تشهد اللحظة الراهنة في مصر زخمًا لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث عن الإصلاح السياسي والاجتماعي، والقاسم المشترك الأعظم في حديث الإصلاح يدور حول ما يسمى "المشاركة المجتمعية" مشاركة الناس في اختيار ممثليهم ونظام الحكم ورموزه، مشاركة المرأة في جهود ونتائج التنمية، ومشاركة مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص للحكومة في إدارة شؤون البلاد... وهكذا. ورغم وجود تعريفات عديدة للمشاركة إلا أننا نميل إلى تعريف إجرائي بسيط وهو إنها تعني أن كل أفراد المجتمع شركاء في أمور هذا المجتمع، يتقاسمون الأعباء والجهود والتكاليف ويتقاسمون الأرباح والعوائد والمزايا، ومثل هذا المفهوم واضح ومستقر في أي شركة تجارية بسيطة أو معقدة أو في محل بقالة أو قهوة أومحل جزارة أو مزرعة أو مصنع. الشركاء يتحملون تكاليف المشروع معًا ويتقاسمون الأرباح معًا.. كل حسب نصيبه أو مساهمته. فلا يصح نظريا ولا يستقيم عمليا أن يساهم أحد الشركاء ب 10% من رأسمال المشروع أو العمل المطلوب له ثم يطالب ب90% من الأرباح. والمواطنون في أي مجتمع هم شركاء في هذا المجتمع فيما يقومون به من أعمال مختلفة -البعض يقوم بتعليم الأولاد والبنات والبعض يقوم على علاجهم والبعض يعمل في الزراعة أو الصناعة أو إمداد الماء أو إعداد الطعام والبعض يدافع عن حدود ومقدسات وأرض الوطن.. وهكذا- ثم إن كل هذه الجهود تنتج خيرات وسلعًا أو ما يمكن أن نسميها أرباحًا أو عوائد يجب أن يتقاسمها كل من ساهموا فيها كل حسب جهوده ومساهمته. وقد كانت طريقة اقتسام أعباء وعوائد التنمية في المجتمع هي النقطة الفاصلة بين النظم السياسية والاقتصادية المختلفة ففي المجتمعات الشيوعية يكون المبدأ الحاكم، كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته، ولكن النظم الرأسمالية تحتكم إلى مبدأ آخر هو كل حسب جهده ولكل حسب عمله، إلا أن المبدأ الواضح في كل النظم أن هناك اقتساما أو مشاركة في الأعباء والعوائد. والمشاركة بهذا المعني ترتبط ارتباطا لا ينفصم بنظام الحكم الجيد والديموقراطية والشفافية والمساءلة وحقوق الإنسان في كل المجالات، وهي القضايا التي يدور حولها حديث الإصلاح الذي اصبح هو النغمة السائدة في كل الأوساط. غير أن الحديث شيء يمكن أن يكون منفصلا تماما عن العقل. وإذا كان حديث الإصلاح يدور على أشده في العالم العربي وبالتحديد في مصر، ويستمر حوله اللغط الفارغ عديم الجدوى حول ما إذا كان نابعًا من الداخل أم مفروضًا من الخارج، فينبغي أن نعرف أن للعرب تراثًا أصيلًا في اعبار أن القول بديل للفعل فبدلًا من أن نفعل نقول إننا فعلنا هذا التراث سائد منذ أن قال أبو الطيب المتنبي: الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم. وقد كان المتنبي شاعرًا فذًا لكنه كان كاذبًا كبيرا في مسألة الخيل والليل والسيف والرمح وقد تسبب هذا الفشر في هلاكه. ولكننا مازلنا نسير على خطى هذا الشاعر الكذاب ..ونقول ..ونقول ..ونقول، وكأننا فعلنا.. وفعلنا فرغم الاعتراف في الخطاب الرسمي بأهمية وضرورة المشاركة المجتمعية، لكن للأسف رغم جهود السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي إلا أن المنظمات الخاصة والتي تتدعمها الدولة بكل قوة لا تقوم بدورها، وهو ما يحث عليه الرئيس السيسي وخلال إطلاق استراتيجية حقوق الإنسان أكد أنه لن يصمت على ذلك وسوف تتحقق المواطنة واتحاد المواطنين والحفاظ على حقوقهم من هذه اللحظة في الجمهورية الجديدة. نعم مصر قادمة بقوة، وجهود التنمية ليست على مستوى المعمار فقط ولكن على مستوى الإنسان وهو ما يهتم به السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي وأظن أنه قادر على ذلك وسوف يحققه بكل قوة وينفذه بإرادة من حديدة، فالمواطنة هي أن يحصل كل مواطن على حقوقه، وقبل أن يحصل على حقوقه يجب أن يعرف واجباته وهو ما تعمل عليه مصر وجميع مؤسسات الدولة في هذه الفترة وستشهده مصر خلال الفترة المقبلة. لذلك أحيي كل قادة مصر، وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي وكل أجهزة الدولة التي يبدو في كل خطواتها أنها تهتم بالإنسان، بل تعلّم العالم بأكمله كيف يكون الإنسان وكيف تتعامل الدولة بنفسها معه وتهتم لأمره بعد عشرات السنين من إهماله وضياع حقوقه.