◄ستظل ثورة ٣٠ يونيه شاهدًا على عظمة الشعب المصرى
◄لم تكن ثورة ضد حاكم "فاشل" ولكنها كانت ضرورة لاسترداد الوطن من بين أنياب خاطفيه
◄خرج الشعب بالملايين للتعبير بصدق عن حبهم لبلادهم وإخلاصهم لدولتهم
◄الشعب ملأ الشوارع والميادين أثناء الثورة.. لم يتخلف أحد ولم يتخل أحد عن دوره الوطنى
تمر السنوات وتتوالى، وها نحن نقف على بعد ٩ سنوات من ثورة ٣٠ يونيه العظيمة، لنتأكد أن ما جرى كان ضروريا من أجل استرداد هذا الوطن من بين أنياب خاطفيه، الذين قرروا أن يسيطروا عليه فيما يشبه الاحتلال ٥٠٠ عام، هادمين فى طريقهم أى احتمال لديمقراطية يتمناها الشعب، وأى حلم بالحرية يسعى وراء تحقيقه.
عاشت مصر عاما كئيبا أسود عندما وصلت الجماعة الإرهابية إلى الحكم، وهى الجماعة التى لم تفهم أبدا حقيقة الشعب المصرى ولا طبيعته، ولذلك فشلت تماما فى التواصل معه أو معرفة ما يحتاجه أو يريده، اعتقدت فقط أنها لمجرد تقديم نفسها للشعب على أنها جماعة " بتاعة ربنا" وأنها ترفع شعارات إسلامية، أن الشعب المؤمن بطبعه سيخضع، ويفعل للجماعة كل ما ترغبه. غفلت هذه الجماعة تماما عن قوة الشعب المصرى الخفية، وهى قوته الحقيقية التى لا يظهرها إلا عندما يواجه الأزمات، فهو لا يرحب أبدًا بمن يخدعه أو يحاول الكذب عليه.. يكشف الكذب ويعرف الخداع، فيقاوم ولا يستسلم، وقد كان مربكا للجماعة ومن يقفون وراءها أن يتحرك الشعب المصرى بكل هذه الملايين فى الشوارع والميادين وهو يهتف بسقوط حكم المرشد، فلم يكونوا يتوقعون هذا التحرك بكل هذا الحماس، لأنهم لم يكونوا يعترفون بأن الشعب المصرى كشف كذبهم وخداعهم.. من خبرة السنين يستطيع الشعب المصرى أن يفرق بين الخطر الحقيقى والخطر المزيف. قبل ٣٠ يونيه عزفت الجماعة الإرهابية على وتر تخويف الشعب المصرى من الخروج عليها، بعثت برسائل كثيرة تشير إلى أن الخروج معناه تعريض المتظاهرين للخطر، وكما قال أحد المتحالفين مع الإخوان: إنهم يهددونا بـ ٣٠ يونيه ... نحن سنسحقهم فى ٣٠ يونيه، أو كما قال إخوانى آخر : اللى هيرش الرئيس مرسى بالمية هنرشه بالدم.
كان المصريون يعرفون ذلك جيدا، اعتقدت الجماعة أن مثل هذه التهديدات يمكن أن تخيف الشعب فلا يتحرك، وذلك لأنها لم تعرف قدرة المصريين على الفوز، فقد أدرك الشعب كله أن بقاء الإخوان فى مقاعد السلطة هو الخطر الحقيقى الذى يهدد بقاء الدولة المصرية نفسها، ولا شيء لدى المواطن المصرى أغلى من دولته، التى يعرف أنه بدونها لا شيء. بدأت غضبة المصريين على جماعة الإخوان ورئيسها مبكرا جدا، وهى الغضبة التى تأكدت بقوة بعد الإعلان الدستورى الذى قرره محمد مرسى فى نهاية نوفمبر ٢٠١٢، ذلك الإعلان الذى أطلق عليه المصريون اسم الإعلان المكبل، لأن مرسى منح نفسه سلطات مطلقة فى كل شيء، وقد غضب المصريون من ذلك