عندما يكون لديك مريض يحتاج إلى إنقاذ عاجل، وعندما تضطرك الظروف إلى اللجوء إلى المستشفيات الخاصة لا يمكن فى هذه اللحظة أن تطرح حسابات التكاليف المادية.. فطالما أنك تمتلك الحد الأدنى من المال الذى يمكنك من الدخول إلى بوابة هذا المستشفى لن تتردد لحظة لإنقاذ مريضك. وعندما تقف أمام شباك الحسابات وتفاجأ بالموظف المختص يقول لك: «ادفع 80 ألف جنيه تحت الحساب وأنه مطلوب منك سداد ما بين 30 و40 ألف جنيه عن الليلة الواحدة»، ستجد نفسك فى مأزق لا تحسد عليه.. فربما تضطر لقضاء ليلة واحدة بما معك أو تفكر فى المغادرة والبحث عن مكان آخر. تفاصيل كثيرة حول العلاج فى المستشفيات الخاصة فى ظل أزمة كورونا نطرحها لمن يهمه الأمر. البداية نشير إلى أنه منذ عدة أيام تلقت وزارة الصحة العديد من الشكاوى والاستغاثات بمبالغات فى تكاليف حساب علاج مرضى كورونا بالعديد من المستشفيات والمراكز الخاصة، ولأن وزارة الصحة تمتلك القرار والقانون وهى التى تقر اللائحة لعمل هذه المستشفيات فقد حددت الوزارة نظم تكاليف العلاج بما يلى: غرفة عزل بالقسم الداخلى بأى مستشفى خاص يتراوح سعرها فى الليلة الواحدة ما بين 1500 جنيه إلى 3 آلاف جنيه، أما غرفة العزل بدون جهاز للتنفس الصناعى فيتراوح سعر الليلة بها من 5 آلاف إلى 7 آلاف جنيه، وجهاز للتنفس الصناعى فيتراوح من 7500 جنيه إلى 10 آلاف جنيه. كما أن الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة، وجهت رسالة شديدة اللهجة إلى مسئولى المستشفيات الخاصة حذرتهم فيها من المغالاة فى رفع تسعيرة العلاج عن الحد المسموح به طبقاً للتسعيرة المحددة، وناشدت المواطنين التقدم بالشكاوى ضد أى منشأة خاصة تبالغ وتخالف الأسعار المحددة للعلاج. هذه التسعيرة حددتها وزارة الصحة والسكان شاملة الإقامة والتحاليل والأشعة والأدوية ومستلزمات مكافحة العدوى والمستلزمات الطبية وأتعاب الأطباء والتمريض والعمال والمساعدين، لكن هل يتم تطبيقها فى المستشفيات الخاصة بالفعل أم أنها مجرد حبر على ورق؟ إن القانون يحدد لكل مستشفى أن يقوم بوضع لائحته الخاصة به وقت منحه الترخيص، وحين يتم تغييرها يتم إرسالها إلى الوزارة لاعتمادها من جديد، والوزارة أصدرت حزمة من القرارات المتعلقة بتسعيرة علاج كورونا، ولكن أغلب المستشفيات الخاصة غير ملتزمة بها، والأمر يحتاج إلى تفعيل دور إدارة العلاج الحر والضبطية القضائية فى ضبط المخالفين، ويمكن فى حالة عدم الالتزام بوقف الترخيص وغلق المستشفى أو إنذارهم فى البداية بإصلاح الوضع الخاطئ، مضيفاً أن تسعيرة الوزارة عادلة وبها نسبة ربح كبيرة .
إن مصر الآن تعد فى حالة حرب، وتلك المستشفيات على مدار سنوات طويلة حققت مكاسب مادية كبيرة ولكن كانت الظروف عادية ليست كمثل التى نعيشها اليوم، فأين الدور الإنسانى لهذه الرسالة السامية فى حماية وشفاء المرضى؟ دور جيش مصر الأبيض أصبح يتلاشى أمام إدارات وضعت الكسب المادى هدفها الأساسى وحاجزاً بينها وبين إسعاف المرضى من مصابى «كوفيد 19»، وحتى الآن الحكومة المصرية تتعامل مع الأزمة فى مجملها بشكل إنسانى وإدارة حكيمة، ومع المستشفيات الخاصة بنوع من الاحترام والالتزام، ولم تفعل ككثير من دول العالم التى إذا تجاوزت فيها مستشفى خاص برفع تسعيرة علاج أو خلافه قامت الدولة بتأميم المستشفى ووضعه تحت سيطرة وزارة الصحة بها وإخراج أًصحابه من المنظومة الطبية. ومن هنا أطالب المسئولين بالتعامل بحزم مع المستشفيات التى ترفض علاج أى مريض بالكورونا أو تتجاوز فى التسعيرة التى حددتها وزارة الصحة، وذلك بإلغاء ترخيصه وعدم دمجه فى منظومة التأمين الصحى الشامل الجديدة أو تأميمه ليصبح تابعا للدولة.
وبما أننا نتحدث عن المستشفيات الخاصة فقد توقفت أمام سقوط مافيا الاتجار بالأعضاء فى 9 مستشفيات ومراكز خاصة، هى فضيحة طبية بكل المقاييس، فضيحة مدوية تكشف حجم الجريمة التى ارتكبها «سماسرة الدم والموت» ضد المصريين طوال أربعين عاما، وتؤكد حجم الفساد الذى «عشش» فى النظام الصحى فى مصر وراح ضحيته مئات وآلاف من المصريين المساكين. تحولت بعض المستشفيات الخاصة ليس فقط إلى «مقابر زجاجية ملونة»، بل إلى أسواق للاتجار فى أعضاء الفقراء لصالح أصحاب الأموال من المصريين والعرب والأجانب دون وازع من ضمير من أطباء أقسموا على قسم أبقراط، أبوالطب، قبل مزاولة هذه المهنة الأخلاقية ودون رقابة فاعلة من وزارة الصحة ونقابة الأطباء أو من أجهزة الدولة. هل القضية فرصة تنتهزها الدولة لفتح ملف المستشفيات الخاصة فى مصر وجرائمها و«بلاويها» وإصلاح الخلل الرهيب فى معادلة الطب فى مصر؟ هل من المعقول والمقبول والمنطقى يا سادة يا حكام، وفى دولة فقيرة مثل مصر يتفوق فيها عدد المستشفيات الخاصة على المستشفيات الحكومية، هل يعقل أن يكون لدينا حوالى 930 مستشفى ومركزًا طبيًا خاصًا، فى المقابل كل المستشفيات التابعة للحكومة لا تتعدى 630 مستشفى؟ وللحديث بقية.