إلغاء العبودية بفرنسا.. «انتفاض الرقيق لنيل حريتهم»
اعتبرت العبودية واحدة من أسوأ ما فعل الإنسان بغيره، ولم يقف الأمر عند حد السخرة واستغلال البشر بصورة مذلة بل امتد لينتهك حقوقهم وإنسانيتهم وأجسادهم ليسلب منهم كرامتهم وعزة نفسهم.
في الماضي انقسم العالم إلى فرق مختلفة وصار الاحتلال وسيلتهم لاغتصاب خيرات غيرها مستغلين جهلهم وضعف مقوماتهم الاقتصادية والاجتماعية، ازداد الأمر سوءا مع وجود عبودية لدى غالبية تلك الدول بصورة لم تفلح معها معاهدات أو اتفاقيات إلى أن تم إلغاءها بصورة تامة.
فرنسا على سبيل المثال، كانت إحدى تلك الدول التي أقدمت على إلغاء العبودية في مستعمراتها، ففي عام 1794، تسببت الاتفاقية الثورية، آنذاك في إعلان إلغاء تجارة الرقيق والرق في المستعمرات الفرنسية لأول مرة، لكن نابليون بونابرت أعادها إلى وضعها السابق في عام 1802.
كان من الضروري بعد ذلك انتظار ظهور الجمهورية الثانية في عام 1848 لرؤيتها ملغية نهائيًا في المستعمرات الفرنسية. في غضون ذلك ، وبفضل الحملات التي نفذتها الحركات المناهضة للعبودية على مدى نصف قرن تقريبًا، تم التخلص منها، بصورة نهائية.
في 27 أبريل 1848 ، ألغت الجمهورية الثانية الوليدة العبودية في المستعمرات الفرنسية. التزامًا بأفكار حركات إلغاء الرق، كما وضعت الجمهورية الجديدة التي أعقبت الثورة حداً لمفارقة فرنسية غريبة، فكيف يمكن استمرار حالة الاستعباد في البلاد التي أعلنت حقوق الإنسان؟ والالتزام بنهج جديدة يحفظ للبشر كرامتهم، لذا فقد تم إعلان العبودية كـ"جريمة ضد الإنسانية"، لتكون أول دولة أوروبية تلغي تجارة الرق.
وفي هذا الإطار، احتفى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس الماضي في قصر شاتو دي جو، بالجنرال الفرنسي الهايتي والعبد السابق توسان لوفرتور، "أب" استقلال هايتي، وذلك بعد اندلاع ثورة العبيد في هايتي (سانت دومينجو سابقا)، والتي كانت ضمن المستعمرات الفرنسية التي ألغت العبودية.
واعترافا بأهمية إلغاء العبودية قرر الرئيس الفرنسي قبل سنتين إقامة نصب تذكاري بهذا الخصوص في حديقة تويلري وسط باريس وتشييد متحف في أقاليم ما وراء البحار إلى جانب دمج تاريخ العبودية في المناهج الدراسية الفرنسية.
بيد العبيد دون غيرهم
جاء تحرير العبيد الأفارقة في المستعمرات الفرنسية بعد ثلاثة قرون من النضال، وقد كان العبيد أنفسهم هم أفضل من خاض الحروب لنيل الحرية، ولكنها لك تكن حروبا عسكرية ولم بشهروا أسلحتهم في وج أحد بل كانت حروبهم تمارس الضغط النفسي وتظهر ما يعانوه من انتهاكات تدفعهم إلى الانتحار أحيانا أو الاجهاض، أعمال التخريب وأيضا الهروب.
ساهمت أيضا كتابات المؤلفين وفلاسفة تلك الحقبة، في تجسيد معاناة العبيد من خلال إدانتهم لذلك العمل الغير آدمي، كما انتقد معظمهم ما يفعل بالعبيد من ذوي البشرة السمراء على وجه الخصوص.
حوربت كثيرا دعوات التحرر من العبودية، نتيجة وجود أشخاص يتربحون من ذلك الأمر المهين، كسماسرة الرقيق إلا أنهم لم يستطيعوا الصمود أمام العبيد والكتاب وكافة المعنيين الذين رأوا أن الرق هو كابح لتنمية الاقتصاد الجديد القائم على العمل الحر وتنمية السوق.