لأنهم لا يحبون من يستخف بهم، أو يتعامل معهم وكأنهم ليسوا موجودين من الأساس، وهو ما فعله محمد مرسى حرفيا. من اليوم الأول لهذه الغضبة، والقوات المسلحة العريقة وهى تعمل فى اتجاهين .. الاتجاه الأول هو محاولة الوصول إلى صيغة تضمن للمصريين أن يعيشوا فى استقرار وأمان بعيدا عن الفتن والحرب الأهلية، وفى هذا الإطار بذلت القوات المسلحة من خلال قائدها العام وقتها الفريق أول عبد الفتاح السيسى جهودا كبيرة من أجل وجهات النظر، حتى لا تنفجر الأوضاع، فقد كانت القوات المسلحة تعرف أن انفجار الأوضاع ليس فى مصلحة الأمن القومى المصرى وهى الحريصة عليه والعاملة على تحقيقه .. الاتجاه الثانى انطلقت إليه القوات المسلحة من أرضية عقيدتها الراسخة، وهى الأرضية التى تقول إن الجيش هو جيش الشعب، ولذلك توالت تأكيدات القوات المسلحة أنها لن تسمح لأحد بأن يعتدى على الشعب أو أن يتجاوز فى حقه بأى شكل من الأشكال، لأن القوات المسلحة التى هى أمينة على هذا الشعب ما كان لها أن تسمح بذلك أبدًا. التزمت القوات المسلحة بأعلى درجات ضبط النفس، وهى ترى الجماعة التى وصلت إلى الحكم وهى تقع فى أخطاء كارثية، قامت بدورها فى النصح وتقزيم تقديرات الموقف المتتالية التى من خلالها تكشف الخلل وتطلب إصلاحه قبل أن يستفحل، لكن الجماعة ضربت بهذه التقارير عرض الحائط، ومنعت وصولها إلى محمد مرسى الذى قررت له عزلة يعيشها فيها ولا يخرج منها أبدًا، وهى العزلة التى ظل فيها ولم يخرج منها إلا بخروجه من الحكم، وعندما بدأت الجماعة تجاوز حدودها وأخطأت فى حق القوات المسلحة من خلال تصريحات قادتها وبيانات مرشدها، وقفت القوات المسلحة بقوة أمام هذه التجاوزات وحذرت، فالجيش لا أحد يلعب معه ولا أحد يلعب به، وهو التحذير الذى لم تفقه الجماعة له فواصلت السير فى طريق غيها وضلالها. وعندما هب الشعب المصرى هبته المباركة وبدا للجميع أنه عازم على أن يخلص نفسه من حكم الجماعة، وتحولت المعارضة من مسيرات ومظاهرات وهتافات إلى قرار بالخروج فى ثورة تطالب بإنهاء الحكم الإخوانى، كان موقف الجيش واضحا، فهو مع الشعب يقف إلى جواره ويساند مطالبه المشروعة ويحمى ظهره ممن يمكن أن يفكروا فى الاعتداء عليه أو يفسدوا ثورته. لم تكن ثورة ٣٠ يونيه العظيمة مجرد خروج على حاكم، ولكنها كانت تعبيرا صادقا من المصريين على حبهم لبلدهم وإخلاصهم لدولتهم التى رأوا أن هناك من يخطط لاختطافها، ولذلك لم يشهد التاريخ هذا الخروج بالملايين من الشعب المصرى قبل ذلك، وهو ما دعا القائد العام للقوات المسلحة أن يوجه بتصوير هذه الحشود التى ملأت الشوارع والميادين ليس فى القاهرة والإسكندرية فقط، ولكن فى كل محافظات مصر، فقد رأى أن هذا التصوير سيكون وثيقة لا تقبل التشكيك فى مواجهة كل من يقلل من خروج المصريين أو يكذب بشأنه.
