محمد فودة يكتب: "مش أنا".. تحفة فنية وسينما راقية.. تامر حسنى يقدم فيلم مختلف يدعو فيه للتفاؤل ويقاوم الإحباط
◄حقق إيرادات قياسية فى مصر والدول والعربية.. وتخطت أرباحه حاجز الـ40 مليون جنيه فى 3 أيام فقط
◄أنعش دور العرض السينمائية بعد فترة ركود طويلة بسبب جائحة كورونا.. ومنح صناعة السينما "قبلة حياة" جديدة
◄ سوسن بدر وماجد كدوانى وحلا شيحا شاركوا فى مباراة من الأداء الراقى
◄التناغم بين الموسيقى التصويرية والديكور والإخراج أعطى للفيلم قيمة مضافة
◄ بساطة الفكرة وروعة الحوار ودقة السيناريو هى "الخلطة السرية" وراء النجاح الكبير للعمل
بينما كنت فى طريقى إلى دار العرض السينمائى بأحد المولات الكبرى وأثناء الإستعداد لمشاهدة فيلم "مش أنا" للنجم تامر حسنى، تبادر إلى ذهنى أننى سوف أشاهد فيلمًا رومانسيا او كوميديا كعادة أفلام تامر التى تحقق عنصرى الجذب والاستمتاع معا، ولكن ما أن بدأ عرض الفيلم ومنذ اللحظة الأولى أيقنت بأننى أمام فيلم سينمائى "مختلف" بل وجديد أيضًا على تلك النوعية من الأفلام التى قدمها تامر حسنى من قبل.
وحينما أقول "فيلم جديد" فهذا لا يعنى أنه قدم من قبل أفلامًا دون المستوى وإنما أقصد بهذا "الاختلاف" أننا أمام فيلم مختلف فى الهدف ومختلف فى التوجه، فالغالبية العظمى من الأفلام التى قدمها تامر من قبل كانت تحمل بداخلها نوع من المتعة فى المشاهدة وخاصة المواقف الكوميدية وإدخال السرور على قلب المشاهد بينما نحن الآن أمام فيلم يحمل هدف نبيل ويحث الشباب بشكل واضح وصريح على الطموح وتوجيههم بكل قوة نحو السعى الدءوب من أجل تحقيق ما يحلم به كل منهم حتى يشعر بقيمته فى الحياة وبالتالى يستطيع أن يقهر ويهزم الإحباط الذى ربما يكون قد تمكله فى لحظة ضعف إنسانى أو نتيجة ضغوط الحياة أو قسوة الظروفه المعيشية الصعبة التى لا ترحم أبناء الطبقة الفقيرة.
لقد لاحظت فى الفيلم أن تامر حسنى استطاع من خلال الملابس إقناع المشاهدين بأنه بالفعل شاب فقير ومحبط ويعيش حياة قاسية تفوق قوة أى شاب فى سنه على الاحتمال وهو ما ظهر وبشكل لافت للنظر فى ارتدائه للبيجاما المصنوعة من القماش "الكستور" وهى بيجاما قديمة لا توجد إلا بين أبناء الطبقات الفقيرة فهى تعكس حالة من الفقر الشديد فضلًا عن ذلك فإن الشقة التى يسكن فيها هو ووالدته علاوة على أنها مجرد شقة بسيطة ومتواضعة للغاية إلا أن كثرة "الكركبة" التى اتسمت بها هذه الشقة تؤكد بالفعل حالة الفقر التى يعيشها لذا فقد استوقفنى كثيرًا مشهد تامر حسنى وهو يستمع إلى الطبيب بأن والدته قد تدهورت حالتها الصحية بشكل لافت للنظر وتحتاج إلى علاج شهرى بمبلغ ١٢٠٠ جنيه فى الأسبوع.
