◄المصريون ورثوا فى ٣٠ يونيو وطناً منهكا اقتصادياً وسياسياً فكان لابد من ثورة تحديث لكل شيء
◄مصر تبهر العالم بإزالة المناطق العشوائية واستبدالها بمنشآت توفر الحياة الكريمة للمواطنين
◄الحكومة تعيد إحياء مشروع القاهرة التاريخية للحفاظ على قيمتها التراثية وجذب السياحة
◄مصر الجديدة يتم بناؤها بفلسفة وطنية خالصة بعيداً عن المصالح الذاتية
لم يسترد المصريون فى ٣٠ يونيو وطنا منهكا اقتصاديا وممزقا سياسيا فقط، وإنما ورثوا وطنا مرهقا فى كل شيء، خاصة أن هذا الوطن ظل فريسة للإهمال الشديد، وهو ما جعل زوار مصر يتعاملون معها على أنها بلد عجوز جداً . هذه الحالة دفعت الحكومة إلى العمل على تحديث مصر فى كل شيء، وما المشروعات التى تم تنفيذها خلال السنوات الثمانى الماضية إلا دليل قوى على ذلك، فحالة البناء لا تتوقف، وتجميل وجه مصر من خلال إزالة المناطق العشوائية وإحلالها بمراكز حضارية يؤكد أننا نسير فى الاتجاه الصحيح لبناء وطن جديد فى كل شيء. لو رسمنا خريطة لما جرى سنحتاج إلى مئات المقالات، لنتابع ثورة التحديث فى كل شيء، لكننا سنتوقف عند زيارة قام بها رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى إلى منطقة سور مجرى العيون، وهى المنطقة التى يعرفها المصريون جيداً، ويعرفون أيضا ماذا جرى فيها خلال السنوات الماضية من إهمال وعشوائية وغياب لأى تنظيم. خلال الأيام الماضية تفقد الدكتور مدبولى سير العمل بمشروع تطوير منطقة سور مجرى العيون، ورافقه الدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، واللواء خالد عبد العال، محافظ القاهرة، وعدد من المسئولين. وأكد رئيس الوزراء فى هذه الزيارة أهمية الإسراع بمعدلات تنفيذ المشروع، خاصة إنهاء أعمال التنسيق العام بالموقع، مع الالتزام بالنسق المعمارى المخطط له، بالنظر لكونه يرتقى بمنطقة ذات أهمية تاريخية، ضمن خطة الدولة للحفاظ على المظهر الحضارى لمدينة القاهرة، وقيمتها كوجهة سياحية وثقافية مميزة. كما وجه رئيس الوزراء بطلاء واجهات مدرسة مجاورة للمشروع على غرار التنسيق المعمارى للمشروع، بما يحقق التجانس بين المشروع والوسط المحيط به على نحو جمالى. واستمع رئيس الوزراء إلى شرح حول الموقف التنفيذى للمشروع، كما قام بجولة للوقوف على سير العمل بمكونات المشروع المختلفة، بدأها بمتابعة أعمال تنفيذ العمارات، حيث تفقد أعمال تشطيب واجهات العمارات، وزار عدداً من الوحدات التى تم تشطيبها، وأثنى على تصميم الوحدات وجودة التشطيب، كما تعرف على موقف أعمال تنفيذ المرافق، وتنسيق الموقع العام. وخلال التفقد، أوضح وزير الإسكان أن المشروع يشمل تنفيذ 79 عمارة بارتفاعات مختلفة، على مساحة إجمالية تصل إلى 95 فداناً، وتضم 1924 وحدة سكنية، و18 وحدة تجارية بالدور الأرضى ببعض العمارات، بمتوسط مساحة للوحدة يصل إلى 150 متراً، مضيفاً أنه تم الانتهاء من تشطيب واجهات نحو 73 عمارة ضمن المشروع حتى الآن. كما شملت جولة رئيس الوزراء ومرافقيه بمنطقة