الحمد لله الذى لا ينسى من ذكره، الحمد لله الذى لا يخيب من رجاه، الحمد لله الذى من توكّل عليه كفاه، الحمد لله الذى من وثق به لم يكله إلى غيره، الحمد لله الذى هو ثقتنا حين تسوء ظنوننا بأعمالنا، الحمد لله الذى هو رجاؤنا حين ينقطع الحيل والحبل منا.. الحمد لله الذى تواضع كل شيء لعظمته، الحمد لله الذى استسلم كل شيء لقدرته، الحمد لله الذى ذلّ كل شيء لعزته، الحمد لله الذى خضع كل شيء لملكه، اللّهم إن كان رزقى فى السّماء فأنزله، وإن كان فى الأرض فأخرجه، وإن كان بعيدًا فقرّبه وإن كان قريبًا فيسّره، وإن كان قليلًا فكثّره، وإن كان كثيرًا فبارك لى فيه، هذا الدعاء وغيره الكثير من الأدعية الربانية لجلب الرزق الذى هو بيد الله سبحانه وتعالى ولا لأحد غير الله دخل فيه، ولكننا جميعًا قد يجعلنا الله أسبابًا فى رزق بعضنا البعض، وقد يبتلينا فيجعلنا ممن يحاربون الناس فى أرزاقهم فنخسر خسرانًا مبينًا، ونسأل الله ألا يجعلنا أبدًا ممن يقطعون أرزاق الناس أو يحاربون الناس فى أرزاقهم.
وما دام الإنسان حيًا، فرزقه مضمون فقد قال تعالى (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِى الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا)، وقال (أَمَّنْ هَذَا الَّذِى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ)، وفى الحديث: "لا تَستبْطِئوا الرزق فإِنه لَم يكن عبد يموت حتى يبلغه آخر الرزقِ"، لا بل: "إِن الرزق ليطْلب العبد كما يطْلبه أَجله"، فلا بد أن نعتقد اعتقادًا راسخًا أن اللَّه هو الرزاق، فإياك أن تتخيل أن رزقك مربوط بأحد أو أن عليك التملق من أجل الحياة.. فالله تبارك وتعالى قد ضمن لك الرزق مادمت حيًا فعش بعزة نفس ولا تفعل إلا ما يرضى به ضميرك ويرتاح له قلبك وراقب الله فيه قبل أن تفعله، واعلم أن الله لو جعل أحدًا سببًا فى قطع رزقك فهو ابتلاء لك عليك الصبر عليه، وذنبُ يحمله على ظهره، ووبل عليه يوم القيامة نسأل الله الهداية له ولنا جميعًا. وقلة وندرة وانخفاض الدخل المادى كغيره من الأمور الحياتية لابدّ من وجود الأسباب التى أدت إلى تفاقمه فى مجتمعاتنا العربية على وجه الخصوص، ورغم كثرة الموارد فى بيئتنا العربية التى هى كفيلة بأن تغنى الوطن العربى بالكامل، ولكن تجد العديد من شباب الدول العربية يخوض معركة البحث عن لقمة العيش، وبكل أسف يُصدم -إلا ما رحم ربى - بعدم وجود دخل ثابت فالكثير من الأشخاص يحاول بكل الطرق أن يبحث عن عمل ثابت، يوفر له الدخل المناسب الذى يستره ويستر عائلته، إلاّ أن هذه الأحلام تتبدد بمجرد التعرض لسوق العمل، لتجد أنه لا يوجد لك عمل بشهادتك العلمية التى أنفقت عليها صحتك وأموالك لكى تحصل عليها، وبالتالى تقبل أن تعمل فى عمل أقل، راضيًا ظاهريًا براتب أو دخل أقل، ليكون عليك أن تحترم ذلك، وألّا تتمرد، فالتمرد بالنسبة لك يعنى الطرد، ليجدوا بديلاً عنك فى أقل من خمس دقائق وربما بأقل أجر، فهى حاجة ملحة والكل بحاجة لأن يعمل حتى لو اضطر للتخلى عن أبسط الحقوق.
وفى بعض المجتمعات تجد أن المصروفات أكثر من قيمة الدخل فتجد أن الأب على سبيل المثال لديه من الأبناء ثلاثة، اثنان منهم فى المرحلة الجامعية، فقبل ذلك كانت المصاريف بسيطة، وكلما كبر الأولاد زاد الضغط على قيمة الراتب وزادت المصروفات، حتى أصبحت قيمة الدخل الحقيقية لا تغطى المصاريف التى تعتبر أساسًا من أساسيات الحياة مما يدفع الأب للتخلى عن الحياة العادية، واللجوء لحالة من التقشف فى سبيل التخلص من هذه الأزمة، أو العمل عملا إضافيا يزيد دخله ويرفع مستوى معيشته، ومن أجل تعليم الأبناء، ومن ثم يدفعهم فيما بعد لمواجهة الحياة، واللجوء لسوق العمل للبحث عن أى عمل يعفهم عن السؤال، ويوفر لهم الحياة المستورة التى يحلم بها أى مواطن عادى فى مجتمعاتنا العربية.
كما أن غلاء الأسعار يساهم فى الشعور القاتل، وعندما تسأل التاجر عن سر الغلاء يرد عليك بأنه اشتراها بسعر أعلى وأنها تزيد عليه ولابد أن يشترى بالسعر العالى ويبيع بالسعر الأعلى حتى يوفر الربح ولو القليل منه غير مبالين أو مكترثين بالمواطنين الذين أصبحوا يقضون باقى الشهر بدون طعام مؤمن فى بيوتهم. وأرى أن عدم التوكل على الله والحساب المُبالغ فيه ينزع البركة فلابد أن نتوكل على الله فى كل خطوة نخطوها، وتأكد أن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى، وأن رزقك لن يخطئك، وأن ما لم يصبك فهو بالأساس لم يكن لك وعليه لابدّ أن تُقنع نفسك أن الأجر القليل أو الفقر الذى تزعمه هو نعمة من الله، وأن الساعى فى الخير يوفقه الله ويرضى عنه ويزيد من قدره بين الناس وربما يجعل مكانته أكبر من أى مالك للأموال يراه الناس غنيا رغم أنه من أفقر خلق الله ولا يملك قوت يومه ولكنه متوكل على الله ولا يخشى ظلم البشر.. يعلم أنه غنى بالله وليس سواه، أولئك الذين " يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ".