الحب من ضروريات الحياة التى ينشأ ويكبر داخلها أبناؤنا، وتتضح هذه الأهمية عندما ندرك أنّ الوصول إلى مرحلة حب المجتمع لا بد أن تمر عبر حب العائلة، ومن جانب آخر لا يمكن بناء وتكامل القوى العقلية والفكرية لأطفالنا إلا فى ظل محيط هادئ ومليء بالحب وإلا سيصاب بالكآبة والاضطراب الفكرى، وحب الأم والأب وعاطفتهما أهم العوامل التى تعالج الطفل لدى مرضه ويزرع حنانها فى قلب الطفل الشجاعة والبسالة ويقوى عزمه فى مواجهة المشاكل والمصائب المختلفة بما فى ذلك المرض ويعتبر هذا فى حد ذاته عاملا هامًا على بناء شخصية الطفل ونموه صحيحًا فى كافة النواحى خاصة النفسية منها، وعاطفة الحب والحنان من الأهل للأبناء تجعلهم يشعرون بالأمان، فالطفل الذى يفقد الحب والاهتمام ويعانى من الحرمان العاطفى من عائلته سيبحث عن العاطفة والحب خارج المنزل متى أُتيحت له الفرصة، ما يؤدى إلى عواقب غير محمودة إذ يمكن أن يمنح هذا الطفل أو الطفلة اللذان أصبحا فى جيل المراهقة عواطفهم لمن يستغلها أسوأ استغلال، وهنا لابد لنا أن نقف على الحرمان العاطفى الذى تعانى منه الفتيات بصفة خاصة وخطورته على حياتهن، فإن الفتاة بطبيعتها تتميز بحساسيتها هذه القاعدة لها استثناءات لذلك علينا أن نذكر بأهمية سبغ الحنان والحب على الطفلة الأنثى، وإشباع رغبتها من الحنان الأسرى حتى نُبعد عنها شرار المراهقين وما على شاكلتهم وننأى بهن من الوقوع فى موقف ما لا نحب أن نراهن فيه، ولعل تركيزى على القوارير كما أسماهن النبى الكريم آمرًا بالرفق بهن، فيا أيها الأب رفقًا بالقوارير، وتذكر أيها الأب قول الحبيب "من ابتلى من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترًا من النار".
وأبناؤنا هم النعم الحقيقية التى يهبها الله لنا، إذ أنهم يستحقون إلى جانب جم وجل اهتمامنا الكلمات الجميلة والعبارات الطيبة التى نهديها لهم كل يوم لكى تزيد الحياة بهجة وجمالا، وما دفعنى للاهتمام فى هذا المقال ببناتنا هو تلك الأخبار المزعجة للقلب والعقل والتى تتعلق بتغيب الفتيات عن منازل أسرهن وبحث الأهالى عنهن فى كل مكان بل ويستعين بعض الأهالى بالصحفيين والإعلاميين وكل أصحاب المنابر الإعلامية للإعلان عن اختفاء بناتهم، وبكل أسف أغلب هذه الحوادث تكون قد حدثت بكامل إرادتهن وحوادث الخطف قليلة ولا تكاد تُذكر إلى جانب حالات الاختفاء برفقة الحبيب المزعوم أو رفقاء السوء، وهنا يجب أن نشير إلى أن بناتنا من المختفيات أو اللاتى خرجن من المنزل إلى المدرسة أو الكلية أو سنتر الدرس الخصوصى أو للذهاب لإحدى الصديقات أو الأقارب ولم يعدن، كن قد خرجن نفسيًا ووجدانيًا من أسرهن منذ شهور أو ربما سنوات ولم تلتفت الأسرة إلى ذلك ولم يشعر بهن أحد ولم تنتفض الأسرة إلا عندما غاب الجسد ولم يعد، بينما وبكل أسف النفس والروح كانت غير موجودة منذ فترات بعيدة ولم يلاحظ ذلك أقرب المقربين، ونحن نكون أول المخطئين بل ونكابر بكل عنجهية فى غير محل للمكابرة والجدال "إحنا مربيين بناتنا كويس، بنتنا مؤدبة"، ومن قال غير ذلك نعم هن أفضل الناس ولكننا جميعًا قصرنا فى حقهن فكانت هذه هى النتيجة، البنت تحتاج إلى قلب مفتوح وأذن صاغية وطول بال وصبر من أمها، بل تحتاج إلى أم صديقة منذ نعومة أظافرها.. صديقة تنمو معها عاما بعد عام، لا تحتاج إلى أم ترتدى قناع الصداقة بينما هى فى حقيقتها مفتش ومرشد ومخبر على ابنتها ما يُفقد ابنتها الثقة فيها ويجعلها تبحث عن البديل رغم أن البديل لن يحمل لها جزءا صغيرا مما يحمله قلب أمها فهى بالفعل قلب أمها ولكن أمها فشلت فى إطلاعها على ذلك.
