◄محمد هنيدى يقدم رسائل مهمة فى الفيلم ويخاطب الكبار والصغار بعيدًا عن الابتذال والإسفاف
◄المخرج شريف عرفة "مدرسة متفردة" وله أسلوبه الخاص فى إدارة العمل
◄منة شلبى تجبر المشاهد على احترامها لانحيازها للإنس على حساب عشيرتها من الشياطين
◄بيومى فؤاد يمنح الشخصية جزءًا من طبيعته الكوميدية ويكسب تعاطف الجمهور
◄جودة صناعة السينما فى مصر تؤكد قدرتها على مواكبة السينما العالمية
قبل دخولى دار العرض السينمائية لمشاهدة فيلم "الإنس والنمس" للنجم محمد هنيدى، تداعت فى ذهنى ذكريات تلك العلاقة الفنية التى جمعت منذ ١٧ عامًا بين صناع الفيلم "الثلاثى": النجم محمد هنيدى والمخرج شريف عرفة والمنتج هشام عبدالخالق، فها هم يلتقون للعمل مجدداً من خلال الفيلم الجديد "الإنس والنمس"، حيث كانوا قد قدموا معًا عام 2004 فيلم "فول الصين العظيم" الذى حقق نجاحاً كبيرًا آنذاك وما زال يحظى بإقبال شديد حتى الآن.
لقد شعرت وللوهلة الأولى أننا أمام فيلم كوميدى ولكنه بطعم الرعب والأكشن وبعيدًا عن هذا النجاح الكبير للفيلم الذى يشهد له الجميع فقد استطاع محمد هنيدى أن يحقق العديد من المكاسب الفنية والإنسانية أيضًا فى هذا الفيلم ، وفى تقديرى الشخصى فإن أول هذه المكاسب تتمثل فى عودة الأفلام الكوميدية لصدارة شباك الإيرادات، بعد أن استحوذت نوعية أفلام «الأكشن» على موقع الصدارة فى صناعة السينما خلال السنوات الأخيرة، فبمجرد طرح فيلم «الإنس والنمس» استطاع أن يتصدر الإيرادات اليومية متخطيًا الأفلام المعروضة فى نفس التوقيت فى العديد من دور العرض السينمائية، وذلك وفقًا للبيانات الرسمية الصادرة التى يتم تسجيلها وفق الإحصاءات اليومية لإيرادات الأفلام التى تتنافس فى دور العرض السينمائية.
ومن ناحية أخرى فقد استعاد محمد هنيدى بهذا الفيلم مكانته ونجوميته كونه واحدا من أهم نجوم الكوميديا فى مصر، خاصة أنه كان قد تعرض لحالة إخفاق كبيرة فى آخر أفلامه «عنترة ابن ابن ابن ابن شداد»، الذى قدمه منذ عدة سنوات حيث لم يتمكن من تحقيق إيرادات سوى 7 ملايين جنيه فقط فى دور العرض السينمائية، وهو الرقم الأقل على الإطلاق فى مسيرة هنيدى السينمائية.
أما أهم ما حققه هنيدى على المستوى الإنسانى فى هذا الفيلم أنه كان سببًا قويًا فى رفع الروح المعنوية للفنان شريف دسوقى أحد أبطال الفيلم وخاصة بعد بتر قدمه فقد أعرب شريف دسوقى فى عدة تصريحات صحفية عن اعتزازه بهذه التجربة السينمائية التى حرص على حضور عرضها الخاص وهو يجلس على كرسى متحرك وذلك من فرط حبه لهذا الفيلم.
ولم تتوقف المكتسبات التى حققها هنيدى عند هذا الحد بل نجده قد استثمر نجاح فيلم "الإنس والنمس" للاحتفال بمرور ٢٣ عامًا على أول أفلامه "صعيدى فى الجامعة الأمريكية" الذى كان بمثابة نقلة نوعية فى مسيرته الفنية ووضع أقدامه على أول طريق النجومية والتألق.
وبصفة عامة فإن الفيلم يجسد نوعية جديدة من الأفلام السينمائية تحمل فكرة مختلفة تمامًا عن أى فيلم سبق تقديمه فى مصر من قبل، حيث يعتمد على تيمة "الرعب الكوميدى" وذلك من خلال قصة جديدة وتم تقديمه بمستوى متطور وجديد يشبه الأفلام الأجنبية بقصة ممتعة وتتناسب مع كل أفراد الأسرة بل ويحمل رسائل مهمة تتضمن العديد من القيم والتقاليد التى أراد أن تصل للجمهور وأبرزها على الإطلاق أن الجن ليس له سلطان على الإنسان حتى ولو كان هذا الإنسان ضعيفًا وهى فى تقديرى دعوة صريحة للاعتماد على النفس ومواجهة التحديات بكل ثقة.
