قادتني طبيعة العمل أن أكون من المتابعين لقضية ضحية جامعة المنصورة نيرة أشرف، تلك القضية التاريخية الفارقة في تاريخ مصر الحديث، عندما قام شاب يافع بقتل ذميلته ذبحًا أمام باب الجامعة في مشهد أدمي قلوب الجميع دون إستثناء، ومهما كانت الأسباب والدوافع فـ محمد عادل أو قاتل ضحية جامعة المنصورة مُذنب حتي النخاع ولا مبرر لفعلته الشنعاء مهما كانت الأسباب والدوافع، نيرة الفتاة الصغيرة لأسرة متوسطة من منطقة مسجد الروضة بمدينة المحلة الكبري لديها شقيقتين أحدهما تُقيم في السعودية والأخري في القاهرة والأب مدرس والأم تعمل بغزل المحلة، والجاني شاب يتيم منذ الصف السادس الإبتدائي وأمه هي من بذلت عمرها عليه هو وشقيقتيه أحدهما في كلية الطب والأخري في التجارة قسم اللغة الإنجليزية، أسرتين طبيعيتين يتكرر تفاصيلهم في كل مكان في العالم وليس مصر فقط، علاقة ما جمعت بينهما خلال دراستهم في نفس الجامعة ونفس الكلية حيث محمد هو أول دفعته وأكثرهم تميز في العلم ويشرح لرفقائه ما يفوتهم ويجهز لهم المذكرات والملازم، ونيرة هي ملكة جمال الدفعة والجميع يتقرب منها لكن محمد هو الأقوي علميًا ودخله من الملازم والأبحاث متميز وهي من يتمني الجميع جوارها، وبالفعل صارت علاقة ما ربما صداقة أو زمالة أو ما هو أبعد (في حدود الأدب والأخلاق) بينهم.
لسبب أو لآخر قررت نيرة الضحية إفلات يد محمد إغلاق صفحة هذه العلاقة ربما أحست أن هذا الشخص ليس طموحها وأنها لا تبادله نفس الشعور الذي إعترف لها به، وحاول محمد بكل الطرق الإبقاء علي معشوقته فأصبح "مجنون نيرة" يبذل كل ما في وسعه للوصول إليها، وكأن الدنيا توقفت بإنهاء علاقة بين شاب وفتاة رغم أنه يحدث كل دقيقة بل أقل من ذلك وهو شيء ربما لم يسلم أحد منا منه خاصة أيام الجامعة وما شابه، ولكن الجميع يتماثل للشفاء من حبه مهما كان الأمر جلل فكم منا بكي علي فقدان حبيب ثم عاد وأحب مرات ومرات نعم يبقي الحب الأول له ذكري خاصة لكنه ينتهي إلي غير رجعة وربما تُصاب بحب أول من جديد فهناك شخصيات تمحو من قبلها ولو كانت لا تُكرر، وحاولت نيرة وأسرتها إنهاء وإغلاق صفحة محمد من حياتهم فبدأت الأم ترد عن إبنتها تارة ويرد الأب تارة أخري بل وجلسات وشكاوي وبلاغات ولجأت الأسرة أن تجعل إقامة نيرة في القاهرة بصحبة شقيقتها التي تعمل في مجال التجميل والكوافير وما شابه، وإستمرت محاولات محمد في الإبقاء عليها وما بين الشد والجذب وإصرار القاتل ورفض الضحية وأهلها دون الخوض في تفايل أكثر من ذلك فنيرة بين يدي الله ومحمد حتمًا سيكون قريبًا فلا داعي لتفاصيل شخصية في حياة الطرفين، القاتل أعد عدته وجهز نفسه وقرر الخلاص من محبوبته حتي لا تكون لغيره فقام بإرتكاب جريمة من أفظع ما عاصرنا خلال الفترة الماضية وتسببت مواقع الخراب الإجتماعي السوشيال ميديا ومتتبعي التريند في وجع قلوبنا الموجوعة من الأساس بتصوير البكاء والعويل وإفتعال الأحداث وزادوا الطين بلة وتحولت القضية بفضل الله إلي قضية تاريخية للقضاء المصري الشامخ ماقبل نيرة أشرف وما بعدها في قضية أُصدر فيها حكم الإعدام خلال سبعة عشر يومًا كانت كفيلة بصدور حكم يشفي الصدور مهما كانت ظروف القاتل فلا مبرر لهذه الجريمة ولا مبرر للقتل "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب".