تحتاج بناتنا فى مراهقتهن إلى أم وأب يجيدان قراءة ملامح ابنتهما بحكمة فيعرفان بوادر قلقها أو انزعاجها وخوفها ويحتضنانها مبكرًا قبل أن تجد راحتها خارج أبواب منزلها وبعيدًا عن حضن أسرتها، تحتاج إلى من يسمعها بأذن صاغية وقت احتياجها هى وليس وقتما كان مناسبًا لوالديها وهذه نقطة جوهرية فنحن نسمع أولادنا وقت ما نريد وليس وقت ما يريدون هم وهو خطأ شائع يجب السعى الفورى لتصحيحه والثورة عليه، خاصة فى عصر السماوات المفتوحة وتجار الحب والعاطفة المزيفة من كل مكان وعلى كل الألوان والأشكال، فنحتاج أن نُشبع بناتنا عاطفيا حبا وحنانًا وأحضانًا، يحتجن منا إلى تقدير بالقول والفعل معًا، تحتاج أن نُطرب مسامعها نحن والديها أنها جميلة الشكل والخصال والتربية والأصل والثقافة والتعليم.. تحتاج منا منحها الثقة والتشجيع لنكون نحن مصدر الدفع للمستقبل المشرق فى حياتها، نحتاج أن نكتسب ثقة بناتنا فبناء الثقة بين البنت وأسرتها أصعب وأهم من بناء منزل جديد أو التفكير فى مشروع تجارى قادم، بناتنا هم أهم وأعظم وأقدس مشروع فى حياتنا ونجاحنا فى إخراج سيدات صالحات تفيد أسرهن ومجتمعهن وأمتهن أسمى ما نبغى ونبتغى.
وبناء الثقة بين البنت وأسرتها أهم بكثير من أسلوب التفتيش والضغط والكبت، خاصة وأن معطيات العصر التكنولوجية أبطلت كل ذلك تماما والأبناء أكثر مهارة من الوالدين فى التعامل معها وبالتالى أسلوب الغلق والمنع لن يجدى ابدًا، بل قد تتفوق البنت على والديها فى ممارسة وسائل الإتصال وقد تؤذى نفسها وأقرب الأقربين لا يعلم، فالجميع يعلم أن الوضع تغير والمعطيات تغيرت وبالتالى فتغير فكر وأسلوب التعامل مع بناتنا أصبح واجب وأمر حتمى لا خيارات فيه، علينا إخبارهم بمن نحن وترسيخ هويتنا داخلهم وإطلاعهم على كل ما ينفعهم من تجارب حياتية تنمى خبرتهم فى الحياة وتضيف إليهم خبرات حياتية يستطعن بها التعامل بحرفية مع هذه الحياة السريعة والمتقلبة والمتغيرة، افتحوا لهن الحضن والقلب والفكر وإجعلوا جسور الحوار والثقة والصبر وإجعلوا الذهن المنفتح دائمًا ممتدًا معهن مع غرسهن فى علاقة حقيقية بالله وتشجيعهن عليها، إزرعوا بداخلهن حب الله والتودد إليه والخوف منه ومراقبته فى السر والعلانية، وإحذروا أن تكونوا أنتم من يدفعنهن إلى ما تكرهون أشعروهن بحبكم وثقتكم فيهن وفى قدرتهن ورغبتكم فى رؤيتهم وأشقائهم أحسن الناس أخبروهن بحبكم وشوقكم إليهن حتى فى وجودهن أمامكم أطلعوهن على سر الأسرار وانكم تخافون عليهن حتى من أنفسهم، حبوهن فى السر وأخبروهن بحبكم وثقتكم فى العلانية، ورفقًا بالقوارير.