وقد بدأ التمهيد لهذه النوعية من "الرعب الكوميدى" من خلال مشهد ارتباط بطل الفيلم "تحسين" الذى جسد شخصيته محمد هنيدى بعالم الرعب كونه يعمل مديرًا لبيت الرعب فى أحد الملاهى، وأرى أن هذا الاختيار جاء فى منتهى الذكاء حتى لا يتوقع المشاهد بقية الأحداث التى دخلت فى مسارات مختلفة بعد عدة مشاهد كوميدية جعلت صالة العرض السينمائى تعج بالضحك المتواصل الذى سيطر على الكبار والصغار على حد سواء لينقلنا بعدها المخرج شريف عرفة إلى منطقة مختلفة تمامًا حيث "الرعب" كما ينبغى أن يكون وقد تجلى ذلك بشكل لافت للنظر فى مشهد دخول محمد هنيدى إلى ذلك القصر الغريب الذى تسكن فيه الفتاة "نرمين" التى وقع فى غرامها وقرر الارتباط بها والتى جسدت شخصيتها ببراعة فائقة النجمة منة شلبى، فالطريق إلى القصر امتزجت فيه الصورة فائقة الروعة بالموسيقى التصويرية المعبرة والديكور المخيف الذى اتسمت به كافة أركان الطريق إلى القصر، وعلى الرغم من أن هذا المشهد كان مخيفًا ومرعباً وغامضاً فإنه تضمن فى نفس الوقت العديد من المواقف الكوميدية التى امتزجت بطعم الرعب فعلى الرغم من هذا التناقض بين الكوميديا والرعب فإن ذلك كان من أهم ما يميز الفيلم الذى يمكننا أن نعتبره بمثابة نقلة نوعية فى مسيرة محمد هنيدى الفنية وعلى وجه الخصوص مسيرته الكوميدية .
وبعيدًا عن ملامحها البريئة فإن النجمة منة شلبى استطاعت أن تقنع المشاهدين منذ الوهلة الأولى.. فعلى الرغم من أنها تنتمى لعشيرة الجن فإنها فى نفس الوقت تحمل جوانب الخير فى شخصيتها وهو ما ظهر بوضوح فى عدة مواقف طوال الفيلم خصوصًا فى ذروة الأحداث التى شهدتها نهاية الفيلم ليتجلى لنا بوضوح أن الخير ينتصر فى النهاية ويتغلب على الشر ، لأن الخير هو أصل الأشياء.
أما الفنان عمرو عبدالجليل فقد كان اختياره موفقاً لتجسيد شخصية الشرير فقد برع أيضًا فى تجسيد المواقف والتصرفات الكوميدية ليكون له نصيب كبير من مشاهد الضحك التى أمتعت المشاهدين كونه أحد أهم الأبطال الأساسيين فى الفيلم، وسارت فى نفس السياق الفنانة صابرين حيث استطاعت أن تقنع المشاهدين بأنها شريرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى من خلال ملابسها وطريقة تجسيدها لشخصية من عالم الجن تحمل كل حقد وكراهية لبنى البشر .
ورغم ظهوره فى مشاهد قليلة فإن الدور الذى قدمه الفنان بيومى فؤاد أعتقد أنه ما كان يمكن تقديمه على هذا النحو من الروعة لو لم يكن بيومى فؤاد هو صاحب هذه الشخصية، فكما عودنا بيومى على تقديم جزء من روحه المرحة فى كل شخصية يقدمها، فإنه نجح أيضًا فى أن يترك بصمة فى هذا الفيلم وهى بصمة واضحة ستظل عالقة فى أذهان كل من شاهد الفيلم.
وبالطبع كان لكل من شاركوا فى الفيلم لمستهم المميزة وأخص هنا الفنانين شريف دسوقى وعارفه عبدالرسول وسليمان عيد ومحمود حافظ فلكل منهم طريقته فى الأداء والتى حتى وإن اختلفت من شخص لآخر إلا أنهم جميعًا قدموا لنا لوحة فنية جميلة من الأداء الكوميدى الذى كان له عظيم الأثر فى نجاح الفيلم على هذا النحو اللافت للنظر.
والحق يقال كان للمخرج الكبير شريف عرفة مجهوداته الواضحة من خلال إدارته جميع العناصر الفنية بحرفية وذكاء فنى، فشريف له أسلوب وتكنيك خاص فى إدارة العمل كونه يمثل مدرسة خاصة فى أصول الفن إلى جانب حرصه التام على جودة الرؤية البصرية والحالة السمعية، فقد منح فى الفيلم مساحات عالية لكافة العناصر الفنية منها الموسيقى التصويرية والمونتاج والملابس والديكور والجرافيك الذى تم تنفيذه على مستوى رفيع من الحرفية ليجعلنا نشاهد فيلمًا يمتلك مقومات العالمية.
لذا فإنه يمكننى القول إن الفيلم يمثل خطوة جديدة فى تاريخ السينما المصرية، وينتمى لنوعية الأعمال الكوميدية، لكن من نوع خاص وهذا النوع الخاص فوجئ به الجمهور نظرًا لما يتمتع به من رؤية بصرية جذابة، بما يثبت وبشكل لافت للنظر جودة صناعة السينما فى مصر وقدرتها على مواكبة السينما العالمية وهو ما يجعلنى أكثر تفاؤلاً بأن الساحة الفنية سوف تشهد خلال الفترة المقبلة تقديم أفلام ذات مضمون مختلف ليثبت وبما لا يدع مجالاً للشك أن ريادة مصر فى صناعة السينما قد تمرض ولكنها لن تموت طالما نمتلك مقومات الإبداع من مؤلفين ومخرجين وفنانين وفنيين فى كافة مجالات الإبداع الفنى.