كيف ينطلق بهذه الحرية أصحاب إعلانات النصب والاحتيال الذين يكذبون عامدين، باستغلال معاناة المرضى للاستيلاء على أموالهم، بعد الإيقاع بهم فى أوهام الشفاء المؤكد العاجل من أمراض مستعصية؟ كيف يَدَّعون بعبارات صريحة أن لديهم الدواء الشافى من أمراض كثيرة، مثل السكر وضغط الدم والروماتيزم والسمنة والنحافة والصمم وضعف البصر وآلام العمود الفقرى والمفاصل ومشاكل الركبة وسقوط شعر النساء وعلاج صلع الرجال، بل حتى سد فجوات اللحية، وحتى علاج السرطان، إضافة إلى موضوعهم الأثير بأن لديهم منشطات سحرية تحل كل المشاكل.. إلخ؟ كل هذا فى حملات تهاجمك من كل نافذة، التليفزيون والموبايل ومواقع الأخبار ومواقع التواصل، حتى وقع الجميع فى مصيدة مشاهَدتها إجباريًا وصار من الصعب أن تحمى نفسك من اقتحاماتها! وكما ترى فقد تدهورت الأحوال إلى درك ارتكاب ترويج إعلانات تنشر ما يمكن المساءلة عنه قانونًا، ولكنها لا تزال مستمرة وتزداد اتساعًا، دون إجراءات مانعة أو رادعة، ودون محاسبة المنابر التى تقبل نشرها! فأين نقابات الأطباء وشركات الأدوية وجمعيات حماية المستهلك؟ وأين القضايا ضد هذه الجرائم؟ وكذلك فإن هذه الحملات تسير عكس قواعد وفنون الإعلان التى تحترم خصوصية الجماهير التى من مستهدفات الإعلان أن تكسبها بالتراضى للإقبال على السلعة أو الخدمة المعلن عنها. فدارسو الإعلان يعرفون أن هناك فرقًا بين مرحلتين: الأولى، لفت نظر الجمهور، والثانية، جذب نظره، وكان النموذج الكلاسيكى فى التوضيح استخدام المصابيح التى تتذبذب فى الإضاءة والإطفاء مما يلفت نظر العابرين، ثم عندما يلتفتون يمكنهم أن يقرأوا المادة المهمة عن اسم السلعة أو الخدمة مع الشعار المصاغ بدقة فينجذب متلقى الإعلان إلى التعامل مع المُعلَن عنه. وأما الآن فلا لفت ولا جذب وإنما اعتقال النظر وتكتيفه بإعلانات تغطى المادة المطلوبة على بعض المواقع وعندما تحاول إلغاء الإعلان يظهر سؤال عن سبب رفضك، ثم دوَّامة أسئلة تظل تحجب عنك رؤية مادتك. لاحظ أن الإعلانات المشار إليها غير إعلانات الدجل الأخرى التى تعتمد على الشعوذة، مثل المساعدة على كسب الحبيب ورد المطلقة وفك السحر.. إلخ حالة المدعى المذكور "الشهير بأحمد كركمين" ليست فردية، وإنما جزء من ظاهرة وجود مدعين يكثفون ظهورهم فى بعض قنوات "بير السلم" ومواقع التواصل على أنهم أطباء أو معالجون، وهم مجرد دجالين ونصابين يعلنون عن مؤهلات أو تخصصات مزيفة أو وهمية، لدرجة أن كل من هب ودب أصبح يمكنه تعليق لافتات تزدحم بـ"الدكتوراهات والزمالات والشهادات الدولية" فى تخصصات نادرة، مستغلين أدوات التواصل وقنوات يوتيوب وبعضهم لم يحصل على أى شهادات، وينصبون شباكهم فى العالم الافتراضى. وهناك بعض السذج يصدقون هذا ويقعون ضحايا، وهؤلاء المزيفون يزاحمون الأطباء الحقيقيين، الذين حذر بعضهم المرضى من الإنصات لهم، لكن بعض المرضى يقعون ضحايا، تحت ضغط الإلحاح أو التصديق ولا ينتبهون إلى التحذيرات ويدفعون للنصابين ثمن ما يضرهم. هناك عشرات البوستات والتقارير تروج على مواقع التواصل لأدوية وعلاجات ومراكز وهمية، وقنوات الخزعبلات غير المرخصة وبعضها يبث من الخارج، هذه القنوات والمواقع تسوق للخبراء المزعومين ممن يروجون لعلاج وهمى. ويشتهر المزيفون على مواقع التواصل ويبيعون منتجات يزعمون أنها تعالج الأمراض المناعية المستعصية كالبهاق أو الصدفية أو حتى السرطان، فضلًا عن منشطات ومكملات ومقويات أو أدوية وعقاقير للتخسيس والتسمين والصلع والحواجب تباع فقط "أون لاين"، مع خدمة التوصيل ولا يمكن مقاضاة من يروجونها، لأنهم افتراضيون يصعب العثور على عناوينهم أو أماكنهم يروجون أعشابا أو منشطات وعلاج الأظافر والتجميل، وعندما يتعاطاها المرضى يكتشفون أنها كيماويات ضارة أو مجرد سوائل وكبسولات ملونة ومجرد عبوات بلا فاعلية. ومرات كثيرة نقلنا تحذيرات الأطباء من أن المدعين والجهلاء الذين يقتلون المرضى بوصفات وعلاجات وهمية استنادًا إلى الدعاية المكثفة فى قنوات "بير السلم" ومواقع التواصل التى تمنح النصابين مكانة أكبر مما يحتله المختصون ويتسببون فى قتل المرضى وكثير من الأطباء يحذرون من الأطباء المزيفين، وهذا جزء من ظاهرة تحويل الطب إلى سلعة مثل المنظفات أو الموبايل وربما تكون هذه فرصة لتطبيق القانون على قضية الإعلان عن الطب والأدوية. إن هؤلاء ما هم إلا تشكيلات عصابية ممنهجة تختلف طرق النصب فيها ولكن الهدف واحد، فاحذروهم.. وللحديث بقية.