محمد فودة يكتب: شيرين عبد الوهاب.. "الموعودة بالأزمات"
◄ موهبة كبيرة فى عالم الغناء و"محمية طبيعية" فى دنيا النغم
◄شيرين تجسيد حقيقى للأغنية المصرية "الراقية" فى أروع صورها
◄أثق أن تعود شيرين أقوى مما كانت وتواصل مشروعها الغنائى المتكامل والمختلف عن كل مطربات جيلها
مما لا شك فيه أن الظواهر تولد شامخة ولا تنحنى ولا تموت مهما كانت التحديات، ومهما واجهت من عواصف ورعود، وفى نظرى أن النجمة شيرين عبدالوهاب بمثابة "محمية طبيعية" وظاهرة حقيقية وموهبة ساطعة وصاحبة تاريخ غنائى كبير ومؤثر، إلا أننى أصبحت أخشى عليها وعلى موهبتها الكبيرة من الدمار والتدمير، خصوصًا أن أخبار أزماتها ومشكلاتها وخلافاتها، أصبحت تتصدر الساحة عن أخبار نجاحاتها وإنتاجها الفنى وأعمالها وحفلاتها، والمفارقة أن شيرين هى من تعرقل نفسها بنفسها. وهذا ما جعلنى أكتب لها رسالة عتاب على قدر محبتى لموهبتها وصوتها العذب الشجى، كى تفيق وتعى أنها إذا استمرت فى المشاكل والخلافات العائلية والعاطفية سوف نخسر موهبة كبيرة اسمها "شيرين عبدالوهاب" واسمها هذا له وزنه فى عالم الغناء فى مصر والوطن العربى.
وعلى الرغم من أننى أعلم جيدًا أن النفس البشرية حيرت الأنبياء وأرهقت الفلاسفة والمفكرين بطبيعتها إلا أننى ألوم على شيرين عبدالوهاب فى بعض المواقف التى تضع نفسها فيها خصوصًا مواقفها العاطفية والعائلية التى أصبحت حديث القاصى والدانى، حيث يجب عليها أن تنتبه أن مثل هذه الأشياء تخصم من رصيدها عند الجمهور، كما أن لديها ابنتين أيضًا يجب أن تخشى عليهما وعلى نفسية كل واحدة منهما، فشيرين عبدالوهاب لا تمثل نفسها فقط بل تمثل كل هذا الجمهور الذى يحبها ويعشق فنها فى كل العالم، كما أنها واحدة من النجمات التى كانت ولا تزال تمثل ركيزة أساسية من ركائز القوة الناعمة فى مصر وتتبوأ مكانة كبيرة بالوطن العربى.
وصحيح أن النجومية قد تفرض على الفنان سلوكيات معينة فى حياته وهذا أمر طبيعى لكن عندما يقع الفنان فى بحر من المشاكل لابد أن يستيقظ ويفيق قبل أن يغرق ويقضى على نفسه، والحرب النفسية التى تتعرض لها شيرين عبدالوهاب هى فى حقيقة الأمر ليست حربًا بمفهومها التقليدى بل إن أقل ما يمكن أن توصف به أنها مجرد حماقات لا علاقة لها بالإنسانية، لكنها من الممكن أن تؤدى بها إلى التهلكة، خاصة وهى من المطربات القلائل اللاتى يحملن قلبًا أبيض حيث نجدها تتعامل مع الآخرين بتلقائية شديدة وعفوية تامة بعيدة كل البعد عن أشكال التصنع التى هى السمة الغالبة على معظم العاملين فى مجال الفن.
وللحق ورغم انتقادى لبعض مواقف شيرين فى الفترة الأخيرة إلا أنها مازالت تمتلك قدرة فائقة من خلال صوتها الملائكى على أن تصنع لكل من يستمع إليها حالة خاصة به وكأنها تقدم لكل مستمع مناخًا خاصًا به وتضبطه على مقاسه وهذه موهبة وقدرة خاصة جدًا أراها من أهم ما يميز قدرات شيرين عبدالوهاب، حيث لم تسجن نفسها فى قالب محدد أو أسلوب ثابت فى الغناء وذلك لأنها تسعى وبشكل دائم نحو التجديد والتطوير والبحث عن كل ما هو جديد وجميل وكل ما يمكن أن يصنع البهجة لجمهورها الذى يشكل مختلف فئات المجتمع ويضم كافة الأعمار الكبار والصغار على حد سواء. وشيرين ليست نجمة عادية بل إنها استطاعت بالفعل أن تحقق شهرتها ونجوميتها الطاغية من كونها فنانة بسيطة لكل فئات المجتمع وتقدم لنا وبشكل دائم فنًا جميلًا خارجا عن المألوف فنًا تنتقى كلماته وألحانه بعناية فائقة، فقد عرفت منذ بداياتها الأولى بأدائها التلقائى والخارج عن أساليب ووسائل الأداء المعروفة والمعتادة من المطربين والمطربات وهم يقفون أمام جمهورهم على خشبة المسرح حتى أصبحت وبكل تأكيد فى صدارة المشهد حيث تعتلى بالفعل عرش النجومية والتميز والتألق وذلك لما تتمتع به من كاريزما وقوة شخصية تجعل لها مذاقًا مختلفًا سواء وهى تغنى أو تتصرف بتلقائية بعيدًا عن الافتعال أو التكلف. وللحق فإننى كلما التقيت بها أشعر وكأننى أعرفها لأول مرة فهى متجددة دائمًا وحريصة كل الحرص على تطوير نفسها والبحث عن أشكال جديدة من الغناء لتمتع به جمهورها الذى أحبها ووقف إلى جوارها منذ بداية ظهورها وظل يدعمها ويشجعها حتى أصبحت فى الصفوف الأولى بين نجوم الغناء.
