محمود الشويخ يكتب: «حكيم الشرق».. ماذا فعل السيسى فى أخطر جولة خارجية؟
- لماذا ذهب إلى الهند؟.. وما الذى دار فى المباحثات المغلقة؟.. وما الممنوع من النشر؟
- سر زيارة أذربيجان لأول مرة.. وما المكاسب السياسية والاقتصادية والعسكرية؟
- لماذا قال رئيس أرمينيا "أحتاج إلى نصيحة الرئيس السيسى لأنه أنقذ بلده وجعله دولة مستقرة"؟
مثل لاعب ماهر يدير الرئيس السيسى ملف العلاقات الخارجية منذ توليه مهام المسئولية.. لم يصطف فى محور على حساب آخر.. ولم ينحَز لطرف ضد طرف.. وما يحكمه مصالح مصر فقط.. وبالتأكيد مصالحنا فى الحفاظ على علاقات متوازنة مع الجميع.
لسنوات طويلة اختارت مصر أن تولى وجهها غربا وقصرت أو للدقة اهتمت بعلاقتها مع الغرب والولايات المتحدة على حساب أطراف أخرى كان لنا معها علاقات قوية.
لكن كل ذلك تغير مع تولى الرئيس السيسى.. الذى أعاد تشكيل السياسة الخارجية لمصر.
نعم حافظ على العلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية لكنه فى الوقت ذاته أعاد الحيوية للتعاون مع روسيا الأمر الذى تكلل بإعلان الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين.
والأمر ذاته فعله مع القطب الصاعد وهو التنين الصينى!
ثم إنه أعاد الروح للتحالف مع الاتحاد الأوروبى على أساس الاحترام والمصالح المتبادلة.
هذا إلى جانب العلاقات مع الدول العربية وبالأخص دول الخليج.. فضلا عن دول إفريقيا التى غبنا عنها لسنوات طويلة ودفعنا ثمن هذا الغياب طويلا.
غير أن ما كان لافتا هو التوجه شرقا.. ففى ظل ظرف عالمى يتسم بالتنافس والاستقطاب الحاد بين القوى الدولية الكبرى، ممثلة فى الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، وتزامناً مع أزمة اقتصادية أثرت على إمدادات الطاقة والغذاء فى جميع دول العالم، قرر الرئيس السيسى إحياء «إستراتيجية الاستدارة شرقاً»، والتركيز على تعزيز العلاقات الثنائية مع دول آسيا، لمجابهة التحديات العالمية.
الرغبة فى تطوير العلاقات مع "الشرق" بدت واضحة خلال جولة الرئيس السيسى الأخيرة للهند وأذربيجان وأرمينيا.
ففى الهند؛ قرر زعيما البلدين "السيسى ومودى" الارتقاء بعلاقاتهما إلى مُستوى "الشراكة الإستراتيجية" التى تغطى المجالات السياسية والأمنية والدفاعية والطاقة والاقتصادية. حيث يسعى الجانبان من خلال ذلك إلى تعظيم المصالح المُشتركة وتعزيز الدعم المُتبادل للتَّغَلُّب على الصعوبات الناجمة عن مُختلف الأزمات والتحديات المُتتالية التى يواجهها العالم.
وعلى الصعيد الاقتصادى فقد أعرب الزعيمان عن تقديرهما للمُشاركة الاقتصادية الثنائية القوية، وأعربا عن ارتياحهما للمُستوى الحالى للتجارة الثنائية التى سجلت رقمًا قياسيًّا قدره 7.26 مليار دولار أمريكى فى العام المالى 2021-2022، وذلك على الرغم من التحديات التى مثلتها الجائحة. كما أعربا عن ثقتهما فى إمكانية تحقيق هدف وصول حجم التجارة الثنائية إلى 12 مليار دولار أمريكى فى غضون السنوات الخمس المُقبلة، وذلك من خلال تنويع سلة التجارة والتركيز على القيمة المُضافة.
وأيضا رحب الزعيمان بتوسيع الاستثمارات الهندية فى مصر والتى تزيد حاليًّا على 3.15 مليار دولار أمريكى، واتفقا على تشجيع الشركات فى دولتيهما على استكشاف الفرص الاقتصادية والاستثمارية الناشئة فى الدولة الأخرى.