يمكننا أن نصف ثورة ٣٠ يونيه بأنها كانت الثورة الشعبية الأعظم فى تاريخ مصر، فقد بدأت شرارتها الأولى من الشارع، واستمدت زخمها كله من الشارع، وعندما فكرت جماعة تمرد فى جمع توقيعات من الجماهير المصرية للمطالبة برحيل محمد مرسى، اجتهد المصريون جميعا ليس فى التوقيع فقط، ولكن فى تصوير الاستمارات وجمع التوقيعات عليها، مساعدة للحركة الشعبية الشبابية فى تحقيق أهدافها. شارك الجميع فى الثورة، لم يتخلف أحد، ولم يتخل أحد، الجميع كان فى الشوارع والميادين، حتى هؤلاء الذين قالوا عنهم إنهم حزب الكنبة، هؤلاء الذين جلسوا فى بيوتهم يتابعون الأحداث دون أن يشاركوا فيها، جلسوا فى مقاعد المتفرجين، تمردوا على ما تم وصفهم به، حملوا الكنبة نفسها ونزلوا إلى الشوارع ليعلنوا بصراحة وشجاعة أنهم سيشاركون فى تحرير بلدهم، فهم ليسوا أقل أبدًا ممن خرجوا وقرروا تحرير مصر من الجماعة الغاصبة المستبدة الفاشية الفاشلة. كان المصريون خلال الأيام الأربعة التى امتدت من ٣٠ يونيه وحتى ٣ يوليو ٢٠١٣ يعيشون أعظم أيامهم، هى أيام المجد التى شعروا فيها بقيمتهم وقدرتهم على التغيير بأنفسهم، نظروا لأنفسهم فعرفوا أنهم يمتلكون القوة والقدرة على تقرير مصيرهم، هتفوا بكل ما فى حناجرهم من قوة، رفعوا اللافتات التى تعبر عن مطالبهم، عزموا على البقاء فى الشوارع حتى تتحقق كل مطالبهم، عرفوا أنهم لو عادوا إلى بيوتهم دون أن تتحقق مطالبهم، فإن ثورتهم ستكون منقوصة تماما، لا إن الجماعة ستتوحش أكثر، ولابد أنها ستنتقم منهم، ولذلك فقد كانت كل ساعة تمر عليهم كانت دهرا كاملا من القلق والانتظار والترقب. عندما كان المصريون فى الشوارع كانوا يترقبون بقوة موقف الجيش، كانوا يعرفون أنه لا يمكن أن يخذلهم أبدًا، أدركوا أنه سيتدخل فى الوقت المناسب، فالجيش الذى يكتسب شرعيته من الشعب لن يترك الشعب وحده، كان الرهان على الصمود فى الشوارع، ولما وجدت القوات المسلحة أن الشعب صامد فى الشوارع لم يتراجع ولم يتردد قررت القيادة أن تتدخل بالقرار الذى رأت أنه فى مصلحة مصر، ولم تتردد فى أن تأخذ القرار رغم معرفتها أنها ستتلقى الضربة فى صدرها. حتى اللحظات الأخيرة كانت القوات المسلحة من خلال قائدها العام حريصة على استقرار مصر وأمنها، بذلت النصح وقدمت الاقتراحات للخروج من الأزمة، لكنها عندما رأت أن الجماعة متمسكة بعنادها وموقفها الذى يصب فى مصلحتها فقط متجاهلة الملايين التى نزلت إلى الشوارع، جمعت رموز المجتمع المصرى كلها للنقاش والبحث والدراسة، وكان أن خرجت لنا خارطة الطريق التى كانت خارطة إنقاذ كاملة لما تبقى من الوطن، وهى الخارطة التى أعلنها القائد العام للقوات المسلحة بنفسه، للتأكيد على أن القوات المسلحة ستكون الأمينة على تنفيذ هذه الخارطة، وأنها لن تسمح لأحد أبدًا بأن يعطلها أو يقف فى طريقها، وهو ما تحقق على الأرض بالفعل. كانت فرحة المصريين فى الشوارع والميادين غامرة وشاملة، فقد استطاعوا أن يحققوا ما خرجوا من أجله، عزل الرئيس الإخوانى من منصبه وطرد الجماعة الإرهابية من الساحة السياسية، استطاعوا أن يستردوا وطنهم مرة أخرى بعد كل محاولات العبث به من قبل جماعة لا تعرف قيمة الوطن ولا أهميته ولا قدره، وكسبوا فوق ذلك دعم وتأييد الجيش الذى لم يفرط فى شعبه أبدًا، وعندما عادوا إلى بيوتهم هذه المرة كانوا يعرفون أن وراءهم حصنا حصينا سيحافظ على كل مكتسباتهم ولن يهدرها أبدا. ستظل ثورة ٣٠ يونيه هى العمل الأعظم فى تاريخنا الحديث، وستظل هى الشاهد على عظمة الشعب المصرى الذى إذا أراد شيئا وقرره فإنه لا يتردد أبدًا فى تنفيذه، وستظل هى العلامة الكبرى على عزيمة وإرادة المصريين فى الخلاص وتخليص بلدهم حتى تكون لهم وحدهم بعيدا عن الأطماع والمخططات والمؤامرات، وهو ما يجعلنا نحتفى بها دائما وأبدًا.