وحينما أكتب عن شيرين عبدالوهاب فإننى لا أكتب عن حالة خاصة أو عن فنانة أقدرها وأحترم فنها وإنما أتناول الأغنية المصرية الراقية فى أروع صورها، فحينما تشدو بأغنياتها الوطنية تجدها وقد صنعت حالة خاصة جدًا من الشعور بالارتباط بتراب هذا الوطن لأنها حينما تغنى لمصر فإنها تغنى بإحساس صادق بعيدًا عن الافتعال أو التكلف. فشيرين لها كيانها الخاص والمختلف وباختياراتها المفاجئة دائمًا كانت تكسب الرهان، حتى فى عصر الأغانى المنفردة نجحت شيرين فى تحويله إلى عصر الألبوم دون عناء ومع كل ميعاد طرح ألبوم تخطف الأنظار بالمضمون والأداء ويكون الألبوم الغنائى نقلة نوعيّة لمسارها الفنى أولًا وللأغنية ثانيًا. فقدمت أغنيتها "آه ياليل" والتى أحدثت ضجة غير طبيعية فى عالم الموسيقى والغناء وصنعت نقلة حقيقية فى دنيا الطرب وأصبح الجميع فى كل مكان يسمع أغنية "آه يا ليل"، لتؤكد شيرين على نجاحها بألبوم آخر بعنوان "جرح تانى" يحلق بها فى السماء وتبقى المطربة الأكثر طلبًا فى الحفلات والمهرجانات الغنائية ويسطع نجم شيرين عبدالوهاب، لتصل للقمة وتكمل مسيرتها بعدد مهم من الألبومات، "لازم أعيش، بطمنك، حبيت، إسأل على، أنا كتير"، إضافة إلى أغانيها الفردية مثل "مبتفرحش، مشربتش من نيلها، هو ده، على ايدك"، إضافة إلى أهم الدويتوهات مع أهم المطربين فى العالم العربى مثل "العام الجديد" مع النجم فضل شاكر، و"قلبى ليك" مع هانى شاكر، و"الدين تمام الأخلاق" مع نجوى كرم.
وخلال مسيرتها الغنائية حققت شيرين نجاحات مختلفة ومبيعات خيالية فى سوق المبيعات وتصدرت شيرين بألبوماتها المراكز الأولى بألبومات "جرح تانى ولازم أعيش وحبيت وأنا كتير" وغيرها، ومثلت شيرين مصر فى معظم أكبر مهرجانات مصر والوطن العربى موازين وافران بالمغرب وقرطاج وصفاقس بتونس وفبراير الكويت وأوبرا الكويت وأوبرا دبى وحفلات جماهيرية بالقرية العالمية وحفلات سوريا والسودان وفى لبنان فى مهرجان بعلبك، حيث كانت شيرين ثانى مطربة مصرية بعد أم كلثوم تغنى على مسرح بعلبك بعد قطيعة مصرية اقتربت من نصف قرن، ومهرجان ضبية الدولى ومهرجان القيبات ومهرجان صيدا السياحى وتألقت أيضًا فى حفل كامل العدد بمهرجانات عم نحلمك لبنان وأيضا شاركت شيرين بحفلات السعودية بجدة والرياض، وتعتبر شيرين أول فنانة عربية ومصرية تقف على مسرح بالسعودية.
أتمنى أن تعود شيرين عبدالوهاب كما كانت وكما عرفناها وعرفها الجمهور وتواصل مشروعها الغنائى المتكامل والمختلف عن كل مطربات جيلها وأن تدعم هذا المشروع بطاقتها الإبداعية ومخزونها الفنى الساكن فى قلبها وعقلها حتى تظل فى مكانها بالصف الأول ولا تشمت أعداءها فيها.