الجمعة 22 نوفمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

العباس السكرى يكتب: عادل إمام أسطورة تهزم الجميع

الشورى

◄الزعيم "معجزة القرن" بعد عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ.. والشائعات فى "مزبلة التاريخ"

◄النجم الكبير لا يلتفت للقيل والقال ويسير على مبدأ المتنبى :"أنامُ ملء جفونى عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصمُ"

◄صديق البسطاء والرؤساء.. الإنسان هو انتماؤه الوحيد.. وعلاقته مع الجمهور لا تحتاج واسطة 

◄ظاهرة كونية لن تتكرر فى تاريخ السينما والمسرح والتلفزيون.. وقصة كفاح وصبر تُدرس للطلاب فى المدارس

◄لا يعيش فى برج "عاجى".. وأعماله تحاكى الواقع وتكشف سلبيات المجتمع فى كل العصور

◄الشعوب العربية تعشقه حد الجنون.. والكبير والصغير والرجال والنساء والأطفال والعجائز والمراهقون والمراهقات يستمتعون بفنه وأعماله الخالدة

 

 

ليس غريبا أن يخلق الزعيم عادل إمام حالة من الجدل الدائم، فقدره أن يكون زعيما ومثيرا للجدل، منذ أن جاء إلى الدنيا، وقت أن كان البلد يستعد لثورة توقظه من غفوته تحققت بـ«ثورة 52»، فمن ترتيبات القدر أن يأتى الزعيم عادل إمام إلى الحياة وكل شىء بها كان ثائرًا، حتى هو نفسه ثار فى وجه المجتمعات والأنظمة بفنه، وتمرد على نفسه بشخوصه الفنية حتى صار زعيم الفن العربى، ولم يشهد التاريخ الفنى كله شائعات خرجت على أحد مثله، وكلها تتلاشى أدراج الرياح.

فمن طبع الزعيم عدم الالتفات أو الرد على الشائعات التى تخرج على الدوام حتى وإن كانت شائعات مغرضة وخبيثة، هو يسير على مبدأ الشاعر الشهير المتنبى الذى يقول :"أنامُ ملء جفونى عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصمُ"، فهو الآن وبينما يجلس الزعيم عادل إمام فى ركنه الهادئ، مبتسما كعادته، يتابع أحداث العالم على شاشة التلفزيون، ويقرأ الصحف اليومية بنشاط وتركيز، ويدخن سيجارته مع كوب أعد له خصيصا من الشاى، ويستعد ويجهز لعمله الفنى الجديد، نرى الشائعات تنطلق من هنا وهناك لكنه لا يعيرها أى اهتمام، ينام ملو عينيه ويترك غيره يفعل ما يشاء، لم يلتفت لشىء سوى عمله وفنه لذا صار زعيما وتجاوز رتبة فنان.

لكن لماذا يطلقون الشائعات على عادل إمام؟ هل من أجل الترند الذى "جنن" الناس، أم من أجل إثارة الجدل وتحريك المياه الراكدة؟ بالطبع من أجل إثارة الجدل فمجرد ذكر اسم الزعيم وحده كافٍ أن يقلب الوطن العربى بطوله وعرضه رأسا على عقب، فالرجل يحظى بجماهيرية طاغية فى العالم العربى، من الكبير والصغير والرجال والنساء والأطفال والعجائز والمراهقين والمراهقات، بنجوميته الاستثنائية التى لن تتكرر لأحد، فهو معجزة القرن بعد محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، عاش حياته معطاء لفنه وجمهوره، وأسعد البشرية بأعماله، منح أجيالا عديدة كل الضحك والسعادة والبهجة، كل عمل فنى قدمه أسعد به أمة، حتى لو كلفه العمل حياته، حارب الإرهاب وفساد المؤسسات وتغول السلطة، لا توجد قضية فى المجتمع العربى إلا وكان الزعيم متصديا لها فى أعماله، يشعر وهو يمثل أنه يحيا ويغنى، حتى وصل لتلك المكانة الكبيرة العالية فى الفن العربى سواء فى السينما، أو الدراما، أو المسرح، كسر كل القواعد وقلب موازين السينما المصرية، وتسيد الزعامة فى الوطن العربى بأعماله وحب الناس، وعبر مشواره الطويل الذى قدم لنا من خلاله فناً جميلاً ملأ به حياتنا بهجة، ولن أكون مبالغاً حينما أقول إن هذا الاسم الكبير وتلك المكانة المرموقة التى يحظى بها الزعيم تجسيد حقيقى لقصة كفاح وصبر ومعاناة، فالطريق أمامه لم يكن مفروشاً بالورود، بل كان مليئاً بالأشواك والعراقيل والصعوبات، التى أفرزتها الظروف، فقد شاء الحظ أن يظهر عادل إمام وتلمع موهبته وسط جيل من الكبار الذين كانوا يملأون الساحة الفنية تألقاً ونجومية كانت تخطف الأبصار، بل كانت تحرق كل من يحاول أن يقترب منهم.

