◄الدولة تتجه نحو تعميق التصنيع المحلى للأدوية بالتوسع فى إنشاء وتطوير المراكز البحثية الطبية
◄"مدينة الدواء" تعكس إرادة مصر فى التواجد على خريطة التصنيع الدوائى العالمى
◄إجراءات غير تقليدية لترخيص الأدوية والمستحضرات الطبية من أجل مجابهة "كورونا"
ظل الاتجاه نحو توطين صناعة الدواء فى مصر وحتى وقت قريب مجرد حلم بعيد المنال، فمثل هذه الصناعات تتطلب توافر عناصر شديدة التعقيد، ولكن ما تم الإفصاح عنه مؤخراً من أن هناك اتجاها قويا لدى الحكومة يتمثل فى توطين صناعة الدواء وهو ما تتضمنه خطة الحكومة المصرية فى مجال التنمية الصحية الشاملة عام 2021/2022 التى وافق عليها مجلس النواب، حيث تهدف الدولة إلى تعميق التصنيع المحلى للأدوية، وذلك بالتوسع فى إنشاء وتطوير المراكز البحثية الطبية وتحفيز إنشاء الصناعات الدوائية وزيادة المكون المحلى، والتوجه نحو تصنيع الخامات الدوائية .
واللافت للنظر أن "مدينة الدواء" التى تم افتتاحها فى مارس الماضى تتويج لهذا التوجه نحو تعميق التصنيع المحلى، والعمل على تصنيع الخامات الدوائية، خاصة أن سوق الدواء فى مصر تعد من أكبر الأسواق فى منطقة الشرق الأوسط بحجم بلغ 125 مليار جنيه فى عام 2020، فضلا عن فرص تنمية الصادرات الدوائية والتى ما زالت فى حدود 550 مليون دولار، وثمة إمكانات واعدة لمضاعفتها.
وتقع مدينة الدواء على مساحة 180 ألف متر مربع، والهدف الرئيسى هو وضع مصر على خريطة العالم لتصنيع الخامات الدوائية التى يهيمن عليها عدد محدود من الدول، وأهمها الصين والهند، ومن مزايا هذا التوطين تحقيق عدد من الأهداف على رأسها تغطية احتياجات السوق المحلية والحد من الاعتماد على الاستيراد، ومن مخاطر توقف الإمدادات فى أوقات الأزمات (كما حدث فى الموجة الأولى من جائحة فيروس كورونا) وتخفيض تكلفة صناعة الدواء، وهو ما يصب فى صالح الصناعة الوطنية والمستهلك، كما يهدف إلى ضمان توفير احتياجات المصانع الدوائية من الخامات، مما يضمن انتظام عمليات التوريد والإنتاج وتنمية الإمكانات التصديرية لقطاع الدواء فى الأسواق العربية والإفريقية فى ظل تنامى الطلب العالمى على المستحضرات والمنتجات الدوائية بالإضافة إلى تنمية مهارات ورفع كفاءة العاملين فى صناعة الدواء بالتعرف على التكنولوجيات الحديثة فى تصنيع الخامات والمستحضرات الدوائية.
وتضمنت الخطة أيضاً أنه نظراً لتعذر إنتاج كافة الخامات الدوائية، فسوف يتم التركيز فى البداية على الخامات الدوائية التى يمكن أن تكون لمصر ميزة تنافسية، وبخاصة تلك التى تصنع من الأعشاب الطبية النباتية المتوافرة فى البيئة المصرية، على أن يتم التوسع فى إنتاج الخامات الأخرى تباعا من خلال الشراكة مع الدول المتخصصة فى هذا المجال لضمان الجودة العالية والتوافق مع المواصفات العالمية.
والأمر الذى يدعو للاطمئنان والتفاؤل فى نفس الوقت أن الدولة المصرية تتعامل مع ملف صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية بشكل كبير من أجل توطين هذه الصناعة، باعتبارها أمنا قوميا حقيقيا يمس حياة المواطن المصرى، فضلا عن أنه مجال قوى للاستثمار، وظهر هذا الأمر خلال جائحة كورونا حيث تم إنشاء هيئة الأدوية ودخولها العمل مع بداية الجائحة وكان اختبارا حقيقيا فقد تم توفير الأدوية وحرصت الدولة على تنظيم ورقابة كل ما يخص المستلزمات لضمان فعالية وأمان وجودة هذه المستحضرات مما ترتب عليه تأمين مخزون إستراتيجى من المستحضرات الطبية بالتعاون مع الشركات.. تزامناً مع السعى نحو توطين الصناعة عن طريق إستراتيجية الدولة لتوطين صناعة الأدوية من خلال إيجاد آلية سريعة وواضحة لتوفير المستحضرات الطبية خاصة خلال جائحة كورونا.. فأصبحنا بالفعل أول دولة فى الشرق الأوسط لديها تصنيع ومستلزمات جاهزة لمواجهة جائحة كورونا" خاصة الأدوية المستخدمة فى بروتوكول علاج أعراض فيروس كورونا، وذلك لأن توفير هذه الأدوية له فوائد كبيرة مثل تقليل التكلفة المالية.. وتم تصنيع هذه الأدوية من أجل تصديرها أيضا.. وتم تصنيع أول جهاز للتنفس.
