نصوم نحن المصريين فى شهر رمضان المبارك مع كافة المسلمين فى أنحاء المعمورة ولكن الطقوس والعادات المصاحبة لهذا الشهر الكريم في مصرنا يختلف ويتميز عن سائر البلاد والعباد وذلك منذ أن عرف المصريون صيام رمضان، حيث دائمًا ما تهل علينا نسائم الشهر الفضيل ونحن فى أشد الحاجة إلى الراحة فى رحابه بعد عناء نعيشه كسباق طويل يستغرق 11 شهرًا نتوقف أو نحاول أن نتوقف في رمضان علي أمل أن نحصل علي قسطًا من الراحة فى كنفه ورحابه علي أمل أن نستريح من عناء التدافع اليومى من أجل الكسب المادى، شهر يسعي إليه من يفهمه ويقدره ليحصل فيه علي الدافع والدفع للإستمرار في العمل والكسب والسعي بعد أن ينهل من رحمات ونسمات هذا الشهر الذي تتجلي فيه الروحانيات والرحمات والتجليات الربانية، هذا الشهر الذي وصفه خاتم الأنباء والمرسلين بأن أوله رحمة وووسطه مغفرة وآخره عتق من النار، الله أسأل أن يجعلنا جميعًا من الفائزين في هذا لشهر الكريم وأن يبلغنا جميعًا ليلة القدر ويعيننا فيه علي الصيام والقيام.
ولأنني كحضراتكم جميعًا نعشق مصرنا الغالية عشقًا تشبعنا به وكبر داخلنا ونمي وزاد وإزداد كما كبرنا، فدعونا نتحدث رمضاننا في مصر المختلف عن كل البلدان، فرمضان فى مصر ليس فقط مناسبة أو شهرًا أو عيدًا دينيًا، ولكنه مناسبة قومية ورمز بكل معنى الكلمة، نعم فرمضان فى مصر يعيشه المصريون جميعًا كالعادة نسيجًا واحدًا غير قابل للفصل، مسلمين وأقباط يعيشونه معًا على نحو فريد وجميل ومثير، فالأقباط غالبا ما يتناولون غذاءهم وقت إفطار المسلمين أو معهم فى الموائد والعزومات، قبل أن ينتظروا معًا طقوس رمضان فتجد هذا القس يشارك في صكوك أطعام الصائمين في رمضان وذاك يشارك في تعليق الزينة والفوانيس وربما داخل الكنيسة نفسها والجيران من أقباط ومسلمون يتسابقون نحو التعاون في تزيين الشوارع والحارات بل وكنيسة تعد مائدة رحمن لإفطار الصائمين، ناهيك عن سهرات رمضان حتى الفجر التي يعيشها المسلمون والأقباط معًا، سواء فى بيوتهم أو خارجها، هذا هو رمضاننا في مصرنا رمضان بطعم الوطنية والحب والإخلاص لله ثم للوطن.
ويأتى شهر رمضان لنخلو إلى أنفسنا، ونتخلي عن الشراهة التى ميزت عصرنا الحديث وجعلتنا لا نستمتع بما لدينا حتي وإن كثر لأننا نلهث من أجل مزيد قد لا نحتاجه لكننا اعتدنا على الجرى فى سباقات لا تنتهى ولا تُشبع، لذلك أري أن رمضان فرصة للوقوف مع النفس نسائلها عما نفعله فربما نجد فى شهر رمضان المعنى الذى نسيناه فى انشغالاتنا إنه شهر الالتقاء بالمعنى والمضمون والأبقي، وترك ماراثونات البحث عن المغانم التي نبحث عنها ولن تستمر معنا فالعام كله يجري ونجري جميعًا لهثًا خلفه، ليعوضنا رب العزة بشهر فيه كافة أنواع وألوان ودرجات علاج النفس البشرية من كل داء شهر نستطيع فيه محاسبة أنفسنا والعودة لله في موسم للفرص (أوكازيون) للفوز برضي رب العزة فيه ليلة -نسأل الله أن نفوز بقيامها وأن يتقبلها منا- خيرًا من سنوات كثيرة ربما أكثر من أعمار الكثير منا، فلو أدركنا معني وفائدة وفوائد وبركات ونفحات شهر رمضان، لتمنينا من حبات قلوبنا أن تكون كل الشهور رمضان حتى تظل بركته تلازمنا ولا ننشغل عن عبادتنا ونتمسك دائما بأخلاقيات رمضان، علينا التأمل ومراجعة أنفسنا وأن نتمنى الخير لمن حولنا كما يفغل فينا رمضان حتي يعود ذلك علينا وعلى مجتمعنا فصلاح الأمم يبدأ بالنفس وأن يسعى كل منا إلى التنافس على الصدقة ولو بالكلمة الطيبة وأن نجعل من الشهر الكريم فرصة لصوم حقيقى ليس عن الطعام والشراب فقط بل عن كل ما يؤذى وأن نعامل الناس كما نأمل أن يعاملونا، حتى تعم المحبة والتسامح والخير.