 

عادل إمام عاش للجمهور وللفن فقط، لم يدخل طوال حياته فى أى حزب سياسى، ولم يضع فنه فى خدمة أى أيدلوجية، الإنسان هو انتماؤه الوحيد، والحرية هى عقيدته، لذا لا يؤمن بتعدد الانتماءات ولا بتعدد العقائد، يحب البسطاء والمهمشين، ويحرص على السير بسيارته فى الزحمة وسط الناس ليرى الوجوه ويقارن بينها وبين الماضى، يعشق غاندى وتشارلى تشابلن، ويحتفظ فى منزله بتمثاليهما ويقول: "كلاهما ضئيل الحجم، ولكنهما أثرا فى التاريخ الإنسانى بطريقة مدهشة"، اكتسب من التجارب حد المعرفة بطبيعة النفس البشرية وأسرار الحياة، يحب أشعار كامل ومأمون الشناوى، وروايات يوسف إدريس، وصوت عبد الحليم حافظ، وفلسفة زكى نجيب محمود، وكتابات محمد حسنين هيكل، ومصطفى أمين، لذا نجده عبّر بخيال سينمائى خاص عن أحلام المهمشين فى المجتمع ورصد آمالهم وهمومهم وإنسانيتهم، مثله كالعمالقة والكبار، ولو راجعنا أفلامه ومسلسلاته نجده ينقب فى الواقع ويواجه كل السلبيات بفنه ويبعث برسائل شديدة الجدية، فهو يؤمن بالفن ورسالته وتأثيره فى المجتمعات والحياة العامة، ودوره فى تقريب وجهات النظر بين الشعوب، يغضب ويثور من منتقدى الفن وصناعه، ويقف مدافعا عنه فى وجه الحاكم والدولة والعالم كله، فنان صاحب مواقف معلنة وواضحة "يقول كلمته ويقف ويقولها ويمشى"، لا يخشى أحدا، فدائما ما تحمل أعماله رسائل مهمة تُظهر واقع المجتمع، سواء فى مشهد درامى يمثله، أو كلمة يقولها، أو إيفيه، الذى يعد بمثابة الـكرباج يلسع «اللى على راسه بطحة»، وجميعنا نتذكر إيفيهاته. من يستطيع أن يمنع نفسه من الضحك وهو يشاهد مسرحياته الكوميدية أو أفلامه السينمائية، فقد كنا ومازلنا وسنظل نضحك من قلوبنا ونكرر الضحك مرات ومرات حتى لو كنا نشاهد هذا العمل أو ذاك أكثر من مرة فى نفس اليوم، ومن منا استطاع أن يتمالك نفسه من شدة التأثر بأداء عادل إمام فى أعماله الدرامية؟ ومن منا استطاع أن يكتم أنفاسه من شدة الخوف على بطل قومى حينما قدم لنا عادل إمام مسلسله التليفزيونى الشهير "دموع فى عيون وقحة" المأخوذ عن قصة حقيقية من بطولات المخابرات المصرية؟  ومن منا لم يحفظ "إفيهات" عادل إمام فى مسرحياته وجميع أعماله الفنية التى اتسمت بالغزارة والمزج بين متعة المشاهدة والقدرة على تجسيد الواقع فى كثير من مجالات الحياة، لذلك ظل يحلق بنا ومعنا فى سماوات الفن والنجومية والأضواء.

عادل إمام هو صديق البسطاء والرؤساء، حقق معادلة من الصعب أن يحققها أحد غيره، أغلب رؤساء الدول كرموه واحتفوا به، والجمهور العربى فى كل مكان يحملون سيارته على الأعناق، يلقون عليه القبلات والسلام والتحية بدهشة وحب، بعض جمهوره فى الدول العربية لا يصدقون أن هذا الرجل "من لحم ودم" مثل البشر، ويتزاحمون عليه ليلامسوه بمجرد دخوله بلادهم، وعند وجود أى مصرى فى دولة عربية يكون السؤال الدائم من فم الجمهور العربى: "إنت من مصر"، وعندما يرد بنعم يقولون له :"بتشوف عادل إمام سلم لنا عليه"، ومع ذلك فى بلدنا القاهرة الساهرة الساحرة لا نجد تمثالا واحدا للزعيم عادل إمام، أسوة بالكبار عبد الوهاب وعبد الحليم ونجيب محفوظ وأم كلثوم، لا نجد ميدانا يحمل اسمه رغم أنه أشهر نجم عربى عرفته الشعوب، فى ظاهرة لن تتكرر ولا بعد ألف عام، وليس صحيحا ما يقال: "إن البلد ولادة" فلم نر على مدى السنوات الطويلة أن ولدت البلد أحدا سد مكانة سيد درويش أو عبد الوهاب أو أم كلثوم أو عبد الحليم حافظ أو نجيب محفوظ وغيرهم من الرموز.

عادل إمام سيبقى حكاية وطن، حكاية طويلة شاهدة على عقود، حكاية بدأت فى مهد ثورة 52 عندما أصبح الشعب هو صاحب المعالى والسمو، ورئيس الجمهورية كان فلاحا مصريًا، والمرأة شغلت مقاعد وزارية، حياة عادل إمام هى حكاية مصر من الملكية لجمال عبد الناصر لأنور السادات لـ حسنى مبارك حتى الرئيس السيسى.. حكاية عادل إمام حكاية زعيم مصرى تحتاج لمؤرخ يحكى عنه وعن عصره ومصره.

تم نسخ الرابط