المشتركة من الجانبين على إدارة العمليات القتالية المشتركة.
كما نفذت القوات البحرية المصرية والفرنسية تدريبا بحريا عابرا فى نطاق الأسطول الجنوبى، بالإضافة إلى تنفيذ عناصر القوات الجوية المصرية والفرنسية للتدريب المشترك "رمسيس - 2021" بإحدى القواعد الجوية المصرية، حيث نفذت القوات البحرية تدريبًا بحرياً عابراً باشتراك الفرقاطة المصرية ( سجم الفاتح ) مع المجموعة القتالية المصاحبة لحاملة الطائرات الفرنسية ( شارل ديجول ) فى نطاق مسرح العمليات للأسطول الجنوبى، وتضمن التدريب تنفيذ العديد من الأنشطة التدريبية المشتركة والتى تحقق الاستفادة القصوى لكلا الجانبين.
هل اكتفينا؟ لا، فقد نفذت القوات البحرية المصـرية والإسبانية تدريبًا بحريًا عابرًا فى نطاق الأسطول الجنوبى بالبحر الأحمر وذلك باشتراك الفرقاطة المصـرية (شرم الشيخ) مع الفرقاطة الإسبانية (ESPS Reina Sofia)، حيث تضمن التدريب العديد من الأنشطة التدريبية المختلفة، منها تدريبات تخصصية لصالح فرض المراقبة على السفن المشتبه فيها وإجراءات الأمن البحرى، وكذا تشكيلات الإبحار المختلفة والتى أظهرت مدى قدرة الوحدات البحرية المشتركة على تنفيذ مهامها بدقة وإتقان، بالإضافة إلى تنفيذ تمارين المواصلات الليلية ، بجانب تمارين تبادل هبوط الهليكوبتر على أسطح الوحدات البحرية.
ويُعد هذا التدريب هو الثانى من نوعه خلال فترةٍ زمنية وجيزة بالاشتراك مع القوات البحرية الإسبانية، التى تتمتع بخبرات عميقة فى هذه المجالات، مما يعكس أهمية تلك التدريبات المشتركة فى توطيد العلاقات الثنائية (المصرية-الإسبانية) وتعزيز آفاق التعاون العسكرى بين البلدين مما يساهم بشكلٍ فعال فى حفظ الأمن والاستقرار البحرى بالمنطقة.
لقد قصدت أن أستعرض التدريبات الأخيرة للقوات المسلحة المصرية معكم حتى نعرف جميعا أن الدولة المصرية تتصرف بحكمة واقتدار فى هذا الملف الحيوى المهم، والمطلوب الآن أن يضع الشعب المصرى كل ثقته فى قيادته الواعية الحكيمة القادرة على حفظ حقوقنا فى مياه النيل.. وأن يبقى متوحدا خلف مؤسساته الوطنية مؤمنا بأنها قادرة على الوصول لأبعد مما يتخيله أحد.. ليس بهدف الاعتداء.. بل فقط تأمين الحياة لشعب يمثل النيل بالنسبة له شريان الحياة.