وهنا أظهر تامر حسنى براعة فائقة فى الأداء من خلال تعبيرات وجهه وهو يتقبل الأمر بصدر رحب بينما هو فى حقيقة الامر فى حالة غليان لأنه لم يكن قادرًا من قبل على تدبير مبلغ العلاج الشهرى الذى كانت تحتاجه قبل تدهور حالتها الصحية فمن أين يأتى بقيمة هذا العلاج "الأسبوعى"، ومن يشاهد تعبيرات وجهه يلمس بوضوح مدى حبه لوالدته ومدى إحساسه بالعجر والضعف فى نفس الوقت، مما يدفع المشاهد للتعاطف الشديد معه حينما يضطر إلى بيع لوحاته الفنية المتناثرة فى كل ركن داخل الشقة بأى ثمن وبأى وسيله ولكنه وبسبب سوء الطالع الذى يلازمه فى حياته فإنه لم ينجح فى بيع تلك اللوحات فيلجأ الى الإقتراض من معارفه ولكن لا أحد يمنحه أى شئ باستثناء صديق عمره الذى لم يكن يمتلك سوى "400" جنيه، وهذا الصديق الذى يجسد شخصيته الفنان المتميز ماجد الكدوانى يعطيه كل هذا المبلغ الذى يمتلكه، فيضطر حسن الذى يجسد شخصيته تامر حسنى لبيع تليفونه المحمول وعلى الرغم من ذلك فإن المبلغ مازال غير كاف لتدبير ثمن العلاج لمدة أسبوع واحد فلا يجد أمامه سوى القيام ببيع "الجاكيب الجلد" الذى يرتديه وربما لا يكون لديه غيره فهو مجرد فنان تشكيلى "عاطل" وغير قادر حتى على بيع لوحاته أو القيام بعرضها فى معرض تشكيلى كما يفعل أى فنان تشكيلى.
تامر حسنى وهو يجسد على الشاشة شخصية هذا الفنان الشاب الفقير الذى تحاصره الهموم والمشاكل من كافة الاتجاهات استطاع أن يقنعنى كمشاهد أنه بالفعل فنان فقير وقليل الحيلة وهنا تكمن قدرته على الإقناع وموهبته الفنية الكبيرة التى جعلته نجمًا فوق العادة وكأنه برع فى رسم ملامح الشخصية ككاتب وأبدع فى تجسيدها كممثل.
وأعتقد أن هذه المقدمة التى بدأ بها الفيلم من حالة فقر وبؤس شديد يعيشه تامر حسنى وفوق كل هذا وذاك تدهور الحالة الصحية لوالدته التى أربكت حياته وأضافت عليه عبئًا ثقيلًا يفوق قدرته على التحمل هى التى جعلت المشاهد يتقبل المفاجأة التى حدثت فى شخصية حسن الذى استيقظ ذات صباح ليجد أن "يده اليسرى" تتحرك من تلقاء نفسها وتفعل أشياء لا علاقة له بها بل أنه فى كثير من الأحيان يفقد السيطرة عليها وخاصة حينما تصدر عنها تصرفات حمقاء تجاه الأخرين.
فى بداية الأمر لم يكن يدرك خطورة ما يحدث من يده ولكنه أدرك فيما بعد أنه بالفعل مصاب بمرض نادر جدًا وغير قادر على التحكم فى يده اليسرى والمضحك فى الأمر ـن هذا التحول فى سلوك يده اليسرى حدث له فى نفس اليوم الذى كان من المقرر ـن يبدأ فيه عمل جديد ليحصل من خلاله على المال الذى يجعله قادرًا على علاج والدته، وبالفعل يذهب إلى هذا العمل وهو عامل "توصيل" طلبات الطعام إلى المنازل ولم يمر سوى ساعات قليلة ويكون مفصولًا من هذه الوظيفة التى انتهت قبل أن تبدأ وذلك بسبب قيام يده بتصرفات حمقاء تسبب فى فصله من الوظيفة ولأنه محظوظ وجد صديقه الذى يتعامل معه وكأنه شقيقه والذى جسد شخصيتة الفنان القدير ماجد الكدوانى يتوسط له فى وظيفة أخرى وهى "جرسون" فى كافيه وكما حدث مع الوظيفة الأول حدث بالضبط فى الوظيفة الثانية فقد تسببت يده اليسرى فى العديد من التصرفات الطائشة والتى كانت نتيجتها الطبيعية هى فقده للوظيفة على الفور.
ولم ييأس صديقه ويتوسط له للمرة الثالثة فى وظيفة عامل أسانسير بأحد الفنادق الكبرى وكأنه على موعد مع التعاسة أيضًا فأثناء وقوفه داخل الأسانسير تدخل فتاة جميلة وتقف فى الأسانسير ويدخل خلفها مدير الفندق الذى يتحرش بها ويمد يده ويضعها خلف ظهرها وهنا تنهره الفتاة وقبل أن ينتهى الأمر تتحرك يد تامر حسنى ودون أن يتمكن من السيطرة عليها تقوم بضرب المدير بكل قوة فتكون النتيجة هى فقده للوظيفة وطرده من الفندق شر طردة وأثناء الإلقاء به خارج الفندق تكون الفتاة فى انتظاره وهى الفتاة "جميلة" التى جسدت شخصيتها الفنانة حلا شيحا لتعتذر له لشعورها بالندم لأنها كانت سببًا فى فقده لوظيفته بسبب شهامته ورجولته وتتوالى الأحداث لنكون أمام علاقة ثلاثية بين تامر حسنى الفنان الفقير الذى أصبحت يده هى سبب الشقاء له فى كل مرة يذهب فيها الى أداء عمل جديد .