سور مجرى العيون، تفقد أعمال تنفيذ المول التجارى الإدارى الترفيهى، ضمن المشروع، ووجه بسرعة إنهاء تنفيذ المول، حيث أشار الدكتور عاصم الجزار إلى أن معدل تنفيذ المول يبلغ 90% للخرسانات، ويتم استكمال التشطيبات، ويقام من 4 أدوار على مساحة 51 ألف م2، حيث يضم مطاعم وسينمات، وغيرها من الأنشطة المختلفة، وجراجاً يسع 1355 سيارة، بالإضافة إلى مسرح رئيسى مكشوف أمام المول، بما يخدم قاطنى المشروع وزواره مستقبلاً. وخلال الجولة، أكد الدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، أنه تم بالفعل طرح عمارة ضمن العمارات الموجودة فى نطاق المشروع، للمصريين فى الخارج، فى إطار مشروع "بيت الوطن"، وتم حجزها بالكامل، بإقبال كبير، مضيفا أنه تم طرح عمارة ثانية بنفس المشروع، وتم حجزها بالكامل أيضاً، بما يعكس الاهتمام بالسكن بهذه المنطقة، التى يخطط لأن تكون مقصداً سياحياً وحضارياً فريداً. كما قام رئيس الوزراء بتفقد أعمال الإزالات التى تتم لعدد من المناطق فى محيط مشروع تطوير منطقة سور مجرى العيون، ووجه بسرعة إنهاء أعمال الإزالات، كما استمع إلى شرح من اللواء خالد عبد العال، محافظ القاهرة، الذى أكد أن هناك 3 مناطق عشوائية هى: السكر والليمون، والجيارة، وحوش النخيل، يتم إزالتها حالياً، وسيتم الانتهاء من ذلك خلال نحو 15 يوماً، مضيفاً: هدفنا تسكين نحو 1660 أسرة فى مشروع أرض الخيالة الذى تم تطويره، استكمالاً لجهود الدولة فى تطوير المناطق غير الآمنة وغير المخططة والارتقاء بحياة ساكنيها. وأنا أتابع جولة رئيس الوزراء تجسد أمامى المشروع الكبير، القاهرة التاريخية، وهو المشروع الذى يتم من خلاله إحداث نقلة كبيرة للعاصمة بحيث تكون عنصر جذب سياحى لمصر. القاهرة التاريخية هى أحد أبرز المدن التراثية القديمة على مستوى العالم، وقد تم تسجيلها على قائمة مواقع التراث العالمى باليونسكو عام 1979م؛ فهى مدينة حية غنية بآثارها المعمارية والفنية التى ترجع إلى الفترة التاريخية الممتدة ما بين العصر الرومانى وعصر أسرة محمد على.
اهتمام الحكومة بالقاهرة التاريخية ليس اهتماما نظريا فقط، ولا محاولة لتسويق سياسات ليست موجودة على الأرض. أعرف أن القصة ليست وليدة الآن، فقد تم تدشين مشروع تطوير القاهرة التاريخية عام 1998م اعتمادًا على الدراسة التى أعدها برنامج الإنماء التابع للأمم المتحدة (UNDP)، وبناء عليه قدمت وزارة الثقافة ورقة عمل للسيد رئيس الوزراء وتم استصدار قرار بإعداد خطة عمل لاستكمال دراسات مشروع تطوير القاهرة التاريخية، فتم إنشاء مركز لدراسات تنمية القاهرة التاريخية، وإعداد قاعدة بيانات بالتعاون مع مركز معلومات مجلس الوزراء باستخدام نظم المعلومات الجغرافية (GIS)، ووضع برنامج لحماية وصيانة المبانى الأثرية والتاريخية بنطاق المشروع ينقسم إلى أربع مراحل تشمل 149 أثرًا متضمنة أعمال الحفظ والترميم والصيانة وإعادة التوظيف بمناطق الجمالية، والأزهر، والغورى، والدرب الأحمر، وباب