آية عزت تكتب: «أمواج الآخرة ».."طوفان نوح" يبتلع الشباب فى الإسكندرية.. والبحث عن الجثث مستمر
- البحر "يصطاد" عددًا من الشباب الكافرين بالقوانين والتعليمات فى "شواطئ الموت".
- المصايف تتحول إلى مآتم والعزاء فى بعض الأحيان بلا جثمان.. والأمهات يبكين من الوجع.
وكأنما طوفان نوح يتكرر. أمواجٌ عاتية، متعطشة لأجساد الشباب بالإسكندرية، تضرب الصخور بقسوة فلا تصيب منها سوي قشرتها، وتبتلع في عودتها شبابا في عمر الزهور. تلتهمهم التهاماً وكأنها الليث يفتُك بفريسته بعد أيامٍ من جوع.
أري من مكاني هذا ضحكاتهم الأخيرة علي رمال الشاطيء تحت أشعة الشمس الدافئة، وأستطيع سماع صوت نحيب قلوب أمهاتهم وصلوات أرواحهم المكلومة، آملين في انتشال جثامين أبنائهم حتي يستطيعوا العودة بها ودفنها.
مدينة العشق والجمال تتحول إلي مدينة الموت الحتمي، والذهاب إليها اصبح قرارا يحتمل فكرة عدم العودة منها مجدداً.
أكتب إليكم بعد حادثٍ آخر هذا العام، ليس الأول من نوعه ولكن أمنياتي أن يكون الأخير، حيث غرق شاب في الثالثة والعشرين من عمره من محافظة القاهرة وتم انتشال الجثمان بعد أحد عشر يوماً من الغرق في شاطيء النخيل بالإسكندرية - شاطيء الرعب والموت - علي الرغم من غلقه بقرار من النيابة العامة والمحافظة وانتشار اللافتات التحذيرية في كل مكان، لكنه تسلل إلي قدره في رابع أيام عيد الأضحي، ضارباً بكل القوانين والتعليمات عرض الحائط.
يُذكر أنه وصل عدد ضحايا الغرق بالإسكندرية هذا العام خمسة عشر حالة، وفي السنة الماضية ثلاثون حالة غرق. لا ينفك يخطر ببالي مشهد تلك السيدة وزوجها السنة الماضية، حيث أتيا إلي الإسكندرية بصحبة أبنائهما الأربعة بغرض الترفيه والاستمتاع بالبحر، ثم عادا بأصغرهم فقط بعد فقدهما ثلاثة من أبنائهما.
فما بالكم يا أهالي وجه مصر القبلي! لماذا تُلقون بأنفسكم إلي التهلكة؟! الا يصلُ البثُ التليفزيوني إلي قُراكم؟ الا تستخدمون الإنترنت وتتصفحون مواقع التواصل الاجتماعي؟ ألا تشترون الجرائد وتقرأون الأخبار؟
دعونا من هذا وذاك .. ألم تشيعوا جثمان أحد أقاربكم، جيرانكم، أو حتي صديقٍ عزيزٍ عليكم، عاد إليكم من هنا غارقاً ! ترك في جُب البحر أحلامه وسنين عمره وعاد بملابسٍ مبتلة بقسوة تلك المياه.
لا أعلم تحديداً ما نحنُ بصدد مواجهته، أهو غياب الوعي عن تلك الفئة التي تأتي إلي الإسكندرية آملة في قضاء وقتٍ سعيد بصحبة ذويهم، أم هو رغبة الشباب في المغامرة والمخاطرة، وكأنهم يتحدون الموج والموت في آنٍ واحد بقلبٍ جريء يوهمهم بأنهم قادرون علي السيطرة علي الأمر. اؤكد لكم أن الشاعر عبد الرحمن الأبنودي حين قال : "إذا جاك الموت يا وليدي، موت علي طول، أول ما يجيك الموت افتح، أول ما ينادي عليك اجلح، أنت الكسبان"، لم يكن يقصد الشباب يوماً .. أبداً !
إلي كل الجهات المعنية، شكراً علي الاستجابات السريعة والقرارات الحاسمة، شكراً علي غلق الشواطيء ووضع الحراسات ونشر اللافتات التحذيرية، ولكن نحن بحاجة إلي ما هو اكثر .. فهذا ومع الأسف لم يف بالغرض. لنضع الأسلاك الشائكة العالية في كل مكان اكثر واكثر، لنصنع دروعاً بشرية من رجال الشرطة والقوات المسلحة تتناوب ليلاً ونهاراً علي تلك الشواطيء لمنع هؤلاء المغامرين المجرمين في حق أنفسهم، لننشر غفر السواحل ومراكبهم داخل أمواج هذا البحر، وإن استطعنا منع الماء لمس الرمال لنفعلها، لنحافظ علي قلب كل أمٍ وأب، ولتبقي الإسكندرية المارية عمارا، ولتحيا مصر عزيزة قوية بسواعد ابنائها من الشباب.
والبحر أبو الف موجة والموجة بألف حالة، وأنا المغرم صبابة بإسكندرية يابا، وفكرة كوني انسي في حكم الاستحالة، عشقت بحرك وغرقت فيكي .. يا إسكندرية.