الجمعة 22 نوفمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
الشورى

عمل التطور العلمى على تطوير وسائل الاتصال والتواصل بين الناس، وظهرت العديد من الأجهزة الحديثة، والتى جعلت العالم أشبه بقرية صغيرة، وتمكنت هذه التكنولوجيا من تقريب البعيد، وجعلت من المستحيل ممكنًا بل وسهلًا، وأصبحت طرق التواصل بين الناس أسرع، وأسهل وأكثر متعة، وتمكنت من إلغاء المسافات الواصلة بين الأشخاص، وأتاحت فرصة التواصل بالصوت والصورة رغم المسافات، وتمكن الإنسان من الدوران حول العالم، واكتشاف الحاضر والماضى، وزيارة العديد من الأماكن والتعرّف عليها بكبسة زر لا أكثر، بل وبالبطبع نسينا وتناسينا ذاك الزمن العيد القريب زمن الخطابات والتلغرافات، والانتظار بالساعات داخل السنترال لساعات وربما يمتد لأيام من أجل مكالمة مغترب وسماع صوته والاطمئنان عليه، وربما كان انتظار خطاب أو شريط مسجل من أب أو ابن بمثابة الحلم الذى ننتظر تحقيقه كل عدة شهور بقدوم مغترب آخر يحمل لنا معه هذه الهدية التى لا مثيل لها، كانت أيام فيها صعوبة فى التواصل وربما لم يتوقع الإنسان وقتها ما نحن فيه الآن وكيف كان يشقى من أجل مجرد كلمة من أحبابه والآن أصبح الموضوع ربما أقل من أن تقوم من سريرك.

ولعل الاستفادة من التطور العلمى فى ثورة الاتصالات بالفعل أحدث ثورة وتسارعا فى تنمية العلاقات ما بين السلب والإيجاب فتجد ما كان يحدث فى شهور وربما سنوات أصبح لا يستغرق أياما وربما ساعات فتسارع الاتصالات أدى لتسارع العلاقات الإنسانية والعلاقات التجارية وكل نواحى الحياة التى تعتمد على الاتصالات، وأفاد التقدم التكنولوجى بنى البشر بوجه عام وأصبح لا وجود لمصطلح يصعب الوصول للشخص فى أى حال طالما يمتلك أجهزة اتصالات، ولكن ومع كل هذا التطور المحمود هل تم استخدام هذا التطور فيما يفيد فقط أم حاول شياطين الإنس دائمًا العبث وتحولت النعمة إلى نقمة ما بين لصوص المتع ومحولى النعم إلى نقم، والذين نجدهم فى كل الأوقات وكل العصور ولكنهم فى هذا العصر تفننوا فى تثقيف أنفسهم وشياطينهم فى كيف تحول نعمة سهولة الاتصالات إلى نقمة، ونحن اليوم لسنا بصدد الحديث عن مخترقى المواقع وسارقى أموال الأشخاص والمؤسسات والنصابين باسم شركات المحمول والإنترنت، فهؤلاء أصبحوا عتاة الإجرام وتتبعهم والإيقاع بهم وعقابهم هو مسؤولية الدول بقليل من الوعى للمواطن البسيط الذى يجب عليه عدم الانصياع لأى شخص لا يعرفه لا لمساعدته فى الحصول على هدية ولا أموال ولا تحويلات بدون أى أسباب أو مُعطيات مُسبقة وليطبق المثل الشعبى الشهير (الحداية ما بتحدفش كتاكيت)، ولكن كل ما أرجوه من الدولة أن تهتم بمثل هذه البلاغات حول نصابى المكافآت الوهمية وتشجيع الناس على الإبلاغ عنهم وتوعيتهم والاهتمام ببلاغاتهم حول مثل هذه الوقائع.

