ظاهرة معاكسات الفتيات والتى يسميها البعض وفقا لمفردات العصر الحديث "التحرش"، ظاهرة كريهة تتزايد كل يوم وتأخذ أشكالا متعددة، الأمر الذى يدعونا لوقفة نفتح خلالها هذا الملف السلبى ونقلب فى أوراقه وتداعياته دون محاولة لإلقاء الاتهامات جزافا أو تقديم المبررات دون تأنٍ أو دراسة.
إن هذه الظاهرة لن يعالجها مقال هنا أو هناك، ولن تكفى كلمات الاستنكار والشجب والاستياء فى التصدى لها، لكنى أطالب الخبراء والمتخصصين فى مختلف مجالات علم الاجتماع والنفس والجريمة ورجال القانون والشرطة أن تتضافر جهودهم جميعا للوقوف على الأسباب والدوافع واكتشاف العلاج للتعامل معها وقد تابعت باهتمام الكثير من التعليقات حول هذه القضية والتى يرجعها البعض إلى ارتفاع نسبة البطالة التى تدفع الشباب إلى الشوارع والنواصى لمعاكسة البنات والتحرش بهن، والبعض الآخر يرجع المشكلة إلى ضعف الخطاب الدينى الذى تجمد عند لغة أصبحت لا تساير الزمن ولا تتفاعل مع قضاياه، فى الوقت الذى يتهم فيه فريق ثالث الإعلام والأفلام والدراما بأنها تلجأ إلى أساليب رخيصة لاجتذاب شباب المشاهدين، حتى لو جاء ذلك على حساب المشاهد العارية واللقطات المثيرة التى تلهب الغرائز وتؤجج الشهوات ولعلنا نتابع يوميا مطربى "الشاكوش" و"الحمو بيكا" وغيرها من الأشكال التى تقول إنها تغنى دون أدنى خجل، وأغلب أغانيهم تحرض الشباب على التحرش، وقد أشارت دراسة استقصائية إلى أن الشباب العربى يرى أن هذه الأغانى الشعبية وراء انتشار الألفاظ وعمليات التحرش الجنسى فى الشوارع، فهذه الأغانى تسبب اختناقا نفسيا للشباب لأنه يثار جنسيا ولا يجد مخرجا إلا فى عمليات التحرش. هذه هى بعض الحجج والمبررات التى قيلت حتى الآن تفسيرا لهذه الظاهرة، وبالطبع فإن هناك أسبابا أخرى لم تقل وهو ما نطالب به العلماء والخبراء والمتخصصين، ابدأوا أيها السادة فى رحلة العلاج قبل أن يصبح مستحيلا، افتحوا هذا الملف حتى لو كان ساخنا وحساسا.
إننا أمام مشكلة اجتماعية خطيرة، فلم تعد الأسر تأمن على بناتها من وجود هؤلاء المارقين وأعتقد أن يد الشرطة وحدها لا يمكن أن تصفق، فالإعلام عليه دور كبير فى هذه القضية والقضاء عليه دور تغليظ العقوبة ومجلس النواب لسن التشريعات المناسبة، وقد كان المجلس حاسما فى القرار الأخير الذى اتخذه بالموافقة على تحويل قضية التحرش من جنحة إلى جناية. وبجانب كل ذلك، لا بد من التلقين المستمر للشباب بقيم الأديان وتعاليمها، ثم يبقى دور الدولة وأقصد بالتحديد المسئولين عن الشباب وسؤال مرير حول اختفاء الساحات الشعبية التى كانت منفذا للشباب وكذلك قصور الثقافة التى غابت هى الأخرى ولا بد أن نتذكر قبل أن نلقى بالاتهامات على الشباب الحكمة القائلة: "إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع".
لكن يبقى السؤال، كيف وصل هذا الفكر وهذا السلوك وهذا الشعور إلى البسطاء الذين يستمعون ليل نهار لخطباء الزوايا والمساجد فى الشوارع والقرى على منابر الفقهاء؟ إن فى الغرب معظم النساء يرتدين ملابس كاشفة ومع هذا لا يوجد تحرش إلا فى مجال العمل وذلك ليس بناء على الملابس ولكن لظن الرجل أن قدرته هى استغلال المرأة ووضعها تحت إمرته فى أى مكان سواء البيت أو الشارع. إن الشارع المصرى يئن ويتوجع لإهانة المرأة فقد أصبحت الشتائم واللعان والكلمات الخادشة للحياء نوعا من التباهى بالرجولة والقوة وعدم الاكتراث بأى شيء وأيضا مظاهرة الإباحية فى الملابس والشيشة وبنات الليل والدعارة المعلنة للناسء والشواذ من الشباب صارت أيضا جزءا من الصورة القبيحة فى الشارع المصرى.
إن الحل من وجهة نظرى فى القانون، فهو جزاء وعقاب وثواب وردع وأمان لكن القانون الأخلاقى بشكل محدد الذى منبعه داخل الإنسان هو الذى يضمن الأمن والأمان الداخلى وينمى شعور الانتماء لتراب وطن كان يوما قبلة الرباء ومسكن الأحياء وأمانا لكل عابر سبيل.