وقد رحبت مصر بتدفق المزيد من الاستثمارات الهندية وتعِد بتقديم الحوافز والتسهيلات وفقًا للوائح والأطر المعمول بها. ومن جانبها، أكدت الهند دعمها هذا النهج من خلال تشجيع شركاتها – التى لديها القدرة على تأسيس استثمارات خارجية – للاستفادة من الفرص الاستثمارية المُتاحة فى مصر.
وفى هذا السياق، يدرس الجانب المصرى إمكانية تخصيص مساحة أرض خاصة للصناعات الهندية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، على أن يقوم الجانب الهندى بإعداد الخطة الرئيسية لتفعيل ذلك.
واتفق الجانبان على تعزيز التعاون الثنائى فى مجالات بناء القدرات وتبادل الخبرات فى المجالات التنموية فى ضوء نجاح التجربة المصرية فى تنمية المناطق الريفية فى إطار مشروع "حياة كريمة"، وكذلك تجربة الهند فى استخدام التكنولوجيا لمُكافحة الفقر.
وأكد الزعيمان أهمية التعاون الدفاعى فى تعزيز الشراكة الثنائية، وقررا التركيز على تعميق التعاون بين الصناعات الدفاعية فى البلدين واستكشاف مُبادرات جديدة لتكثيف التعاون العسكرى.. وأعربا عن تقديرهما للتقدُّم المُحرز فى تنفيذ نتائج الاجتماع التاسع للجنة الدفاع المُشتركة الذى عُقِد فى القاهرة فى نوفمبر 2019، وتطلعهما لانعقاد الاجتماع العاشر لهذه اللجنة قريبًا فى الهند.
كما أعرب الزعيمان عن ارتياحهما لوتيرة التعاون المُتسارعة بين قواتهما المُسلحة من خلال التدريبات المُشتركة وعمليات العبور والزيارات الثنائية رفيعة المستوى.. وأشارا إلى أن مُشاركة القوات الجوية الهندية فى أول "تدريب جوى تكتيكى مُشترك" على الإطلاق فى مصر فى أكتوبر 2021 وفى "برنامج القيادة التكتيكية" للقوات الجوية المصرية فى يونيو 2022 قد أدى إلى تفاهم أفضل بين القوات الجوية لكلا البلدين. ويتطلع الزعيمان إلى المزيد من مثل هذا التعاون الذى يخدم مصلحة البلدين.
وبالنسبة لمُكافحة التطرف والإرهاب؛ فقد أعرب الرئيس عبد الفتاح السيسى ورئيس الوزراء ناريندرا مودى عن قلقهما من انتشار الإرهاب فى جميع أنحاء العالم، واتفقا على أنه يُشكل أحد أخطر التهديدات الأمنية للإنسانية.. ودان الزعيمان استخدام الإرهاب كأداة للسياسة الخارجية، داعين إلى عدم التسامح مُطلقًا مع الإرهاب وجميع من يشجعونه ويدعمونه ويمولونه أو من يوفرون ملاذات للإرهابيين والجماعات الإرهابية، مهما كانت دوافعهم. وشددا على الحاجة إلى قيام المُجتمع الدولى بتنسيق العمل بهدف القضاء على الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، بما فى ذلك الإرهاب العابر للحدود. وكررا إدانتهما لكافة جهود استخدام الدين – من قِبَل دول أو جماعات – لتبرير أو دعم أو رعاية الإرهاب ضد دول أخرى. ودعا الزعيمان جميع الدول إلى العمل على اجتثاث الشبكات الإرهابية وملاذاتها الآمنة والقضاء على بنيتها التحتية وقنوات تمويلها ومنع تحركات الإرهابيين عبر الحدود.
وكرر الزعيمان عزمهما المُشترك على تعزيز قيم السلام والتسامح والشمولية وبذل جهود مُتضافرة لمُكافحة الإرهاب والأيديولوجيات التى تحض على العنف والتطرف.. وشددا على الحاجة إلى نهج شامل لمُكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، على أن يشتمل – من بين أمور أخرى – على منع استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى من قِبَل المراكز الدينية لزرع التطرف بين الشباب وتجنيد الكوادر الإرهابية.. واتفقا على الحاجة إلى عقد اللجنة المُشتركة حول مُكافحة الإرهاب على نحو مُنتظم لتبادل المعلومات وأفضل المُمارسات.. واتفق الجانبان أيضًا على تعزيز التفاعُل بين مجلسى الأمن القومى فى الدولتين.
