من المعلوم لدى جميع المسلمين أن الفتاوى تتغير بموجبات عديدة، منها تغير الزمان والمكان والعرف وغيرها من الأمور المستجدة وفقا لمقتضيات كل عصر وزمن، وهو رأى معلوم للجميع ولا اختلاف عليه، إلا أن هناك قوى عدائية رغم علمها ومعرفتها بهذا، تجدها تراوغ وتتخذ منهجًا لتضليل الناس، لخدمة أهداف مسمومة وعمالة خائنة، ومن بين هؤلاء طلت علينا خلال السنوات المنقضية آفات من الفكر المتطرف تنخر فى عضد الدولة والدين، وهنا تحتم على الدولة أن تحمى شبابها من وباء هذا الفكر المتطرف المُمهِد للإرهاب، وبالفعل قامت الدولة بإطلاق دعوات مستمرة للتنوير، وأن كنت أراها غير كافية إلا أنها محاولة على الطريق للعودة بشباب هذا الوطن عن تلك المبادئ التى لا تمت لنا على المستوى الدينى أو الوطنى بصلة فنحن شعب وسطى متدين يعشق تراب وطنه يموت راضيا من أجل حبة رمل من رمال هذا الوطن الغالى، مصرنا الغالية أم الدنيا أولى الحضارات ومهد الديانات ومصدر الثقافات.
ولكن هل مستوى الخطاب الدينى قد تم تجديده بمن وما يستطيع أن يجتذب شباب هذه الأمة كما تجتذبهم باقى المؤثرات الخارجية؟ هل تم إعداد جيل جديد من الدعاة إلى الدين لديهم القدرة والقبول لدى الشباب المُستهدف فى مصرنا الشابة؟ أرى أنه لابد من أن ألا يكون الخطاب الدينى قائمًا على فكرة الجهاد ضد الباطل فقط بل أن يكون جهادا حضاريا، جهادا على طريق التنمية والبناء والإنتاج والسبق فى ميادين النهضة، خطابا تنويريا مُخططا مُوجها يوجه طاقات الشباب إلى ما ينفعهم وينفع مجتمعاتهم وينفع دينهم، لابد من خطاب دينى رقمى إلكترونى شامل يدعو إلى كل نواحى الحياة بشكل دينى وسطى ولا يغفل أى شيء من نواحى هذه الحياة الحديثة المتسارعة التى نعيشها، دعوة دينية داخل سياقات عصرية بخطاب يحرص على المعاصرة، وخاصة فى وسائله وآلياته، يتفاعل فى دعوته مع تيارات العصر، واتجاهاته الأدبية والمادية والسلوكية، ومشكلاته الواقعية، مركزًا على الدعوة إلى جوهر الدين ولبه، منتبهًا لطبيعة الدعوة الإسلامية وحقيقة أنها ليست دعوة خاصة بالمنطقة العربية، ولا بالدول الأجنبية غربية كانت أو شرقية، بل دعوة للعالمين كما وصف الله تبارك وتعالى رسوله الكريم من فوق سبع سماوات بقوله "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، خطاب دينى دعوى حديث يتبنى التيسير لا التحريض يشمل قراءة متجددة للموروث الفكرى والدينى وفق سياقات عصرية حديثة تتماشى مع الإيقاع السريع المتسارع للعالم. فلا أحد يُنكر أن التجديد فرض يوجبه الدين الإسلامى، وهى ضرورة يحتمها الواقع وإذا كان الاجتهاد بابا فتحه نبينا الكريم، لفهم الشرع فهمًا صحيحًا، فالمهم أن يدخل هذا الباب من كان أهلًا لذلك، ويمتلك الشروط والمقومات، وليس لكل من (هب ودب)، ويُمنع أولئك (الفتايين) أن يفتوا الناس بما يشاءون وكيفما يشاءون، فنحن نحتاج لتجديد الخطاب الدينى بكل ضوابطه لا نحتاج دينا جديدا يخرج علينا به أولئك من مجانين الشهرة وأصحاب الرسائل الموجهة المسممة لتدمير الوطن والدين، علينا فورًا أن نُوقف أولئك الذين يخرفون ويحرفون فى الفتاوى بأهوائهم تارة وبأفكار داعميهم تارة أخرى، بل وتقديمهم للمحاكمات الفورية بتهمة ازدراء الدين وبترهم الفورى من المجتمع، إن هذا لهو أولى العصور بتجديد الخطاب الدينى، وأصبح فريضة يوجبها الدين، وضرورة يحتمها الواقع، ولكن بأهل التخصص الثقات المعتبرين ليس غيرهم. نريد خطابا دينيا يبرز حقوق الأقليات ويبين حرص الدين عليها وكيف يدافع الدين الإسلامى عنهم، يوضح أقوال نبى الرحمة عن حقوقهم ويحضرنى منها قوله: "من آذى ذميًا فأنا خصمه "، وأقوال كثيرة وعديدة للنبى والسلف الصالح وقبلهم القرآن الكريم فى قوله تعالى " لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"، وأن الدين يحرص ليس فقط على حقوق الأقليات الدينية فى الأوطان، بل ويراعى حرمات شعائرها وطقوسها ويتكفل بإقامتها دون تدخل فيها،خطاب دينى يبرز كيف يقف الدين بجانب المرأة وكيف كرمها فالمرأة هى أم الرجل وابنته وزوجته وأخته وعمته وخالته، فالرجل والمرأة متساويان فى النشأة، والإنسانية وفى التكليف والجزاء والمصير، وخطاب يُبين كيف حرص الدين الإسلامى على حفظ كيانها الخاص، وصون شخصيتها الدينية، خطاب يُفند كل ما أشيع حول الشريعة الإسلامية من أحاديث وتفسيرات مكذوبة.
نحتاج إلى دعوة قائمة على العطاء والتيسير بهدف الائتلاف والتعايش، خطاب جديد دعوته قائمة على تقديم العطاء والعمل لا على الجدل والكلام، والانتقال من الفروع إلى الأصول، ومن التعسير إلى التيسير، وأنه لا يعرف للجمود أبدًا طريقا، خطاب دينى يُبين التسامح والوسطية، يحتضن الإنسان ككل دون تفرقة باللون أو الجنس أو الديانة، خطاب يوضح أن على الجميع أن يؤمن أن اختلاف البشر حكمة إلهية، وأن المطلوب هو التعايش والسلم مع الجميع لتحقيق المنافع المشتركة، وأن الحساب فى النهاية مُوكول إلى المولى عز وجل وحده ليوم الفصل والميعاد، تحديث الخطاب الدينى أمل للخروج من صراعات لا نفع منها إلى تنافسية تنموية واقتصادية، تعود بالنفع على أمتنا الإسلامية وتُخرس ألسنة تتصيد أخطاء أناس غير متخصصين يدعون أنهم منتمون وموكلون ومشرفون ومحدثون للخطاب الدينى والدين منهم براء، لذلك علينا تحديث الخطاب الدينى بما يتماشى مع العصر الحديث فيكون "خطاب دينى ديجيتال".