أول شخصية محورية فى الفيلم هى النجمة سوسن بدر، التى أبدعت فى تجسيد شخصية الأم التى تحب ابنها ويبادلها إبنها نفس الشعور فى حالة إنسانية شديدة الروعة، أما الشخصية الثانية فهو صديق عمره الذى جسد شخصيته ماجد الكدوانى حيث كنا أمام شخصية مفعمة بالحب والإخلاص لصديق عمره بينما الشخصية المحورية الثالثة فهى حلا شيحا الفنانة الموهوبة التى تقف إلى جوار حسن فى محنة المرض وتظل تدعمه حتى يتخلص من هذا المرض النادر الذى تسبب فى عدم سيطرته على يده اليسرى. وفى تقديرى الشخصى فإن هناك عناصر كثيرة ساهمت فى ظهور الفيلم على هذا النحو من الروعة وهى القصة التى كتبها تامر حسنى بنفسه والموسيقى التصويرية التى تم اختيارها بإقتدار وببراعة وأيضًا التصوير الرائع واختيار الكادرات شديدة الروعة للكثير من المشاهد وخاصة مشاهد التصوير الخارجى التى جاءت وكأنها لوحات فنية بديعة تم انتقاءها بعنايه فى المشاهد التى يجلس فيها على النيل وهو يمارس موهبته فى الرسم فالمشهد بالكامل لوحة فى غاية الجمال والروعة.
ونجح تامر حسنى فى تحقيق ايرادات وأرقام قياسية فى دور العرض المصرية والعربية حيث حقق الفيلم أكثر من 40 مليون جنيه إيرادات فى 3 أيام فقط، ولازال يحقق أرقاما تاريخية.
ولم تتوقف عناصر نجاح الفيلم عند هذا الحد بل أن هناك مسألة فى غاية الأهمية أيضا تكمن وراء هذا النجاح والاختلاف فى الفيلم وهى الرسالة والهدف النبيل الذى أراد تامر حسنى تقديمه للمتفرج وهو ضرورة إطلاق العنان للطموح والحلم بمستقبل أفضل.
اليوم وبكل المقايس والأرقام السينمائية نستطيع القول أن تامر حسنى تفوق على كل من سبقوه، وإحقاقا للحق فنحن أمام موهبة تاريخية قد تكون هى الأولى من نوعها فتامر حسنى يغني ويمثل ويكتب أفلامه وأغانيه ويلحنها وينتج ويخرج، والأهم أنه صعد بجميع المواهب وحقق بهم منذ 15 عاما حتى اليوم أعلى إيرادات فى السينما المصرية والعربية وقدم تامر أنواع أفلام لم يقدر على تقديمها أى مطرب سبقه، فرأينا تامر حسنى يتنوع ويبتكر كل ما هو جديد، حتى فى الدراما تربع على عرشها وقدم مسلسل "آدم" وحقق نسب مشاهدة تاريخية، وحاليا يبدع فى فيلم "مش أنا" وهذا النوع الدرامى لا يفعله سوا ممثل قدير من الدرجه الأولى وفيلم "مش أنا" تحديداً لم يجرؤ على تقديمه أي ممثل مصري بسبب صعوبة الإستخدام العضلي والعصبي والتمثيلي في وقت واحد للفنان تامر حسني الذي أبدع بدرجة فوق الممتاز، حقاً هو دور يستحق جائزة اوسكار كما أكد كل من شاهده من الجمهور وطالب به جماهير السوشيال ميديا وهذا إن دل فيدل على أن مصر ولّادة وكل زمن و له قائده، مرحباً بزمن تامر حسني النجم المصري الشامل الخلوق المتواضع، ونتمنى أن يستمر بهذه القوة، تامر حسني وبكل فخر صناعة مصرية.
خلاصة القول أننا أمام فيلم استثنائى لفنان استثنائى معجون بماء الموهبة وهو تامر حسنى الذى يؤلف ويلحن ويمثل ويغنى فاستحق أن يحمل لقب الفنان الاستثنائى.