وعلى صعيد التعاون فى مجال الفضاء والأمن السيبرانى؛ اتفق الزعيمان على توسيع التعاون فى مجال الفضاء من خلال الاستفادة من خبرة الهند فى بناء وإطلاق الأقمار الصناعية وتطبيقات تكنولوجيا الفضاء.. وبحثا تعزيز التعاون فى أبحاث الفضاء فى مجالات مثل الاستشعار عن بعد، والاتصالات عبر الأقمار الصناعية، وعلوم الفضاء، والتطبيقات العملية لتكنولوجيا الفضاء.
وشدد الرئيس عبد الفتاح السيسى ورئيس الوزراء ناريندرا مودى على أهمية وجود فضاء إلكترونى مفتوح وحر ومُستقر ويُمكن الوصول إليه وآمن وموثوق به وخاضع للمساءلة، باعتباره عاملًا ممكنًا للنمو الاقتصادى والابتكار.. وعلى وجه الخصوص، أكدا مُجددًا ضرورة اتباع نهج مُتعدد لأصحاب المصلحة فى إدارة الإنترنت، وأعربا عن رغبتهما فى تعميق المُداولات حول تطبيق القانون الدولى على الفضاء الإلكترونى ووضع معايير للسلوك المسئول للدول، وذلك فى ضوء التحديات الأمنية الخطيرة الناجمة عن الزيادة المُقلقة فى الاستخدامات الخبيثة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. كما أبرز الزعيمان رغبتهما فى زيادة التعاون الثنائى فى القضايا المُتعلقة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ورحب الزعيمان بتوقيع مذكرة التفاهم بشأن التعاون فى مجال الأمن السيبرانى.
وفى الملف الصحى أعرب الجانبان عن التزامهما بتعزيز التعاون الثنائى فى مجالات مُكافحة الأمراض ومُعالجة الأزمات الصحية من خلال دعم الجهود المبذولة للإنتاج المُشترك للمُستحضرات الصيدلانية ونقل التكنولوجيا ذات الصلة بما يضمن وصول قطاعات أكبر من الناس إلى هذه المُنتجات فى البلدان النامية، خاصةً فى إفريقيا وآسيا.. وأكد الجانبان أهمية زيادة التبادلات العلمية والأكاديمية مع التركيز على تبادل الخبرات والأبحاث فى مجالات تكنولوجيا المعلومات والطب والأدوية.
وعن العلوم والتكنولوجيا والتعليم.. أعرب الزعيمان عن ارتياحهما للتعاون طويل الأمد بين مصر والهند فى مجال العلوم والتكنولوجيا، واتفقا على أهمية التعاون بين البلدين فى مجالات التكنولوجيات الناشئة من خلال تبادل أفضل المُمارسات والقيام ببحوث مُشتركة فى المجالات ذات الاهتمام المُتبادل، مثل التكنولوجيا النانوية والتكنولوجيا الحيوية والطاقة المُتجددة. وإدراكًا منهما للإمكانات الهائلة لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فى تعزيز الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، رحب الزعيمان بتوقيع الجانبين على مُذكرة تعاون فى مجال تكنولوجيا المعلومات مع التركيز على الحوكمة الإلكترونية وتقديم الخدمات العامة الإلكترونية، بما فى ذلك التعلم الإلكترونى والتطبيب عن بعد وإعادة تأهيل وصقل مهارات المواهب الشابة فى مجالات التقنيات الجديدة والناشئة. كما رحبا بعمل شركات هندية فى مصر مُتخصصة فى مجال تكنولوجيا المعلومات، وأعربا عن ثقتهما فى توثيق التعاون فى قطاع تكنولوجيا المعلومات.
واتفق الزعيمان على أن التعليم وتنمية المهارات من خلال تبادل الطلاب والأكاديميين بين البلدين من شأنه أن يقوى الروابط بين الشعبين. ومن ثم، فقد قررا تعزيز الشراكة الثنائية فى مجال التعليم من خلال استكشاف إمكانية التعاون بين الجامعات المصرية ومؤسسات التعليم العالى العامة الهندية. وأعرب الجانبان عن عزمهما إجراء المزيد من المُشاورات بين الأجهزة الوطنية المعنية لتسهيل إجراءات إنشاء فرع لإحدى مؤسسات التعليم العالى الهندية فى مصر، وذلك وفقًا للوائح والقوانين ذات الصلة فى البلدين.
