ما بين ضغوط الحياة وتسارع وتيرة أحداثها نحتاج من وقت لآخر لنذكر أنفسنا أين نحن وكيف نسير وهل نحن على الطريق الصحيح فى هذه الحياة؟ أم أننا نحياها فقط لأننا وجدنا أنفسنا فيها ونسير معها حيث تسير، هل نستطيع مسايرتها بل والتغلب عليها وكبح جماحها، أم تسير هى بنا حيث تريد وعلى عكس ما نتمنى؟ هل نجحنا فى تحقيق بعض أحلامنا ونتطلع ونسعى لتحقيق نجاحات أم أننا ننتظر أن توجهنا الدنيا إلى حيث تريد؟
أسئلة كثيرة تدور بخواطرنا أحيانًا نهرب من الإجابة عنها وأحيانًا أخرى نخشى حتى طرحها ولكن هناك أوقات نسعى لنُجيب عنها كاملة ولا نستثنى منها سؤالًا واحدًا بل ونضيف إليها أسئلة أخرى، تلك الحالة التى عندما تشعر أن إجاباتك ستكون مُرضية لك ومُحققة لطموحك وباعثة فيك بالأمل والحياة، بل وتجعلك مُفتخرا بما حققت راضيًا به وساعيًا إلى الأفضل، تشعر أن ما أنت فيه اليوم هو ما كنت تتمناه بالأمس قد مَنّ الله عليك بتحقيقه بالتوكل عليه سبحانه ثم سعيك نحو تحقيقه، ولكن هناك أشياء مهمة قد تعينك على تحقيق أكثر مما تتمنى منها "السلام"، نعم السلام الداخلى مع النفس والخارجى مع المحيطين أهم مسببات الرضا والنجاح للإنسان، فكيف ستنجح فى حياة خُلق الإنسان فيها ليعبد ويعمل ويكد ويجتهد دون أن تحقق سلامك الداخلى والخارجى الذى يعينك على النجاحات المتتالية والأهم أن يُرضيك بها، والسلام هو الشعار الأول لديننا الإسلام فقد قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِى السِّلْمِ كَافَّةً). نحقق السلام بسلامِ مع الله سبحانه وتعالى، والسلام مع الله هو أن تأتى ما أمرك الله به، وتجتنب ما نهاك الله عنه، فما أمرك الله به فأتمر، ونهاك عنه فانتهِ أى فعل المأمورات وترك المنهيات، والسلام والطمأنينة والاستقرار النفسى مطلب لكل إنسان، فالكل يبحث عن السلام والطمأنينة والاستقرار النفسى ليحيا حياة طيبة، فقد أرسل الله لنا الحل والعلاج والطريق للوصول للسلام النفسى قبل آلاف السنين فى قوله "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"، ونحقق السلام بسلامِ مع الناس فما أجمل أن يعيش الإنسان فى سلام مع أسرته، وسلام مع عائلته، وسلام مع جيرانه، وسلام مع زملائه، وسلام مع أصدقائه، وسلام مع المجتمع كله، وسلام مع الناس أجمعين ولا يكون هذا إلا بتطهير النفوس والقلوب من الغل والحقد والبغضاء والكراهية وحب الخير للجميع.
فالسلام الداخلى يؤدى إلى احتواء الأزمات وإسعاد المحيطين والإيمان بالله أن كل الخسائر يمكن تعويضها، لكن أكبر خسارة لا يمكن أن تعوض هى ضياع السلام الداخلى للنفس، وفقدان الأمل فى غد مشرق، وفى رحمة الله تعالى التى وسعت كل شيء، حين يفقد المرء سلامه الداخلى، واطمئنانه وهدوءه النفسى لا يستطيع الاستمتاع بأى شيء فى يومه، ولا أى إنجاز فيه بل قد يؤثر ذلك فى غده أيضًا، إن الذين تنبض قلوبهم بالسلام الداخلى والرضا وتشع بالأمل ليسوا أكثر الناس ثراءً أو أوفرهم حظًا لكنهم أولئك الذين يثقون ثقة مطلقة برعاية الله لهم، ويؤمنون بقضاء الله وقدره، حريصين على الصدق مع النفس فهو أحد سبل السلام الداخلى، بعيدين عن أوجه النفاق غير تابعين للناس فى كل أمر. فما أحوجنا إلى السلامِ مع النفسِ ومع الأسرة ومع الجيران ومع المجتمع، كله لننعم فى الدنيا ولنسعد فى الآخرة، فلا أحد يُنكر أننا نعيش فى زمن ندُر فيه السلام والراحة والاستقرار والطمأنينة، وزاد فيه الطمع والجشع والأنانية وحب الذاتِ وعدم احترام الآخر، لذلك كلنا فى حاجة إلى سلام واستقرار ولن يتحقق السلام سوى بطريق الخيرِ والحقِ، واحترام آدمية الإنسان كإنسان بغض النظر عن دينه أو عِرقه أو جنسه أو لغته أو لونه، فسلامك الداخلى سيبعث منك ليكون سلاما خارجيا يشمل كل تعاملاتك، فتفوز برضى الله فى الدنيا وجنته فى الآخرة، ولعلنا كمسلمين كنا أكثر حظًا عن سائر البشر فديننا هو دين السلام، ونبينا هو نبى السلام، وشريعتنا هى السلام، وقرآننا هو قرآن السلام والداعى للسلام، والله سبحانه وتعالى من أسمائه السلام وجنته هى دار السلام، وتحيتنا هى السلام، وبل وشعار أهل الجنة السلام. وكلمة "السلام" نفسها مُشتقَّةٌ مِن الإسلام، ولأن كل التشريعات السماوية قد جاءت من نفس المصدر المقدس كان السلام هدفا أسمى للشرائع السماويةِ كلها، ومن أهم غاياتها فى الأرض، ومن ثم جاءت الرسالات مؤكدة ضرورة المعاملة فى ضوء السلم النفسى والأسرى والمجتمعى، فهذا نبى الله نوح يخاطبه ربه بقوله تعالى: (يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ)، وهذا الخليل إبراهيم مخاطبًا أباه ( قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّى إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيًّا)، وهذا كليم الله عيسى (وَالسَّلَامُ عَلَى يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا)، والسلام هو الطمأنينة والسكينة والاستقرار والراحة والهدوء، فهو أمان الفرد على النفس والمال، فالسلام أن تسلم من أذى الناس ويسلم الناس من أذاك قولًا وفعلًا وعملًا.
أرى أنه لا بناء ولا إعمار ولا رُقى ولا ازدهار ولا تنمية ولا ابتكار إلا بالسلام، لذلك أقترح أن تُضيف إلى أسئلتك أسئلة جديدة جاوب عنها لتعلم هل أنت تعيش فى سلام فاسأل نفسك: هل سلم الناس من لسانك ويدك؟ أم أطلقت العنان للسانك يسب هذا ويشتم هذا ويتطاول على عرض هذا ويتناول هذا؟ إن كانت إجاباتك بنعم سَلمَ الناس فأنت تعيش فى سلام، وإن كانت بلا فراجع نفسك قبل فوات الأوان واحذر أن يشتكيك الناس لرب كل الناس … فـعش سلامك الداخلى تفوز فى الدنيا والآخرة.