محمد فودة يحيى ذكراها ويكتب عن إنجازاتها: فى الذكرى الـ 18 لرحيل "قاهرة المستحيل".. د. سعاد كفافى الأحلام لا تسقط بالتقادم
◄د. سعاد كفافى.. قصة كفاح مصرية خالصة ومسيرة إنسانية رائدة
◄ضربت أروع الأمثلة فى النجاح والتفوق والإنجازات والأفكار غير المسبوقة
◄نموذج مشرف للمرأة المصرية الطموح.. ومسيرتها التربوية خير دليل على ذلك
◄خالد الطوخى يسير على خطى والدته متمسكًا بمبادئها وأفكارها الإنسانية النبيلة
◄حلمها تحقق بعد رحيلها وتحولت جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا إلى منارة حقيقية للعلم
◄الأنشطة المتنوعة التى تنظمها الجامعة جعلتها فى الصدارة وحولتها إلى مركز للإشعاع الحضارى والفكرى والثقافى
الإنجازات الكبرى تظل دائماً تتحدث عن أصحابها، والأفكار الرائدة والجريئة تعيش أبد الدهر، ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن تموت لأنها دائماً تكون لها بداية ولكن ليست لها نهاية، أما الأحلام العظيمة فلا تسقط بالتقادم بل تتحول عاماً بعد الآخر إلى ما يمكن أن نطلق عليه "أيقونة" وقيمة مضافة تضع صاحبها فى المكانة المرموقة التى يستحقها، لذا فإننا ونحن نحيى الذكرى الـ 18 لرحيل "قاهرة المستحيل" الدكتورة سعاد كفافى فإننا نعيش حالة خاصة جداً من العطاء تحمل معها نسمات عطرة وطيفا من روح هذه السيدة العظيمة صاحبة المشوار الطويل والإنجازات غير المسبوقة فى التعليم الخاص. والحق يقال فإن قراءة متأنية فى سيرة ومسيرة الراحلة الدكتورة سعاد كفافى تجعلنا نتأكد -وبما لا يدع مجالاً للشك- أننا أمام شخصية غير عادية فبينما كان الجميع من حولها ينظرون إلى رغبتها فى إنشاء جامعة خاصة بنوع من الحيطة والحذر وعدم تقبل هذا الأمر المحفوف بالمخاطر، إلا أنها كانت ترى شيئاً آخر هو أن الكيان الذى تحلم به لن يكون مجرد كيان تعليمى فحسب بل إنها ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، فقد رأت فى فكرتها الرائدة أنها سوف تقدم للوطن كيانا تعليمياً وثقافياً مهما يليق ببلد عريق يضرب بجذوره فى أعماق التاريخ فقد كانت ترى دائماً أن التعليم والتربية السليمة هى أهم الركائز التى يمكن أن تنهض من خلالها مصر، وإحقاقا للحق فإن قاهرة المستحيل شاركت فى صنع مستقبل العالم الذى نعيش فيه وتعد واحدة من هؤلاء اللاتى حققن المعجزة حتى استحقت وعن جدارة لقب رائدة التعليم الجامعى الخاص فى مصر.
أما إطلاق لقب "قاهرة المستحيل" عليها فإنه لم يأت من قبيل الصدفة وإنما هو توصيف دقيق يجسد بوضوح قيمتها ومكانتها العلمية والإنسانية كونها واحدة من رواد التعليم الخاص فى مصر، فمنذ أكثر من ربع قرن فكرت فى إنشاء جامعة بمدينة السادس من أكتوبر، وقتها كان هذا المكان عبارة عن صحراء جرداء ومجرد البوح بمثل هذه الفكرة يعد نوعا من شطحات الخيال، فالفكرة أصلًا غير واردة من جانب الرجال فما بالنا وهى فكرة نابعة من سيدة جامعية كل ما تمتلكه هو ذكاؤها الفطرى وحلمها الذى سيطر على تفكيرها وآمنت به وصدقته وقررت تحدى الظروف من أجل تحقيقه، حيث فوجئت آنذاك بصعوبات كثيرة وعراقيل من كافة الاتجاهات ولكنها لم تيأس ولم تستسلم للظروف الصعبة فقررت تحدى الصعاب وخاضت التجربة بكل شجاعة وبكل عزيمة وإصرار على تحقيق النجاح حيث لم يكن فى قاموس حياتها شيء اسمه المستحيل، كما أنها لم تترك فرصة لأن يتسرب اليأس إلى قلبها وبالفعل أصبحت جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا كيانًا حقيقيًا وتحول الحلم إلى حقيقة ويومًا بعد الآخر يكبر المشروع ويزداد تميزًا فى هذا المجال، ولم تتوقف عجلة التحديث والتطوير حتى بعد رحيل الدكتورة سعاد كفافى، حيث تولى دفة القيادة ابنها الصديق والأخ العزيز خالد الطوخى، رئيس مجلس أمناء جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، الذى استطاع أن يسير وبكل ثقة على خطى والدته الراحلة متمسكًا بمبادئها وأفكارها الإنسانية النبيلة ولم يكن التزامه بتلك المبادئ من قبيل الشعارات الرنانة بل إنه رجل أقوال وأفعال فعلى سبيل المثال نجده يحرص وبشكل دائم على أن تظل المصروفات الدراسية غير مبالغ فيها كما يحدث فى الجامعات الأخرى، فقد كانت الراحلة سعاد كفافى تؤكد على هذا الأمر بأن المصروفات ينبغى أن تكون فى مقدور الأسرة البسيطة فيكفى معاناة الأسرة فى متطلبات المعيشة.
