◄غياب الفيلم المصرى عن المهرجانات العالمية تجسيد حقيقى للأزمة
◄الاتجاه نحو الدراما التليفزيونية وراء ظاهرة اختفاء نجوم الصف الأول من السينما
◄الأفلام السينمائية ضعيفة المستوى ولا تحقق أية أرباح وتكبد منتجيها خسائر فادحة
◄إنتاج 10 أفلام فى العام الواحد بعد أن كانت دور العرض تستقبل أكثر من 50 فيلما سنويا
◄نتائج موسم أفلام عيد الفطر تنذر بكارثة سينمائية من ناحية الايرادات
الحديث عن صناعة السينما وما وصل اليه حال هذه الصناعة الآن من تدهور شديد أشبه بالسير وسط حقول الغام ، فهذا الموضوع وإن كان يبدو بسيطاً إلا أنه يبعث فى النفس الشعور بالحزن والشجن بسبب هذا الحال الذى لم يعد يسر أحداً، فصناعة السينما المصرية التى كانت ملء السمع والأبصار تحولت الى مجرد ذكريات جميلة عالقة فى أذهان الجيل الذى عاش العصر الذهبى للسينما المصرية خاصة حينما كانت أفلامنا السينمائية متواجدة وبقوة فى المهرجانات العالمية بل أنها فى كثير من الأوقات نافست على الجوائز الكبرى فى اهم المهرجانات السينمائية.
وهنا أتساءل: ما الذى حدث وجعلنا نصل الى هذا الحال وهل هناك أياد خفية وراء تدهور هذه الصناعة التى تؤكد كافة الشواهد على أنها كانت خلال فترة الثلاثينيات تمثل ثانى مصدر للدخل القومى بعد تجارة القطن؟.. أنا بطبيعة تكوينى الشخصى ضد السير وراء نظرية المؤامرة لذا فإننى استبعد تماماً فكرة وجود مؤامرة على صناعة السينما المصرية ولكن فى نفس الوقت انا على يقين تام من اننا لم نصل الى هذا التدهور بلا سبب وبلا مبرر وهو ما يؤكد وجود تقصير من جانب المنتجين ومن جانب القائمين على هذه الصناعة فلم يكن هذا التدهور بسبب عدم وجود كتابات راقية فنحن نمتلك الكثير من المبدعين الذين يكتبون أعمالاً قوية وراقية ليس هذا وحسب بل أننا نمتلك أيضا قوة ضاربة من الممثلين فمصر كانت وما تزال تمثل نهر الابداع المتدفق دائماً والذى لا يتوقف عن العطاء فى كافة فنون ومجالات الابداع.
ولكن المؤسف حقاً أنه خلال الفترة الأخيرة تحول النجوم الكبار الى مجال الدراما وهو ما لمسناه فى الكثير من المسلسلات التليفزيونية التى على الرغم من نجاحها إلا أن ذلك كان سبباً كبيراً فى تدهور الانتاج السينمائى فبعد ان كانت دور العرض السينمائى تستقبل فى العام اكثر من ٥٠ فيلماً اصبحنا طوال العام لا نجد اكثر من ١٠ أفلام سينمائية وحتى هذا العدد القليل نجده ضعيف ودون المستوى ولا يحقق ايرادات عالية، وخير دليل على ذلك أننا خلال موسم افلام عيد الفطر المبارك كانت الايرادات قليلة جدا بل أن بعض الافلام لم تحقق أى اقبال مما جعل ادارة دور العرض السينمائى ترفع الفيام من العرض وذلك لوقف نزيف الخسائر اليومية.
وهناك مسألة أخرى فى هذا الجانب تتمثل فى أن قلة الانتاج السينمائى تتسبب أيضاً فى قطع ارزاق العاملين فى صناعة السينما من عمال وفنيين خاصة إذا كان هذا المجال يمثل المصدر الرئيسى لدخلهم.. كما أن مشكلة نقص الانتاج السينمائى وبكل تأكيد انعكست بشكل كبير على اختفاء الفيلم المصرى من المهرجانات السينمائية الدولية وبالتالى غياب صناعة السينما المصرية عن المشاركة فى المهرجانات والتواجد عالميا كما كانت من قبل.. وهو ما ترتب عنه أن قوتنا الناعمة اصبحت عديمة الجدوى وضعيفة التأثير على عكس ما كانت عليه من قبل من حيث قوة التأثير فى المجتمع سواء فى الداخل أو فى الخارج.