وما دعاني للكتابة عن هذه الحادثة التي أسأل الله ألا تتكرر في مصرنا الغالية ولا غيرها أبدًا عو ذهاب الكثرين للتعليق على الجريمة مطالبن المحكمة أن تتطرق لأسباب الجريمة ودوافع الجريمة من الناحية الإجتماعية وظروف أم القاتل ويتمه وسوء تربية والد الضحية لها وملابسها وحريتها الزائدة وماشابه على الرغم من أن ذلك ليس من دور المحكمة طالما أن الجريمة مكتملة الأركان والجاني معترف وأدلة الثبوت متوافرة ومقنعة للمحكمة فلا عبرة إذا كانت الضحية مُذنبة -لا قدر الله- أو سارقة أو استغلالية أو خلافة من افتراضات جدلية و اسباب لاعلاقة لها بتطبيق نص القانون الذي يحكمنا، ولذلك فجميع الدفوع عن القاتل والتي تدور حول الأسباب الاجتماعية له أو للضحية لاعبرة لها سواء كانت حقيقية أو غير حقيقية، وإن كان لابد لنا من الوقوف عليها بالطبع ولكن يكون هذا دور الأسرة والمؤسسات الاجتماعية والدينية والتربوية والإعلامية والرقابية التي آن الآوان أن تدخل لمنع الدراما المبتذلة التي تدعوا للعنف وللجوء للقوة فهذه المؤسسات وغيرها المنوط بها السعي للحد من ارتكاب تلك الجرائم، أما القضاء فعليه فقط ودوره المنوط به تطبيق القانون لإقامة العدل بين الناس.
دعونا هنا بس نُذكر الناس التي تتحدث عن إستفزاز الضحية وأسرتها للقاتل إن وجد، أن المتهم يستفيد فقط من عنصر الإستفزاز وفقا للسلطة التقديرية للمحكمة في ظروف محدودة وخاصة مثل مشاهدة الزوجة في حالة زنا فقتلها الزوج فور المشاهدة نتيجة الاستفزاز الى درجة الجنون في هذه اللحظة وترجع لتقدير القاضي الموضوعي بعد الأستعابة بالأطباء والخبراء المتخصصين لتحديد توافر الظرف من عدمه، ولكن يبقي شروط وجوب القصاص أن تكون الجناية عمدًا محضًا والجريمة وقعت وكانت مروعة جدًا ومفظعة جدًا وفي مكان أمام أعين الجميع فلا داعي للتوجيه والتعليق والاستعراض والهوى وأن يدلي كلٍ منا دون علم أو سابق معرفة أو معايشة للقضية برايه محدثًا حالة من الفوضي.
ولأنني غير قانوني فسألت أهل العلم عن اساس طعن من تباروا للتجارة بالحدث أن القاضي عندما وجه اتهامات للقاتل وسرد في الوصف والنقد أن ذلك تم قبل اصداره للحكم باجماع الآراء، وبالتالي هنا هو ابدى رأيًا ووفقا لحكم سابق من محكمة النقض خلاصته ان القاضي يفقد حياده اذا أبدى رأيًا لانه بذلك وكأنه يصادر على رأي باقي اعضاء المحكمة المشاركين في اصدار الحكم، ولكن ربما يختلف الموقف وهو أن القاضي هنا أدرك انها قضية وجريمة شنعاء هزت الرأي العام ولهذا اراد توصيل رسالة للرأي العام قبل الجاني لتحقيق الردع وهو دور يُشكر عليه كما أنه قام بتوجيه تلك الرسالة عقب إصدار الحكم وليس قبله ناهيك عن طلب احالة المتهم لأطباء أمراض عقلية للتأكد من حالته العقلية والنفسية وربما يبحثوت عن بطلا إجراءات تمت خلال القضية أو التسرع في الحكم فيها، مؤكدين أنه ليس هنا إلا هذه المداخل التي سيتحرك من خلالها من تباروا لبلبلة الرأي العام وتمييع القضية.
في النهاية عزيزي القارئ الجريمة دامغة وقاطعة واذا كانت هناك اخطاء شكلية في تطبيق القانون فيمكن تلافيها سريعًا حال قبول النقض فالمهم هو السرعة لتحقيق الغرض من العقوبة وهو الردع بسرعة تنفيذ العقوبة ليكن ردعًا في الدنيا بيد قاضي الأرض وترك كل تفاصيل هذه القضية وعدم الخوض في أعراض بين يدي الله سبحانه لتُرفع لقاضي السماء الحكم العدل فيحكم بينهم بالحق يوم القيامة يوم لا محام ولا دفوع إلا الحق ولا شيء سواه … إتركوا قضية نيرة ومحمد لقاضي السماء.