ومن ناحية أخرى فإنه فى زمن قياسى وافقت مصر على منح رخص الطوارئ للقاحات الخاصة بفيروس كورونا وبالتالى أصبح لدينا 4 لقاحات حصلت على رخصة الترخيص الطارئ .
ويمكننا القول إن توطين صناعة الأدوية يتم وفق إستراتيجية واضحة تسهل العمل على توطين هذه الصناعة وفق إجراءات غير تقليدية لكافة الأدوية والمستحضرات الطبية من أجل مجابهة جائحة كورونا من خلال سرعة الإتاحة.
وهناك مسألة أخرى يجب أن نضعها فى الاعتبار هى أن سوق الدواء تعد من أهم الأسواق الجاذبة، خاصة أن الأدوية سلعة غير مرنة، بمعنى أنه سيظل الطلب عليها مستمراً حتى فى حالة ارتفاع سعرها لأنها تمس صحة الإنسان وجودة الحياة، فالسوق المصرية تتميز بوجود نحو 100 مليون مستهلك، ويبلغ حجم إنتاج الدواء فى مصر نحو 8 مليارات دولار، فيما يمثل حجم استيراد مدخلات الإنتاج نحو 70 % منها وذلك من قيمة الـ 8 مليارات دولار، فيما تتراوح القيمة المضافة المصرية للدواء المنتج فى مصر من 10 إلى 30 %.
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن عدد مصانع الدواء فى مصر يبلغ نحو 165 مصنعا، إضافة إلى وجود نحو من 40 إلى 50 مصنعا جديدا تحت الترخيص، ورغم ذلك تبلغ صادرات الدواء نحو 300 مليون دولار تقريبا وهو رقم ضعيف مقارنة بصادرات دول أخرى فى المنطقة.
وبالطبع فإن زيادة الصادرات تحكمها الجودة سواء فى شكل العبوة خارجياً أو الفاعلية للدواء، والأسعار المنافسة، وأخيراً معرفة احتياجات الأسواق الخارجية والقدرة على تلبية تلك الاحتياجات بسرعة وديناميكية لسلسلة الإمداد.
وفى نفس السياق علينا أن ندرك أن هناك 3 تحديات تواجه صناعة الدواء فى مصر، تتمثل فى غياب الفكرة الإستراتيجية لصناعة الدواء فى كونها صناعة بحثية تعتمد على البحوث والتطوير، وليست صناعة تعتمد على إنتاج الأدوية التقليدية والمثيلة، لابد أن تسعى مصر فى وجود العديد من المراكز البحثية سواء بالتعاون مع شركات أدوية عالمية أو إنشاء مراكز بحثية متطورة داخل شركات الدواء فى مصر فالعالم بدأ التقليل من إنتاج الأدوية التقليدية ، ويعمل حاليا على إنتاج أدوية الأورام والخلايا والجينات، حيث تضخ شركات الدواء العالمية نحو 15 %من حجم مبيعاتها فى البحوث والتطوير، وهو ما يجب أن يكون نهج مصر خلال الفترة المقبلة فى ظل السعى نحو توطين صناعة الدواء العالمية فى مصر بحيث تصبح نموذجاً للتكنولوجيا الحديثة وتوفر الأدوية لعلاج الأورام والأمراض المستعصية ويكون لديها القدرة على ابتكارات جديدة من خلال اختراعات واكتشافات أدوية حديثة على المدى القصير تساعد على زيادة القدرة التنافسية لمدينة الدواء.
ولابد أن يدرك القطاع الخاص أن صناعة الدواء ليست صناعة مثائل أو أدوية تقليدية بل هى صناعة بحثية، علما بأن عدد مصانع القطاع الخاص يبلغ نحو 100 مصنع، ويطالب خبراء باندماج هذه المصانع فيما بينها لخلق كيانات كبيرة تكون قادرة على تمويل البحث والتطوير، ومواكبة العالم وكل الشركات العالمية فى الدخول للثورة الصناعية الرابعة التى تعتمد على التحول الرقمى والأخذ بالتكنولوجيا الحديثة فى البحث والتطوير.
أما التحدى الثالث فيتمثل فى غياب برامج التطوير وتحسين الإنتاجية داخل شركات الأدوية، فهى عملية مستمرة لا تقف ولابد من وجود قياس لمؤشرات الأداء لدى الشركات والمصانع ما يعطى فى النهاية قياسا للقدرة التنافسية مع بناء الجودة، ومن ثم فلابد أن ينتشر مفهوم ثقافة الجودة داخل الشركات والمصانع ولدى من يعمل فيها ثم ينتقل إلى المستهلك، حيث إن انتشار ثقافة الجودة سيكون أحد أهم الأسباب لقدرة المنتج المصرى على المنافسة تصديريا.