وتستطيع أن تتأكد أنه في شهر رمضان الكريم يمنحنا الله فرحة غامرة وإقبال علي الخير يدل عليها قول رسوله "للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه"، كما أن الله عز وجل يفرح بنا حين نلجأ إليه راجين رضاه لذلك تأتي الفرحة في رمضان برحمة الله ومغفرته والعتق من عذابه نفرح فيه بمنح وعطايا الله لنا والتي لا تُحصى نفرح لفتح أبواب الجنات وإغلاق أبواب النيران نفرح لنداء من قبل الله "يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر"، نفرح لصناعتنا الفرحة على وجوه الفقراء والمساكين راجين ثواب الله نفرح ونفخر ونتفاخر بتكافلنا وتراحمنا وصلة أرحامنا، تجدنا جميعًا نُقبل على المواسم الدينية والأعياد فرحين يدفعنا الفرح بالعبادة ونجده دافع للإقبال على الحياة ومعين على طاعة الله، يبقي أن أذكر نفسي وحضراتكم كما إعتدنا في هذا التوقيت من كل عام أن رمضان هو شهر للعبادات والتقرب إلي الله وإكتشاف الجانب الديني وتنمية الروح والأخلاق والوازع الديني والنفسي والإجتماعي والتكافلي، لا شهر لمخالفة كل التعاليم بمتابعة تلك الأعمال المُلصقة كذبًا بالفن وتلفيقًا بالإبداع التي يخرج علينا بها أولئك المبتذلين من أشباه النجوم ومبدعي الإنزلاق الفني ومصدري الدراما الخبيثة من المغمورين الذين يتصدرون القنوات الفضائية بحثًا عن سرقة أفضل أشهر العام منك ليحققوا نجاحًا ومكسبًا ماديًا علي حسابك أنت وأسرتك وعلي حساب دينك وإخلاصك في عبادة الله، أذكر نفسي وحضراتكم بضرورة مقاطعة البرامج التافهة التي تُصدر اللا شيء سوي الهبوط الفني والقيمي والأخلاقي، علينا مراقبة أولادنا وذوينا ومنعهم من مشاهدة ملهياتهم وتلك الأعمال التي تؤصل لإنحدار أخلاقي نحاربه ونرفض وجوده بيننا وإلا فسيضيع رمضان ويضيع من هم مسؤولين منا امام الله ثم الوطن.
وبالفعل وككل عام وكظاهرة سنوية تظهر بعض دعوات المقاطعة للمسلسلات والبرامج من المروجين للأفكار المرفوضة واللا أخلاقية ودعوات أخري تنادي أن الغرض هو تخصيص الشهر كله للعبادة في كل أوقاته وساعاته وأن هذا هو أصل الشهر الفضيل إلى جانب العمل والإجتهاد فيه، وأيضًا في كل عام يتعهد الناس على مواقع التواصل الاجتماعي وفي القعدات والإجتماعات قبيل وخلال أول أيام الشهر بالإجتهاد في العبادات والقيام بالأعمال الصالحة، وما هي إلا أيام من بداية الشهر الفضيل حتى تتحول التعهدات إلى أماني وأوهام ويقبل الجميع -إلا ما رحم ربي- على المسلسلات والبرامج التافهة وكثرة النوم وقلة الإنتاجية، لذلك صممت في أول مقال لي تزامنًا مع شهر رمضان المبارك أن أذكر حضراتكم بأن دعوات المقاطعة تفشل كل عام وأملي في الله أن تنجح هذا العام ونستطيع مقاطعة الأعمال التي لا قيمة لها ولا فكر فيها علي الأقل، فالأعمال التي نشاهدها بلا فائدة مضيعة للوقت في الدنيا وحصرة وندم في الدنيا والآخرة … اللهم قد بلغت اللهم فإشهد …. وتذكر دائمًا أن رمضان فرصة للراحة في الدنيا ونعيم الآخرة.