الوزير؛ بالإضافة لبعض مشروعات الترميم المستقلة مثل تلك الخاصة بمسجد أحمد بن طولون، وبيت السادات، وقصر الأمير طاز، وقصر محمد على بشبرا، وسور مجرى العيون؛ ومشروعات البعثات والمنح الأجنبية للحفاظ والترميم مثلما فى قبة شجر الدر، ومشهد السيدة رقية، وقبتى عاتكة والجعفرى بشارع الخليفة، ومقعد وحوض قايتباى بجبانة المماليك بشرق القاهرة؛ بالإضافة إلى مشروعات الحفاظ العمرانى فى القاهرة التاريخية مثل مشروع تطوير شارع المعز وشارع الجمالية، ومشروع إعادة تأهيل حارة الدرب الأصفر، ومشروع إعادة تأهيل مصر القديمة ومجمع الأديان، ومشروع إحياء منطقة السيدة زينب، ومشروع إحياء الدرب الأحمر. وفى عام 2010 تم التنسيق مع منظمة اليونسكو ومركز التراث العالمى بباريس لإطلاق مشروع الإحياء العمرانى للقاهرة التاريخية بتمويل من الحكومة المصرية. واستكمالًا للمرحلتين الأولى والثانية من ذلك المشروع قامت الإدارة العامة للقاهرة التاريخية بالتنسيق مع مركز هندسة الآثار والبيئة بتدشين المرحلة الثالثة من المشروع بإعداد دراسات تخصصية شاملة لمدينة القاهرة التاريخية ووضع خطة إدارة متكاملة لموقع القاهرة التاريخية. كما قامت إدارة مشروع تطوير القاهرة التاريخية بمشروعات الحفظ والترميم والحفائر وإعادة تأهيل وتوظيف المبانى الأثرية مثلما فى مشروعات السور الشمالى والشرقى، ووكالة قايتباى وقبة الإمام الشافعى، والبيمارستان المؤيدى، ومقعد ماماى السيفى، والجامع الأزهر، ومشيخة الأزهر، وذلك بالتوازى مع مشروعات التطوير الحضرى والحفاظ العمرانى لشوارع القاهرة القديمة كشوارع المعز، والجمالية، والغورية، وباب الوزير، وسوق السلاح، والخليفة. المشروع بصورته الحالية واحد من أهم مشروعات التطوير التى يجرى تنفيذها، تنفيذا لتكليفات الرئيس عبدالفتاح السيسى، بتطوير منطقة القاهرة التاريخية، بهدف القضاء على التشوه العمرانى وإعادة إحيائها، وإعادتها لسابق عهدها، والقضاء على الإهمال الذى طالها، والعمل على إحياء النسيج العمرانى.
ويعود سبب اختيار مناطق مشروع القاهرة التاريخية إلى القيمة العالية لكل منطقة، وفقا لمسؤولى المشروع، وصندوق التنمية الحضارية، وتتمثل المرحلة الأولى من خطة تطوير القاهرة التاريخية، فى منطقة مسجد الحاكم بأمر الله، بتطوير واجهات العمارات السكنية، والمحال التجارية الموجودة بالمنطقة، وأيضا تطوير المبانى داخلياً، سواء بأعمال صيانة الصرف، أو ترميم الأسطح. والهدف الرئيسى من خطة تطوير القاهرة التاريخية، هو توفير شكل جمالى داخلى وخارجى للسكان، وتشمل عملية التطوير داخل منطقة مسجد الحاكم بأمر الله الآثار المرممة، والمساكن، وإعادة استخدام الأماكن المهدمة، لأن المنطقة بها العديد من الأماكن التى لا تحقق أى منفعة حالياً.
كثيرون لا يدركون أهمية ما يحدث على الأرض لكن التاريخ وحده سيثبت أن ما يجرى الآن على الأرض فى مصر ليس لمصلحة جيل واحد بل لمصلحة أجيال، وليس مجرد فكرة طارئة بل فلسفة كاملة لدولة جديدة.