محمود الشويخ يكتب: « أبواب الجحيم » هل يحرق "بارود" بوتين العالم؟
- ماذا قالت تقارير المخابرات المركزية الأمريكية عن الجحيم الروسى الذى ينتظر أوكرانيا؟
- كيف يجهز "الكى جى بى" لعملية "الثأر الحاسم"؟.. وما الذى قاله "القيصر" عن "الردع النووى"؟
- لماذا تخاطر موسكو بغزو كييف؟.. وتفاصيل خطة "الخطف السريع" للانتصار دون خسائر .
ليس من عادتى أن أنزل إلى نفس النهر مرتين متتاليتين.. ويأبى قلمى أن يتجمد عند موضوع واحد لأسابيع متتالية.. لكن الحوادث ساخنة وإن كانت تجرى فى بلاد الجليد!
فى نفس المساحة وعند نفس الموضوع - أقصد الحرب الروسية الأوكرانية - توقفنا الأسبوع الماضى.. وكانت الآمال كبيرة فى الوصول لتسوية مقبولة تمنع الجنون عن عالم فقد عقله منذ سنوات.
أكتب هذه الكلمات والحرب قاب قوسين أو أدنى.. وربما وأنت تقرأ تكون الطلقات قد غادرت مخازنها ويعلم الله وحده متى ستتوقف النيران وكم ستأكل فى طريقها.
لا حديث فى العالم الآن إلا عن الحرب الروسية -الغربية ولا أقول هنا الروسية- الأواكرانية.. فهذه أزمة تتجاوز حدود أوكرانيا إلى مواجهة - نسأل الله ألا تحدث - بين روسيا من جهة والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى.
وهذه المواجهة ستأخذ فى طريقها الكثير.. وستدخل العالم فى أتون صراع سيصيب أذاه الجميع على امتداد الكرة الأرضية.. التى لا تزال تحاول التعافى من آثار جائحة كورونا المدمرة.
وحتى نفهم ما يحدث ببساطة فإن أوكرانيا تهدف إلى عضوية منظمة حلف شمال الأطلسى، والاتحاد الأوروبى، وترى أن مستقبلها مع الأوروبيين، فانضمامها للاتحاد سيوفر لها الكثير من المزايا الاقتصادية التى يقدمها الاتحاد الأوروبى، أما الانضمام إلى حلف شمال الأطلسى فيوفر لها المظلة الأمنية وحماية وجودها، وهو ما يعنى أن الناتو سيكون على أبواب روسيا.
أما التهديد المباشر الذى تخشاه روسيا فهو توجه أوكرانيا نحو المؤسسات الأوروبية، ومطلبها الرئيسى هو منع انضمامها إلى الاتحاد الأوروبى الذى يضم 27 دولة فى القارة، أو حلف شمال الأطلسى "الناتو"، أو حتى امتلاك بنية تحتية للناتو على أراضيها، حيث إن ذلك يعنى أن أوكرانيا عضو فى اتفاقية الدفاع المشترك الأوروبى، وبالتالى وجود قوات الحلف وقوات أوروبية على الحدود الروسية.
بينما يتمثل الإطار الأبعد للمصالح الروسية فى إعادة ربط الدول التى كانت تشكل فى السابق الاتحاد السوفييتى قبل انهياره، لمنافسة الاتحاد الأوروبى بل والولايات المتحدة والصين أيضاً، ويعد ذلك أمناً إستراتيجياً للجانب الروسى وخاصة للرئيس فلاديمير بوتين الذى يهدف إلى إبقاء أوكرانيا فى الدائرة الإستراتيجية الروسية، ويعزز ذلك أن لدى روسيا روابط اجتماعية وثقافية واقتصادية قوية مع أوكرانيا.
لكن النقطة الأخطر أن الآثار الاقتصادية للحرب قد لا يتحملها العالم، بدءا من تأثيرها على أسواق الطاقة، الحبوب، وسندات الدولار وأسواق الأسهم.
وبحسب تحليل لوكالة "رويترز"، فإنه يمكن إجمال محاور اقتصادية رئيسية ستضرب بحرب أوكرانيا وروسيا.
وفى التفاصيل؛ من المرجح أن يكون لأى انقطاع لتدفق الحبوب من منطقة البحر الأسود تأثير كبير على الأسعار وأن يضيف المزيد من الوقود إلى تضخم أسعار الأغذية فى وقت تشكل فيه القدرة على تحمل التكاليف مصدر قلق كبيرا فى جميع أنحاء العالم فى أعقاب الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الوباء.
ويقوم أربعة مصدرين رئيسيين، هى أوكرانيا وروسيا وكازاخستان ورومانيا، بشحن الحبوب من موانئ فى البحر الأسود، لكنها قد تواجه اضطرابات بسبب أى عمل عسكرى أو عقوبات.
ومن المتوقع أن تكون أوكرانيا ثالث أكبر مصدر للذرة فى العالم فى موسم 2021/2022 ورابع أكبر مصدر للقمح، وفقا لبيانات المجلس الدولى للحبوب، فيما روسيا هى أكبر مصدر للقمح فى العالم.