ويشهد الله أننى لمست ذلك بوضوح فيما يقوم به خالد الطوخى رئيس مجلس أمناء جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا من أنشطة إنسانية واجتماعية يتم تنفيذها على أعلى مستوى من الرقى، وهو ما لم يأت من فراغ وإنما هو استكمال واستمرار للدور الإنسانى الذى كانت تؤمن به "قاهرة المستحيل" رائدة العمل التربوى والإنسانى الدكتورة الراحلة سعاد كفافى التى لم تكن بالنسبة له كونها الأم فقط بل كانت ولا تزال وستظل بمثابة القدوة والمثل فى العطاء بلا حدود بل إنه ورث عنها حب العمل الإنسانى والاجتماعى الذى يتغلغل داخله ويصل إلى درجة العشق وهو ما يفسر لنا السبب الحقيقى الذى يكمن وراء حرصه على تنظيم كل تلك القوافل الطبية من خلال مستشفى سعاد كفافى الجامعى لتنطلق إلى المحافظات الحدودية والنائية والانتشار فى المناطق الشعبية ذات الكثافة السكانية المرتفعة لتقديم الخدمات الصحية مجاناً للمرضى غير القادرين، وغيرها من الأفعال الإنسانية التى تصب فى نطاق المسئولية المجتمعية، لينطبق عليه بالفعل أنه "خير خلف لخير سلف"، فقد استطاع أن يترجم بشكل صادق ما حلمت به التربوية الرائدة "قاهرة المستحيل" الراحلة الدكتورة سعاد كفافى وأن يحول الجامعة إلى نقطة إشعاع حضارى وفكرى وفنى وثقافى وذلك من خلال العديد من الأنشطة المتنوعة التى تحتضنها الجامعة وعلى وجه الخصوص مسرح الجامعة الذى يفيض فناً وإبداعاً بشكل دائم يرتقى بالذوق العام ويغذى الروح بالفنون الجميلة. وهذا ليس جديدا ولا غريباً عليه فقد حلمت ذات يوم الراحلة سعاد كفافى حينما كانت تفكر فى إنشاء هذه الجامعة بأن تحولها إلى مركز للإشعاع الحضارى فأنشأت مسرحاً تم تجهيزه بأحدث الوسائل التكنولوجية من حيث أجهزة الصوت والإضاءة وفنون الديكور وغيرها من عناصر إدارة المسرح ، وإن ما وصلت إليه جامعة مصر الآن من مكانة مرموقة فى مجال التعليم والتربية وبناء الشخصية يدفعنى إلى القول بأنها أصبحت بحق "جامعة المعرفة والمعلومات" خاصة أن هذا التوجه جعلها فى المقدمة لأنه يعطى دلالة على القوة فى كل المجالات وهو ما جعل الجامعة تحمل شعار "المعرفة قوة " فضلاً عن ذلك فإنها تتضمن أيضاً كلية التربية الخاصة وهى التى تعد أول كلية بمصر والعالم العربى متخصصة فى التعامل مع ذوى القدرات الخاصة لذا فإنها رسالة سامية وكبيرة ويتم دعمها بقوة حيث تقوم بتأهيل معلمى أصحاب الهمم من أجل تخريج نخبة من المتخصصين يمتلكون القدرة على التعامل مع أصحاب الهمم.
ولقد كانت الدكتورة سعاد كفافى، نموذجًا للسيدة المصرية الطموح التى اكتسبت سمعة طيبة على مدى سنوات حياتها الناجحة وهو ما كان له دور كبير وأساسى فى احترام المجتمع لها بمنحها العديد من الصفات والألقاب المشرفة ومنها "قاهرة المستحيل"، و"السيدة الحديدية" و"رائدة التعليم الخاص فى مصر"، كما تميزت الدكتورة الراحلة سعاد كفافى بسمات ثقافية غير مسبوقة، ويرجع الفضل فى ذلك إلى مؤهلاتها المتميزة علاوة على الدقة المتناهية فيما يتعلق بأعمالها الأكاديمية والإدارية وغيرها، ومن يدقق فى مسيرة الدكتورة سعاد كفافى يتأكد -وبما لا يدع مجالًا للشك- أنها اكتسبت سمعة عظيمة على امتداد سنوات حياتها الناجحة فقد ولدت الدكتورة سعاد كفافى عام 1928 وتوفيت عام 2004، تاركة خلفها تاريخا مشرفا من العمل الدءوب فى المجال التربوى فهى تعد واحدة من الرواد فى تاريخ التعليم الخاص فى مصر، كما أنها حققت شهرة كبيرة باعتبارها خبيرة متميزة يشار إليها بالبنان، هكذا كانت "قاهرة المستحيل" صاحبة حلم كبير وعظيم وامتلكت عزيمة قوية ساعدتها فى تحقيق حلمها الذى أصبح الآن صرحا تعليميا عالميا بكل ما تحمله الكلمة من معنى بفضل فكر راقٍ ورؤى مستقبلية آمن بها وصدقها وعمل على تحقيقها ابنها خالد الطوخى فكان بالفعل وكما سبق أن كتبت عنه "خير خلف لخير سلف".
رحم الله الدكتورة سعاد كفافى وأسكنها فسيح جناته وأسعد آخرتها بقدر ما أسعدت الآلاف من الطلاب ومن غير القادرين الذين تلقوا العلاج مجانا من خلال القوافل الطبية التى كانت ولاتزال عنواناً للوجه الإنسانى لجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا.