◄سيدة الإبداع إيناس عبد الدايم وفرت جميع الإمكانيات ومقومات النجاح للدورة 43 وسوء الإدارة أفسدها
◄افتتاح "مرتبك".. وختام "باهت".. و"المغمورون" يتصدرون "السجادة الحمراء"
◄حالة من الفوضى فى التنظيم لا تليق بأهم وأقدم مهرجان سينمائى عرفته المنطقة العربية
◄السؤال الصعب.. لماذا غاب نجوم الصف الأول عن "القاهرة السينمائي" وتسابقوا لحضور مهرجانات أخرى؟
◄عبث "الكومبارسات" على "الريد كاربت" انعكس سلبًا على مستوى الدورة الأخيرة
تعمدت تأخير الكتابة عن الدورة الـ ٤٣ لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى وقررت الانتظار لحين انتهائها، فما شاهدته فى حفل الافتتاح شيء مخجل ويدعو للحزن والأسى على أقدم مهرجان سينمائى عرفته المنطقة، وعلى الرغم من ذلك فقد تملكتنى حالة من التفاؤل والأمل فى أن تكون الفعاليات والأنشطة المصاحبة لهذه الدورة من المهرجان أكثر حظاً ونرى فيها شيئاً جيداً ربما يمحو تلك التفاهات التى شاهدناها فى حفل الافتتاح خاصة أن سيدة الإبداع الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة كانت قد وفرت كافة أشكال الدعم من أجل ظهور هذه الدورة على نحو كبير من حيث الدقة والتنظيم .. ولكن يبدو - والله أعلم - أن القائمين على إدارة المهرجان عز عليهم أن يقدموا لنا دورة ناجحة خاصة أنهم اعتادوا خلال الدورات السابقة على تقديم كل ما هو ضعيف وهش ، وهذا أمر مثير للدهشة والعجب فكيف تكون لديهم هذه الفرصة الذهبية المتمثلة فى الدعم الكبير من جانب وزارة الثقافة ونراهم فى النهاية يدورون فى نفس دائرة الفشل التى اتسمت بها دورات المهرجان خلال السنوات الأخيرة وهنا تكمن الأزمة فنحن أمام إدارة لا تفكر حتى فى أن تطور من أدواتها ولا تشعر بأى ذنب وهى تقوم بذبح المهرجان بهذه "البجاحة" على مرأى ومسمع من الجميع ، فهذا المهرجان الكبير والذى يحمل اسم عاصمة أكبر دولة عربية لم يحقق شهرته الدولية من فراغ أو أن عراقته لم تكن من قبيل الصدفة بل إن هذا الكيان الكبير هو نتاج مجهودات كبيرة وفكر سابق لعصره وتحركات غير مسبوقة قام بها عدة شخصيات تمتلك رؤى وأفكارا سينمائية تمكنت من أن تجعل هذا المهرجان واحدا من أهم وأعرق المهرجانات السينمائية على مستوى العالم.
ولأن المقدمات تؤدى إلى النتائج فقد كان لافتاً للنظر أن دورة العام الحالى لن تكون أفضل من الدورات السابقة خاصة بعد هذا الكم الهائل من الأخطاء التنظيمية الفادحة التى شهدها حفل الافتتاح ، حيث جاءت الفقرات غير متاغمة وكأنها فى جزر منعزلة فكل فقرة بعيدة كل البعد عن الفقرة التى تسبقها أو التى تليها بينما غاب عنصر الإبهار عن الحفل.. ففى سنوات سابقة أيام العصر الذهبى للمهرجان حينما كان يتولى إدارته شخصيات لها قيمتها ومكانتها كان أهم ما يميز حفلى الافتتاح والختام هو عنصر الإبهار سواء كان هذا الإبهار من حيث الشكل أو المضمون، ولكن للأسف الشديد افتقد المهرجان هذا الجانب على مدى السنوات الأخيرة بسبب عدم وجود رؤية واضحة لدى إدارة المهرجان وربما نتيجة عدم النضج وقلة الخبرة وضعف القدرة على الخلق والابتكار.
ولكن للأسف الشديد لم يكن هذا الخلل فى تنظيم حفلى الافتتاح والختام هو أسوأ ما شهدته دورة العام الحالى ، فالمشاكل بدأت تلاحق المهرجان بداية من عملية توجيه الدعوات التى تمت بشكل عشوائى فقد تم توجيه دعوات حضور المهرجان للشلة وأهل الثقة مما انعكس بشكل سيئ على "الريد كاربت" التى تحولت إلى مجرد فقرة فى "فرح بلدى" ، حيث نقلت عدسات التليفزيون شخصيات تسير على السجادة الحمراء لا علاقة لهم بالفن أصلاً وكل مؤهلاتهم أنهم من أصدقاء إدارة المهرجان وتربطهم علاقات بالقائمين على اختيار أسماء الضيوف ، أما الفعاليات التى تخللت أيام المهرجان فحدث ولا حرج حيث أقيمت العديد من الندوات بشكل مثير للدهشة وكانت باهتة لا لون لها ولا طعم ولا رائحة. ولم يعد خافياً على أحد أن المهرجان تحول إلى ما يشبه "العزبة" حيث يتم إدارته حسب الأهواء الشخصية وهو ما يمكن أن نلمسه بشكل واضح وصريح فى هذا الختام الباهت، ليس هذا فحسب بل أيضاً فى فقرة التكريمات "الخاصة" التى شهدها حفل الختام حيث تم تكريم أحد المنتجين الذين تربطهم علاقة عمل مع رئيس المهرجان الذى يعمل منتجاً أيضاً ، فضلاً عن ذلك فقد تم تكريم مدير مهرجان كان فى إشارة واضحة وضوح الشمس إلى أن هناك علاقات متبادلة بين إدارة المهرجان وإدارة مهرجان كان لضمان وصول دعوات لحضور مهرجان كان السينمائى الدولى.
أعتقد أن كل من تابع دورة العام الحالى من مهرجان القاهرة السينمائى وشاهد حفل الافتتاح "المرتبك" وحفل الختام "الباهت" أصيب بخيبة أمل وشعر بنفس الشعور الذى تملكنى وأنا أكتب الآن عن المهرجان ، فهذا الكم الهائل من الفوضى كفيل بهدم أكثر من مهرجان وليس مهرجاناً واحداً الأمر الذى يدفعنى للتساؤل: أليست كل تلك الجرائم التى تم ارتكابها فى حق المهرجان تعد من جرائم إهدار المال العام خاصة أن المهرجان يحمل اسم الدولة إلى جانب أنه على الرغم من ضعف ميزانية وزارة الثقافة فإن الوزارة وبقرار شجاع من الوزيرة الفنانة إيناس عبد الدايم زللت الكثير من الصعاب ووفرت كافة الإمكانات من أجل تنظيم المهرجان على مستوى كبير من الدقة.
وعلى الرغم من أننى لست من أنصار نظرية المؤامرة فإننى مضطر أمام كل تلك المخالفات والتجاوزات فى حق المهرجان لأن أصدق ما يقال فى الكواليس بأن الإدارة الحالية للمهرجان تضع نصب أعينها هدفاً رئيسياً هو القضاء على هذا الكيان الكبير وطمس تاريخ عريق فى مجال صناعة السينما التى بدأت فى مصر تزامناً مع ظهور هذا الفن فى فرنسا لدرجة أن الأفلام السينمائية كان يتم عرضها فى مصر وفرنسا فى نفس التوقيت وذلك فى إشارة قوية إلى ريادة مصر فى هذا الفن الساحر.
وبعيداً عن الانفعالات والتشنج فنحن أمام جريمة حقيقية ترتكب كل عام رغم تحذيراتنا العديدة، وهذه الجريمة لو استمرت فإننا وبكل تأكيد سوف نفاجأ فى يوم من الأيام باختفاء هذا المهرجان العريق من الساحة .. ووقتها لن يفيد الندم ولن يفيد العتاب، لذا فإنه ما زال أمامنا فرصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وذلك بوقفة حازمة وحاسمة مع الإدارة الحالية للمهرجان.. فالتجديد مطلوب وعملية ضخ دماء وأفكار جديدة أمر عاجل جداً وسوف ينعكس بشكل إيجابى على المهرجان خلال الدورات المقبلة.