مظاهر الفوضى فى حياتنا ليست مقصورة - كما قلت قبل ذلك - على إصدار «الفتاوى» من غير أهل العلم والتخصص والذكر.. وليست فى الإساءة والتشكيك فى الثوابت الدينية فقط، لكنها تشمل مجالات أخرى ربما لا تقل خطورة عن الانفلات والتجرؤ على ثوابت الدين. الفوضى بكل أنواعها وأشكالها مرفوضة خاصة إذا كانت تؤثر سلباً على السياق والإطار الأخلاقى المصري، فالخروج عن الطبيعى والمألوف دون حسابات، والتغيير سريع الإيقاع يحتاج إلى ترشيد وتقديم ودفعة إلى الطريق الصحيح خاصة أننا نعيش فى عالم يتغير فى كل «فيمتو ثانية» ولذلك فإن الانفتاح والاستباحة دون وجود خطابات رشيدة دينياً وثقافياً واجتماعياً وتعليمياً وإعلامياً سوف تؤدى إلى آثار وسلبيات بل وكوارث مجتمعية لذلك لابد من ضبط وترشيد هذا التغيير وتوظيفه فى الاتجاه الصحيح الذى يتناسب مع مجتمعنا ولا يتعارض مع قيمنا.. وهنا لابد من تدخل يعيد الانضباط لكل سلوكياتنا سواء بالوعى أو التقنين أو وضع الضوابط والمعايير والمحاسبة والمساءلة عليها.
هناك ظاهرة غريبة تدخل فى عداد الفوضى، فعندما تمر فى الشوارع المصرية تجد مكتوباً على الجدران والأسوار أرقام تليفونات محمولة لمراكز تزعم العلاج الروحانى للسحر والمس والحسد والقرين وغيرها من هذه الأمور، وأنا شخصياً لا أنكر مثل البعض هذه الأمراض أو الأمور فهى موجودة فى القرآن والسنة.. لكن السؤال المهم: هل هذه المراكز حصلت على تراخيص للعمل أم بالمزاج، وهل هناك ضوابط ومعايير وبأى حيثيات تتعامل مع المواطنين.. وهل يمكن أن تكون مراكز للدجل والشعوذة وليست للعلاج النفسى والروحانى الذى يقره علماء وأئمة الدين وأهل العلم والذكر، وهل تمارس عليها الرقابة والمتابعة؟ أم أننا نترك الأمور تتحول إلى كوارث ومصائب ووقوع ضحايا ثم نتعامل معها؟ الغريب والعجيب أن الترويج لمثل هذه المراكز ليس مقصوراً على الجدران أو أسوار الأندية والمنشآت بما يعنى أن هذا المركز يجاهر ويسهل الوصول إلى القائمين عليه لكنه وصل إلى وجود برامج تليفزيونية على بعض الشاشات لقنوات غير شهيرة أو قنوات الظل وبير السلم والكشف بـ 100 جنيه والعلاج بـ 1600 جنيه وتتناول بأريحية وتروج عبر «بار» الشاشة أو من خلال برامج متكاملة يتحدث فيها بعض من يدعون العلاج من المشايخ فى محافظات مختلفة.
السؤال المهم ما الجهة إن وجدت المنوط بها منح هذه المراكز تراخيص للعمل وما اشتراطاتها والمعايير والقوانين واللوائح الملتزمة بها أم نحن فى سبات عميق.. لا نعلم عنها شيئاً، حتى من باب المنفعة وتحصيل ضرائب منها خاصة أن مثل هذه الظواهر والأمور سواء السحر والأعمال والحسد والمس مثار حديث وشكاوى الكثيرين ولا أريد القول إنها أصبحت منتشرة حتى فى المجتمعات الراقية، وفى بيوت بعض الأثرياء ورجال الأعمال ومنهم من حدا إلى الاستعانة بمشايخ من المغرب يزعمون قراءة الطالع والمستقبل وحل العقد والأزمات، وتحقيق الأرباح بل إن هناك من يستعين بهم فى التنقيب عن الآثار وهى ذائعة الصيت فى فترات سابقة. ليس موضوعى الحلال والحرام فى هذه القضية، أو الإنكار أو الإيمان بوجودها، ولكن قضيتى هى ضبط الأمور.. والتصدى للفوضى والانفلات فكيف يعلن عن هذه المراكز التى تقول للناس إنها للعلاج الروحانى وتفك السحر وتشفى من المس والحسد دون أن تكون تحت سمع وبصر وحساب وتقنين الدولة، ومراقبة «أعمالها» ونشاطاتها.. هل تنفع أم تضر وتؤذي؟ أليست هذه فوضى ويجب أن نتوقف عندها حسب التقييم الموضوعى والشرعى بالوقف الفورى أو التقنين ووضع المعايير والاشتراطات.
إذا كان هؤلاء يزعمون تقديم العلاج إذن فهناك أمراض، وعلى حسب الثابت والراسخ أنه لا يوجد طبيب يمارس الطب لم يتخرج فى إحدى كليات الطب فى الجامعات المصرية أو الأجنبية ولديه رخصة لمزاولة الطب.. فهل هذا يتوافر لدى المعالجين الروحانيين.. ثم من يستطيع ونثق فيه أن يقيم علاجاتهم وأنهم جادون ويملكون القدرة والتأهيل لأنه ربما تحدث مصائب ومهازل فى هذه المراكز قد تتعلق وأقول ربما بسمعة الناس أو إساءة الأدب أو سلوكيات غير طبيعية وغير سوية أو يتناول المريض مواد وأعشاباً سامة أو يتلقى الضرب المبرح، لابد أن تكون مثل هذه الأمور بين أيدينا وتحت رقابتنا.. وإلا ستحدث أمور لا نتوقعها.