ومن الهند إلى أذربيجان؛ حيث عقد الرئيس السيسى مباحثات على مستوى القمة مع الرئيس الأذرى إلهام علييف، بمقر قصر "زوجلوب" الرئاسى بباكو.. حيث شهدت المباحثات تناول سبل تعزيز العلاقات الثنائية على مختلف الأصعدة، وقد أشاد الرئيس "علييف" فى هذا الصدد بالمسار الإصلاحى الاقتصادى فى مصر، والذى كان مؤداه التحسن الملحوظ والمستمر فى مؤشرات الاقتصاد المصرى، كما أكد الجانبان أهمية البناء على عمق العلاقات التاريخية الودية الطيبة بين مصر وأذربيجان على المستويين الرسمى والشعبى، وما تمثله من قاعدة راسخة لتطوير التعاون فى المجالات ذات الاهتمام المشترك، بما يحقق نقلة نوعية فى مستوى التعاون بين الجانبين، ويعمل على توطيد أطر التعاون الثنائى والحوار السياسى لتحقيق المصلحة المشتركة للجانبين، والبناء على ما تم تدشينه من تقارب بين البلدين خلال السنوات الماضية.
وأكد الجانبان أيضاً أهمية العمل على تعزيز التبادل التجارى، وتوطيد الشراكات الاقتصادية بين القطاع الخاص فى البلدين، من خلال تشكيل مجلس مشترك لرجال الأعمال، كما تمت مناقشة تعزيز التعاون بين الجانبين فى عدد من القطاعات، وذلك فى ضوء الإمكانات الهائلة التى يتمتع بها البلدان والفرص العديدة للتعاون بوجه عام، خاصةً فى مجال الطاقة سواء الجديدة أو المتجددة أو الغاز الطبيعى، فى ضوء سعى مصر للتحول إلى مركز إقليمى للطاقة، علاوة على التعاون فى مجالات أخرى كالإنشاءات والبنية التحتية، والنقل، والصناعات الدوائية، والسياحة والثقافة.
وفى الختام شهد الرئيس والرئيس الأذرى التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم المشتركة بين الجهات الحكومية المعنية فى البلدين للتعاون فى مجالات الثقافة، والموارد المائية، وبين وزارة التجارة والصناعة المصرية ووزارة الاقتصاد الأذرية.
ومن أذربيجان إلى أرمينيا؛ حيث التقى الرئيس السيسى بالقصر الرئاسى فى العاصمة الأرمينية ييريفان مع الرئيس "فاهاجن خاتشاتوريان"، رئيس جمهورية أرمينيا، حيث شهدا التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم المشتركة بين الجهات الحكومية المعنية فى البلدين للتعاون فى عدد من المجالات، وهى المجال العلمى والتكنولوجى، وكذا مذكرة تفاهم للتعاون بين وزارة الشباب والرياضة المصرية ووزارة التعليم والعلوم والثقافة والرياضة الأرمينية، إلى جانب مذكرة تفاهم للتعاون المؤسسى فى مجال الاستثمار، وأعقب ذلك انعقاد المؤتمر الصحفى المشترك بين الجانبين.
كما عقد الرئيس مباحثات مع رئيس الوزراء الأرمينى "نيكول باشينيان.. حيث استعرض الرئيس خلال المباحثات تطورات الخطة التنموية التى تتبناها الدولة، والمشروعات القومية الجارى تنفيذها بما تتيحه من فرص للاستثمار، مؤكداً الاهتمام بتحقيق نقلة نوعية فى مساحة التعاون الثنائى بين البلدين، لاسيما عن طريق تشجيع التعاون بين مجتمع رجال الأعمال فى الدولتين بشكل ينعكس على تطوير حجم التبادل التجارى والاستثمارى، فضلاً عن عقد الجولة السادسة من اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادى والعلمى والفنى بالقاهرة فى أقرب وقت ممكن فى ضوء دورها كآلية مؤسسية للحوار بين الجانبين، بالإضافة إلى تعزيز التعاون المشترك فى عدد من المجالات الواعدة كالطاقة والبنية التحتية وتكنولوجيا المعلومات والصناعات الغذائية والدوائية، وكذلك دعم مساعى مصر لإقامة منطقة تجارة حرة مع دول الاتحاد الاقتصادى الأوراسى لما ستحققه من مصلحة مشتركة للجانبين، حيث تتناسب المنتجات المصرية مع احتياجات هذه الدول من حيث الجودة والسعر.
إننا أمام تحرك رئاسى يستحق بحق كل تحية واحترام ودعم.
ودائما وأبدا تحيا مصر.