وقال دومينيك شنايدر، الخبير الإستراتيجى فى بنك يو بى إس لوكالة رويترز إن "المخاطر الجيوسياسية ارتفعت فى الأشهر الأخيرة فى منطقة البحر الأسود، مما قد يؤثر على أسعار القمح المقبلة".
ومن المرجح أن تتأثر أسواق الطاقة إذا تحولت التوترات إلى صراع.
وتعتمد أوروبا على روسيا للحصول على حوالى 35 بالمئة من الغاز الطبيعى، ويأتى معظمها من خلال خطوط الأنابيب التى تعبر بيلاروس وبولندا إلى ألمانيا، ونورد ستريم 1 الذى يذهب مباشرة إلى ألمانيا، وغيرها من خلال أوكرانيا.
وفى عام 2020، انخفضت كميات الغاز من روسيا إلى أوروبا بعد أن خفضت عمليات الإغلاق الطلب ولم تتعاف التوريدات بشكل كامل فى العام الماضى عندما ارتفع الاستهلاك، مما ساعد على رفع الأسعار إلى مستويات قياسية.
وكجزء من العقوبات المحتملة فى حالة غزو روسيا لأوكرانيا، قالت ألمانيا إنها قد توقف خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 الجديد من روسيا.
ومن المتوقع أن يزيد خط الأنابيب من واردات الغاز إلى أوروبا، لكنه يؤكد أيضا اعتماده على موسكو فى مجال الطاقة.
وقال محلل السلع فى SEB بيارن شيلدروب إن الأسواق تتوقع أن تنخفض صادرات الغاز الطبيعى من روسيا إلى أوروبا الغربية بشكل كبير فى حالة فرض عقوبات.
وفى القطاع المالى، تتركز المخاطر فى أوروبا، وفقا لحسابات جى بى مورجان.
ويتوقع أن تتأثر بنوك أوروبية عدة بالحرب المحتملة، كما أن البنوك الفرنسية والنمساوية لديها النسبة الأكبر بين المقرضين الغربيين لروسيا حيث تبلغ مستحقاتهما معا نحو 41 مليار دولار، ويليهم المقرضون الأمريكيون بمبلغ 16 مليار دولار، واليابانيون بقيمة 9.6 مليار دولار، والبنوك الألمانية بقيمة 8.8 مليار دولار، وفقا لبيانات بنك التسويات الدولية (BIS).
وستكون الأصول الروسية والأوكرانية فى طليعة الخاسرين من أى تداعيات للأسواق من العمل العسكرى المحتمل.
وكان أداء السندات الدولارية لكلا البلدين أقل من أداء نظيراتها فى الأشهر الأخيرة مع تقليص المستثمرين لخططهم وسط تصاعد التوترات بين واشنطن وحلفائها وموسكو.
فى حين تقلص الوضع العام لروسيا فى أسواق رأس المال فى السنوات الأخيرة وسط العقوبات والتوترات الجيوسياسية.
وعانى الروبل الروسى والهريفنا الأوكرانية أيضا، مما يجعلهما أسوأ عملات الأسواق الناشئة أداء حتى الآن هذا العام.
وقد سعدت بشدة حين قرأت تصريحات وزير التموين الدكتور على المصيلحى الذى أكد أن مخزون القمح آمن ويكفى ٥ أشهر، إذ تعد أوكرانيا وروسيا من الموردين الرئيسيين لمصر، أكبر مستورد للقمح فى العالم.
ووفق بيانات فقد اشترت مصر حوالى 50% من مشترياتها من القمح العام الماضى من روسيا وحوالى 30% من أوكرانيا.
وقال أليكس سميث، المحلل الزراعى فى معهد Breakthrough لصحيفة Washington Post، إن التهديدات لصادرات القمح الأوكرانية تشكل أكبر خطر على الأمن الغذائى العالمى.
وأشار سميث إلى أنه فى عام 2020، جاء نصف القمح المستهلك فى لبنان من أوكرانيا، وتستورد اليمن وليبيا على التوالى 22% و43% من إجمالى استهلاكهما من القمح من أوكرانيا.
وفى عام 2020، صدرت أوكرانيا أيضًا أكثر من 20% من القمح لماليزيا وإندونيسيا وبنجلاديش.
كما تُعد مصر مشتريا رئيسيا للقمح الأوكرانى، لذلك فإن ارتفاع الأسعار المحتمل للقمح الأوكرانى قد ينعكس سلبًا على مصر.. وهو ما انتبهت إليه الدولة المصرية وبدأت التحرك بشكل سريع لعلاجه.
ووفق الوزير المصيلحى فإن الحكومة عملت على تنويع مصادر استيراد القمح فى مسعى لتأمين احتياطياتها الإستراتيجية، مشيرا إلى أن الدراسات فيما يتعلق بالتحوط من تقلبات أسواق القمح لا تزال جارية، حيث تم تشكيل لجنة فى وزارة المالية لدراسة سياسات التحوط وسيتم استكمال المناقشات مع بداية الشهر المقبل بحيث يتم بحث جدوى هذا الإجراء من عدمه.
إننا لا نملك فى هذه اللحظات العصيبة سوى الدعاء بأن تمر هذه الأزمة بسلام على الإنسانية جمعاء.