وهنا يبرز التساؤل المهم وهو هل ظهور فيروس كورونا له دور فى هذه الازمة؟، وحتى أكون منصفاً فلابد من الاعتراف بأن فيروس كورونا قد قلب الحياة بالكامل رأساً على عقب وبالطبع صناعة السينما تمثل جزء مهم من هذه الحياة التى اصيبت بشلل تام فى كثير من الأحيان.. خاصة أثناء فترة الاغلاق لدور العرض السينمائى وهو ما انعكس بشكل سلبى على حجم الانتاج السينمائى لأنه حتى لو تم انتاج فيلم سينمائى فأين يمكن عرضه للمشاهده وكيف يمكن تعويض ما تم انفاقه على الانتاج، وطالما لاتوجد دور عرض سينمائى مفتوحه تستوعب ما يتم انتاجه وعرضه بداخله فإن هذا الانتاج يكون بلا جدوى.
لذا فإنه يمكننى القول أننا بالفعل أمام أزمة حقيقية فى صناعة السينما، أزمة تشعبت وتعددت أسبابها ولكن يبقى الأمل بأنه يمكننا فيما بعد إعادة إحياء هذه الصناعة ووضعها فى المكانة التى تستحقها باعتبارها أحد أهم وأبرز مكونات القوة المصرية الناعمة التى كانت تمثل مصدر فخر واعتزاز للجميع فقد عرفت مصر السينما فى عام 1896م مما حعلها أكبر منتج سينمائى عربى بمنطقة الشرق الاوسط ، فعلى وجه الخصوص بدأ تاريخ صناعة السينما المصرية فى إنتاج الأفلام بعد أشهر قليلة من عرض فيلم الإخوة لوميير فى أوروبا عام 1896م وتم نقل الفيلم لمصر وتم عرضه بالإسكندرية ، وفى عام 1908م كان هناك 11 دار سينما، ولأهمية مصر بصناعة السينما افتتح المستثمرون الإيطاليون شركة أفلام STICA فى الإسكندرية عام 1917م جاء الإخوة اللبنانيون من الأرجنتين بكاميراتهم وبدأوا فى تصوير أفلام على الطراز الغربى فى الصحراء المصرية وكان فيلم ليلى عام 1927م باكورة الانتاج المصرى على يد الممثلة عزيزة أمير وهو أول فيلم مصرى وأول فيلم يتم إنتاجه من قبل سيدة مصرية وذلك بداية السينما الوطنية فى مصر، وتم تصوير نار القاهرة بالقرب من سينما ريفولى عام 1952م والفيلم الرومانسى ميلودرامى بعام 1954م بعنوان أربع فتيات وضابط وكانت ذروةالإنتاج بالأفلام المصرية بين عام 1927م لعام 1930م حيث تم إنتاج فيلمين كاملين وتم عمل خمسة أفلام عام 1931 وستة أفلام عامي1933م و1934م وفى عام 1935م تم تأسيس استوديو مصر وتبعه ستة استوديوهات أخرى بين عامي 1936م و1948م وكانت مصر أقوى دولة عربية وشرق أوسطية من حيث انتاج الأفلام.
لقد تجاوزت صناعة السينما المصرية في تأثيرها حدود الدول من خلال تصدير إنتاجها عبر الدول العربية وإلى البلاد البعيدة مثل فنزويلا وهونج كونج والدنمارك وتركيا وإندونيسيا، كانت رؤوس الأموال جاهزة خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها مباشرة حين بحث المستثمرون عن عائد سريع لأموالهم من خلال التوسع في الإنتاج، كانت تلك الفترة العصر الذهبي للصناعة حيث أصبح التردد على دور السينما أكثر وسيلة ترفيه شعبية وأصبحت تشكل جزءاً حيوياً في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
وكان الاعتراف من الدولة المصرية بالسينما كصناعة أمراً واقعاً، حيث تم إنشاء غرفة صناعة السينما عام 1947 وضمها لاتحاد الصناعات المصرية، إلا أن الهيئات الرسمية -خلال النصف الأول من القرن العشرين- لم تُظهر اهتماماً كبيراً بصناعة الفيلم، سواء كقطاع اقتصادي أو منتج ثقافي، كانت الاهتمامات فقط تُركز على الحفاظ على النظام العام والآداب العامة في المجتمع ثم تطورت صناعة السينما عاماً بعد الاخر ولكنها للاسف الشديد لم تعد كما كانت من قبل الى أن أصبحت على هذا النحو من التدهور الذى نراه الآن.