مقالى اليوم عن شرف المجالس وأماناتها وعن حفظ الكلمة وعدم نقلها والتفنن فى إثباتها على قائلها باستخدام أحدث البرامج، بل والمنافسة على قطع العلاقات والأرحام والأرزاق بتوفير تسجيلات تسيء من طرف لآخر لا لشيء إلا قطع علاقة إنسانية أيًا كان نوعها، فى نموذج تقديم شيء يرفضه الدين والمجتمع وتجرمه المجتمعات بل والقانون، فتجد أحدهم يجالسك ويكلمك وإذ به يصورك خفية أو يسجل حديثك دون علمك ولا إذنك وهو يعلم أن ذلك من خيانة المجالس، ولكن كل ما يريده هو إثبات خطأ عليك والإيقاع بينك وبين آخر متناسيًا قول النبى محمد " إذا حدَّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة  "، وأنه بذلك يُضيع الأمانة، فبكل أسف تجد من يحدث معك هاتفيًا وتجده وقد سجل مكالمتك دون إذن منك، ليوصل كلامك فى حق آخرين -رغم خطأك- وهو يعلم أن ذلك من خيانة المجالس، وحاله لا يختلف كثيرًا عمن ترسل له رسائل على البرامج الكتابية أو الصوتية، وما أكثرها، فيقوم بسوء نية بتصوير شاشات المحادثات ويرسلها لأشخاص آخرين للوقيعة أو يتداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعى للإساءة لك، متناسيًا أن ذلك خيانة لأمانة المجالس، وآخرين ممن تفننوا فى الحديث معك مستخدمين مكبر الصوت (الإسبيكر)، دون علمك حتى يُسمع من بجواره كلامك وقد يكون فيه أسرار وخصوصيات أو يكون ذلك للوقيعة بينك وبين بعض الأشخاص فيكون بمثابة السعى بالنميمة والتفريط بأمن الجليس وخيانة لأمانة المجالس، نعم خيانة للمجالس والشخص الذى يعتاد الخيانة لا يؤتمن على أى وكل شيء وإن كانت خيانته عن جهل منه فهذا تقصير منا جميعًا.

ولذلك أكتب اليوم لأقول له اترك هذا العمل فورًا حتى لا تكن من الخائنين للأمانات، وإن كان بعلم فهى مصيبة وذنب كبير يستحق الندم والتوبة فورًا قبل فوات الأوان، فالتقدم والتكنولوجيا لم يرزقنا الله بهما أبدًا إلا لاختبارنا كيف سنصون هذه الأمانة، إن من أخص حقوق صاحبك أن تحفظ أسراره، وأسراره هى التى بثها إليك، فإن قال لك رأيًا له فى فلان أو تكلمتم فى مسألة له رأى فيها بثَّه إليك لأنك من خاصته ولأنك من أصحابه، ربما يخطئ وربما يصيب، فإذا كنت أخًا صادقًا وصديقًا مخلصًا له، فإنما بث إليك ذلك لتحفظه لا لأن تشيعه، لأن مقتضى الأخوة الخالصة أن يكون ما بين الأحباب سر. لابد من إخضاع كل نواحى الحياة التى نعيشها للوازع الدينى الذى بداخلنا لضمائرنا الدينية والأخلاقية والمجتمعية، فجميعًا مطالبون بمراجعة أنفسنا ووضع الأمور فى نصابها الصحيح والحذر أمام أولادنا وأن نتوب ونُقلع عن هذه العادة فورًا إن كنا ممن يفتحون مكبر الصوت أو ما شابه أمام الجميع ونسارع مع بداية المكالمة بإخبار الطرف الآخر المكبر مفتوح مع ذكر من يشاركنا الاستماع حتى لا نقع ضمن خائنى المجالس، ولنا فى حديث النبى ووصاياه الأسوة والمثل والطريق لحفظ الأمانات فقد أوصى قائلًا " لا تُؤذُوا المسلمينَ ولا تُعيّروهُم ولا تَتّبعوا عوراتهِم ، فإنه من يتبِعْ عورةَ أخيهِ المسلمِ تتبعَ اللهُ عورتَهُ ، ومن يتبعِ اللهُ عورتهُ يفضحْه ولو في جوفِ رحلهِ"، ومن حفظ وصون الأمانة أن لا تُسجل مكالمة إنسان تعلم من حاله أنه يكره ذلك ولم يأذن لك بالتسجيل، ولا سيما إذا كان فيها إلحاق ضرر بأحد أو هتك ستره فهذه خيانة أمانة وسعى للخراب والدمار والفرقة بين الناس، فنعلم ونتعلم ونُذكر أن للمجالس قُدسيتها بين الناس، فقد قال الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال 27]. وخيانة المجالس بالطرق الحديثة ما هو إلا وباء اجتماعى فتاك يجب القضاء عليه فورًا، وجريمة خلقية خطيرة، تهدد أمن المجتمع وسلامته، وتبعث على الشك والارتياب، وتحيل حياة الناس إلى أبشع صورة ؛ وتقضى على روابط الألفة بينهم، ولا يقترف هذه الجريمة النكراء إلا أصحاب القلوب المريضة والنفوس الضعيفة، الذين يتتبعون عورات الناس بقصد إيقاع الأذى بهم، وإمساك الزلات عليهم، وإذلالهم بها والإيقاع بينهم وبين من يحبون لمجرد زلة لسان ربما فى ساعة غضب، ولن يفلت هؤلاء من عقاب الله لأنهم أضاعوا أمانة المجالس، فـ إياكم وخيانة المجالس.

تم نسخ الرابط