الله يا مصر، الله يا بلدى، مصر بلدى وأفتخر، مصر أم الدنيا بل كل الدنيا، مصر الأقصر، مصر الحضارة، مصر التاريخ، مصر أعظم بلاد الأرض، علينا أن نعترف بأننا نعيش هذه الأيام أزهى وأبهى حقبة فى تاريخنا الحديث من حيث الاهتمام بآثارنا وحضارتنا المصرية القديمة، بل نحن على موعد لإعادة الاعتبار لها وعرضها فى أفضل صورة سواء فى مواقعها الأثرية المكانية أو فى تجمعاتها المتحفية. ولا أكون مبالغًا عندما أقول إن ما يحدث فى السنوات القليلة الماضية من بناء وتطوير المتاحف المصرية على أسس علمية عالمية هو إنجاز رائع بجميع المقاييس، إنجاز لا يبهرنا نحن المصريين والعرب فقط ولكن الأجانب أيضًا، وذلك بعدما عشنا فى السابق زمنًا صعبًا كانت فيه الآثار المصرية تمتهن وتتعرض للعبث والسرقة والتهريب، وما كان يعرض منها فى مصر لم يكن يحظى بالاهتمام والتكريم اللذين يتناسبان مع قيمتها التاريخية والأثرية والحضارية العظيمة، وبينما كنا نسمع ونزهو ونفتخر بأن مصر لديها ما يقترب من ثلث آثار العالم، كنا نتحسر على عدم اكتراثنا أو اهتمامنا بآثارنا العظيمة ونعول ونتحجج بكثرتها وغزارتها، وكانت الأمور المؤلمة علينا جميعًا.
بل كان يطلق البعض على متحف الآثار المصرية بميدان التحرير مخزن الآثار المصرية فى إشارة إلى تكدس الآثار فيه وعدم عرضها بالشكل الذى تستحقه من تنسيق ورونق ونظام، لدرجة أننا عشنا زمانًا كنا نتساءل فيه، هل الأفضل لمصر وللحضارة المصرية انتشار آثارها المهربة فى العديد من دول العالم فى متاحفها الشهيرة حيث العناية والرعاية والاهتمام، أم أن الأفضل العمل على استعادتها؟ ومنذ شهرين وأثناء الاحتفال بموكب نقل المومياوات الملكية من متحف التحرير إلى متحف الفسطاط، شعرنا وحلمنا أننا على وعد وعهد جديدين لإعادة ترتيب التاريخ المصرى وعرضه بالشكل اللائق به، شكل يُرضى طموحنا نحن المصريين أصحاب أقدم الحضارات وأقدم الدول وأرقى العلوم. وجاء افتتاح طريق المواكب الملكية "الكباش الفرعونى" بالأقصر، كحفل أسطورى شهد عليه العالم كله، حين شاهد العالم بانوراما فرعونية أسطورية مصرية خالصة، خلال حفل افتتاح طريق "الكباش الفرعونى"، حين اتجهت أنظار العالم أجمع إلى مدينة الأقصر المصرية، أقدم مدينة عرفها التاريخ، محتفلين بتحول المدينة إلى أكبر متحف مفتوح فى العالم، وهو الطريق الذى يزينه 1200 من التماثيل المنحوتة من كتل واحدة، ويبلغ طوله 2700 متر. ويعد هو أقدم طريق أثرى فى العالم، ليُبهر عشاق التاريخ ومحبى الحضارات القديمة بهذا الحدث الضخم، والذى تابعه أكثر من مليار مشاهد حول العالم، به أحيت مصرنا الغالية تقليدًا ثقافيًا مختلفًا تمامًا لم يشهده العالم منذ عدة آلاف من السنين - إن كان لم يشهده من قبل على الإطلاق- فقد افتتحت مصر طريقًا يبلغ عمره 3 آلاف عام فى حفل ضخم بعد عقود من جهود التنقيب والبحث، وهو ثانى حفل ساحر ومُبهر وفريد من نوعه تنظمه مصر هذا العام، بعدما نظمت موكبًا للاحتفال بنقل ملوك مصريين من الفراعنة، وتطوير طريق الكباش، الذى يُعتقد أنه كان الطريق الذى سلكه الحجاج لزيارة المعابد وتكريم الآلهة، هو أحدث مشروع حكومى يتم تنفيذه لتسليط الضوء على الكنوز الأثرية فى مصرنا الغالية، ويربط الممشى القديم ومسار الآلهة ومعبدى الكرنك والأقصر الشهيرين فى مدينة طيبة القديمة، التى كانت عاصمة مصر فى العصور القديمة. وجدتنى أشعر بالفخر والامتنان ويزداد حبى وتعلقى بأم الدنيا وأصل الدنيا وكل الدنيا مصر، فبكل فخر بنى أجدادنا حضارة دامت لآلاف السنين وصمدت أمام متغيرات قوية، وبعد غروب شمس تلك الحضارة، لم ولن تمت منجزاتها، فبقيت تذكرنا بما استطاع أجدادنا فعله، ومنذ فك رموز الكتابة الهيروغليفية وفهم اللغة المصرية القديمة عقب فك رموز حجر رشيد، وبعدها عرفنا الكثير عن تلك الحضارة العظيمة، وبات الفخر بمجد أجدادنا المصريين القدماء سمة أساسية للشعب المصرى منذ بداية القرن الماضى، ولكن هذا الاهتمام الذى توليه الدولة المصرية وفخامة رئيسها المبجل ابن مصر المولود من رحم هذا الوطن المصرى، الذى حلم بأحلامنا ليصبح منفذا لها متسقًا مع طموحنا وتطلعاتنا فى كل المجالات وعلى كل الأصعدة والمستويات، والذى أراه دائمًا حريصًا على روعة تصميم وتنفيذ وتنسيق كل شيء خاصة عندما يتعلق الأمر بالتاريخ.
فى المتاحف المصرية الجديدة كالمتحف القومى للحضارة بالفسطاط، والذى يعد المتحف الأول على الإطلاق الذى يضم فى جنباته جميع الحقب التاريخية منذ باكورة استقرار الإنسان المصرى فى الوادى ونشأة المجتمع مع عبوره بالعصور الفرعونية والبطلمية والإغريقية والرومانية والقبطية والإسلامية حتى أسرة محمد على وأعتاب العصر الحديث، ومن قبله المتحف المصرى بميدان التحرير، بعد إعادة تنسيقه وتطويره وإعداده لاستقبال الزائرين وهو فى ثوب جديد مبهر. وعلينا من الآن الاستعداد للافتتاح العالمى الذى ستشهده مصر والعالم للمتحف المصرى الكبير فى الجيزة والذى يعد بجميع المقاييس المتحفية والمعمارية قطعة فنية رائعة لتكريم ورد اعتبار وعرض للآثار المصرية بما يليق بها ولها. وللحقيقة أنا كمصرى منبهر وفخور.